يا أعداء الثورات: انتظروا القادم!

لم يجانب الرئيس التونسي السابق الدكتور منصف المرزوقي الصواب عندما قال مؤخراً إن أحلام الربيع العربي قد ذهبت أدراج الرياح. لا شك في أن الثورات المضادة التي قادتها الدول العميقة بالتحالف مع أسيادها في الخارج نجحت إلى حد كبير في شيطنة الثورات وتحويلها إلى وبال على الشعوب، وخاصة في بلدان مثل سوريا واليمن وليبيا، حيث تحول الوضع إلى جحيم لا يطاق. ففي سوريا استطاع النظام بالتواطؤ مع الروس والإيرانيين وحلفائه الإقليميين والعرب وربما الأمريكان والإسرائيليين أيضاً، استطاع حرف الثورة عن مسارها وتحويلها إلى كارثة داخلية وإقليمية وحتى دولية. لقد نجح النظام بمباركة أمريكية وروسية وإيرانية في تحويل سوريا إلى جهنم حمراء، وجعل السوريين يتحسرون على أيام الطغيان الخوالي. وقد شاهدنا بشار الأسد في أكثر من خطاب وهو يتفاخر بالحديث عن الانتقام من الثورة وإجهاضها.
بدوره لم يتحمل طاغية اليمن علي عبد الله صالح طعم الخروج المذل من السلطة تحت ضغط الشارع اليمني الذي خرج بالملايين على مدى شهور مطالباً بإسقاط النظام. فما كان من المخلوع إلا أن تحالف مع الميليشيات الحوثية المدعومة إيرانياً للانقلاب على العهد الجديد، بل راح يستخدم كل قدراته العسكرية والمالية لحرق اليمن. فكما أن جماعة بشار الأسد رفعت شعار: «الأسد أو نحرق البلد»، رفع مرتزقة علي عبد الله صالح شعار: «أحرقوا كل شيء جميلا في اليمن انتقاماً من الثوار.» وكانت النتيجة أن اليمنيين بدورهم راحوا يتحسرون على الأيام السوداء التي عاشوها تحت نير الطاغية، لأن الأيام الحالية أصبحت أكثر سواداً وبؤساً.
وحدث ولا حرج عن ليبيا، فما أن نجح الشعب في القضاء على نظام القذافي وبدأ ببناء دولة جديدة على أنقاض النظام الساقط، حتى راح أعداء الداخل والخارج يتآمرون على ثورته، فعملوا على إغراق البلاد والعباد بالتناحر والاقتتال الداخلي انتقاماً من الثوار.
وحتى في تونس لا يختلف الوضع إلا في حجم الخسائر. صحيح أن تونس لم تعان ما تعانية سوريا وليبيا واليمن. إلا أنها في الواقع عادت إلى المربع الأول بشهادة رئيسها السابق. فقد عادت فلول العهد البائد من النافذة بعد أن طردهم الشعب التونسي من الباب. بل إن أبواق زين العابدبن بن علي عادوا ليعيثوا فساداً وطغياناً وإرهاباً على شاشات التلفزة التونسية، وكأنهم بذلك ينتقمون من الثورة كما يفعل نظرائهم في اليمن وسوريا وليبيا. لا عجب أن نظام القايد السبسي كان أول من أعاد علاقاته الدبلوماسية مع طاغية الشام متجاهلاً كل ما يفعله النظام السوري بحق سوريا والسوريين.
وفي مصر بات المصريون يتحسرون على أيام مبارك الجميلة بعد أن انتقلوا من عهد الديكتاتورية إلى عهد الفاشية كما يجادل بعض المعارضين المصريين، فما أحلى أيام مبارك يصيح معارض مصري، حيث كان المصريون يتمتعون بقدر كبير من الحرية، بينما باتوا الآن غير قادرين على الهمس في ما بينهم خوفاً من سياط قوانين الإرهاب وغيرها. لقد انتقم العهد الجديد من الثورة المصرية بطريقة لا تخطئها عين كما يرى معارضو النظام.
لا شك أن أعداء الثورات في سوريا ومصر وتونس وليبيا واليمن، وخاصة في الداخل، يفركون أيديهم فرحاً وهم يسمعون هذا الكلام، على اعتبار أنهم انتقموا انتقاماً شديداً من الثوار، وأعادوا عقارب الساعة ليس إلى الورراء فقط، بل إلى وراء الوراء. نعم نجحوا مرحلياً. لكن هل لديهم مشروع غير مشروع الانتقام الرخيص الذي لا يسمن أو يغني من جوع؟ بالطبع لا. هل أصبح الوضع في سوريا أفضل لبشار الأسد وزبانيته مثلاً؟ هل يعتقد أنه يستطيع أن يعود ليحكم سوريا التي كانت؟ هل بقى هناك بلد أصلاً؟ صحيح أن مثل هذه الأنظمة لا تعير أي اهتمام لا للأوطان ولا للشعوب، لكن ألم تطلق النار على قدميها في الوقت الذي كانت تطلق فيه النار على شعوبها؟ ألم يزرع بشار الأسد وعلي عبد الله صالح وفلول القذافي بذور عشرات الثورات القادمة؟ هل يستطيعون إصلاح ما اقترفت أيايدهم من قتل وتدمير وتخريب وتهجير؟ بالطبع لا.
وحتى في مصر وتونس اللتين لم تتعرضا للخراب والدمار: ما هو مشروع الحكام الجدد؟ هل لديهم استراتيجيات حقيقية بديلة تجعل الناس تنصرف عن الثورات والاحتجاجات؟ هل لديكم ما هو أفضل فعلاً ، أم إن الوضع هناك على كف عفريت سياسياً واقتصادياً وأمنياً، وهو قابل لللانفجار عاجلاً أو آجلاً؟ هل قوانين الإرهاب هي الحل لتركيع الشعوب؟هل يكفي أن تنجح في الانتقام من خصومك السياسيين كي ترفع إشارة النصر في بلاد تعاني معاناة شديدة في كل المجالات، وخاصة بعد الثورات؟
البعض يعتقد أن أهوال الثورات وتبعاتها ستعيد الشعوب إلى زريبة الطاعة، وأن الشعب الجزائري بلع جراحه في تسعينات القرن الماضي، وعاد إلى سلطة الجنرالات بعد أن حولوا ثورته إلى وبال عليه. وهناك من يرى أن بقية الشعوب ستحذو حذوه، وستلعن الساعة التي ثارت فيها، وأنها ستقبل بالقليل القليل على أن تعاني ما عانته جراء الثورات. نقول لأصحاب هذا الرأي الساذج: إذا كنتم تعتقدون أن الجزائر هدأت، ولن تكرر تجربة التسعينات، فأنتم تفهمون التاريخ كما أفهم أنا الانشطار النووي الحنكلوطي. من المستحيل أن تضمد جرحاً وهو مليء بالصديد والدماء النازفة. لا بد أن تنظف الجرح أولاً، وإلا انفجر الجرح ثانية بأسرع مما تتصورون.
أيها المنتقمون من ثورات الشعوب. لا تفرحوا كثيراً. الانتقام ليس حلاً أبداً، بل هو مقدمة لخراب العمران وثورات قادمة تبدو التي انقلبتم عليها بالمقارنة معها مجرد لعب عيال. وإذا كان لكم في الماضي مائة ثأر مع الشعوب، أصبح لديكم الآن مليون ثأر. القادم أعظم وأخطر بكثير مما تتصورون!

٭ كاتب واعلامي سوري
[email protected]

د. فيصل القاسم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عادل:

    النهضة وهي الحزب الاسلامي تشارك في الحكم، وحزب د.المرزوقي له نواب في البرلمان. والحكومة يشارك فيها 4 أحزاب. تلك هي الديمقراطيّة. وثق أنّ تونس لها وضع خاص، حتى زمن الاحتلال الفرنسي. في البرلمان التونسي لدينا أطياف من اليسار واليمين والليبراليين والاسلاميين.. وهذا لم يكن موجودازمن بن علي. لتكن تونس النموذج، بالرغم من أنّ لكل بلد عربي خصوصيته.

  2. يقول بلال الحطاب من تونس:

    هذه المرة سنثور ثورة. إن شاء الله لا قبل لهم بها و الايام بيننا (بلال من تونس)

  3. يقول الاعماق:

    الله يجيب الخير قلقتنا خويا فيصل والله نتاع الصح

  4. يقول ابو اسامة . تونسي:

    ابان الثورة الفرنسية نصبت الاف المشانق ,,,الا في ثوراتنا العربية ارادو ان يعصرو من ا صنام الطواغيت عصيرا و ارادو ان يفوح من عفونة اقبية الداخلية شذا ياسامينا قكانت وبالا على الثوار لانهم كانو انسانيين اكثر من جلاديهم و ذلك حال من يقوم بنصف ثورة فيحفر قبره بيده ….

  5. يقول alaa:

    I totally agree with mr qasem … Egypt appears the 1st arab country to re explode in seesi s face because he has nthing to offer except killing and torture

  6. يقول Australia:

    ان الثورة بحاجه الى ثوار ومبايء وبرنامج ثوري واضح المباديء ولاهداف والطرق

    ا ن الثورة التي لا تؤمن بلمساواة بين ابناء الوطن الواحد ليست بثورة وان من دعمون الثورت فليبدؤا من بلادهم ان كانوا ثورا وليسوامعلوفين

  7. يقول محمد السعودية:

    خرج الثوار لتطبيق الديمقراطيه فما كان لهم الا الدمار والخراب خرج الدواعش لتطبيق شرع الله فما كان لهم الا دولة اربكة العالم باسره .. وما النصر إلا من عند الله

  8. يقول أسامة/ سورية:

    لقد مللنا الإنتظار.

  9. يقول راشد . المانيا:

    فعلا يا دكتور القادم أعظم والانتقام من أعداء الثورات سيكون رهيبة لن يفرح بشار الأسد كثيرا بما أنه مصر على تدمير سورية بالتنسيق مع خليفته داعش وأزلامه من العلويين صدقني أنهم لن يفرحوا كثيرا وسوف يحصدون قريبا ما جنته أيديهم

  10. يقول نصر فيينا النمسا:

    مقال رائع ورؤية صحيحة للمستقبل.لا يمكن بعد الذي حدث لتلك البلدان أن تعود كما كانت. تستطيع ان تبني الحجر وتعيده كم كان لكن من المستحيل أن تبني البشر إلا بعد عشرات الأجيال.

1 2 3 4 7

إشترك في قائمتنا البريدية