حدثان جريا في يوم واحد، الجمعة 20 كانون الثاني/يناير 2017. تجاورا بشكل غريب حد التماهي، لا تفصل بينهما إلا المسافات: تنصيب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في احتفالية كبيرة منقولة عبر كل شاشات العالم، وتنصيب الرئيس الغامبي أداما بارّو في المنفى كأنه سارق وهو الذي فاز بانتخابات بلاده بشكل طبيعي.
ليس الأمر من باب المقارنة، فهي غير قائمة مطلقاً، ومستحيلة نظراً لاتساع الفوارق، ولا حتى من باب المداعبة، فليس هذا وقتها، لكن للتذكير فقط بالحدود الدنيا لاحترام النفس أولاً، والتعهدات المقطوعة، واحترام الخيارات الشعبية كيفما كانت إرادتها.
للأسف، هناك بعض البشر، لم يتعلموا، بل لم يدركوا أن الزمن تغير منذ فترة بعيدة، وأن الديمقراطية بكل وفاقها، وحتى مشاكلها ومعضلاتها، يجب أن تُحترَم. بل أن يكون هذا الاحترام مثبتاً في الدساتير المتخلفة للعالم الثالث، الأكثر إلحاحاً على الدين والمحافظة والقيم، لكنه السباق دائماً إلى اختراقها.
طبعاً، لم يكن كل الشعب الأمريكي راضياً على دونالد ترامب، بل أكثر من نصفه لا يشاطره آراءه، لكنها الخيارات الديمقراطية بسلطانها القاسي والصعب، والمخيب أحياناً. المهم في كل هذا هو قوة مؤسسات الدولة واستمرارها بغض النظر عن فوز هذا أو ذاك. يوم تنصيب ترامب حضر قرابة المليون شخص، وتظاهر الآلاف من الرافضين له، لكن الكل يعرف حدوده وسلطان المؤسسات التي ظلت محترمة وتسير وفق المعتاد.
الرئيس أوباما وزوجته ميشيل، ينتظران وصول الرئيس الجديد وزوجته الأنيقة ميلانيا، التي تحمل هدية تضعها في يد أوباما الذي يضعها في يد زوجته قبل أن يأخذ الجميع صورة تذكارية أخيرة تبين سلاسة انتقال الحكم من الديمقراطيين إلى الجمهوريين. يعود بعدها الرئيس الذي حكم أمريكا لعهدتين إلى حياته الطبيعية. ينسحب من المكان كما دخله لأول مرة. كان يعرف أصلاً أنه يوم دخله، سيغادره بعد مدة أقصاها ثماني سنوات.
عايشت، منذ طفولتي على الأقل عشر رؤساء أمريكيين، من كنيدي حتى ترامبت، مروراً بنيسكون، وفورد، وكارتر، ريغان، بوش الأب، كلينتون، بوش الابن. وعايشت حدثاً استثنائياً أن يحكم أسود البيت الأبيض، ولم يحدث ما يخل بالقوة الأمريكية. وظلت أمريكا هي أمريكا. لكني بالمقابل عايشت رؤساء عرباً وأفارقة، لم يغادروا مناصبهم إلا محمولين على توابيت. في الفترة نفسها، وتحت سماء واحدة وأرض واحدة وإن اختلفت المسافات، وفي اللحظة نفسها، كان الرئيس الغامبي أداما بارّو، المنتخب ديمقراطياً ينصب في المنفى، في سفارة بلاده في السنغال، بدل احتفالية ملعب بانجول، بعد أن رفض الرئيس الغامبي السابق يحيى جامي الذي التصق بالحكم منذ 1994، التسليم في الحكم، على الرغم من إقراره بنزاهة الانتخابات؟ وبدل أن يغادر باحترام بعد أن هزمته الديمقراطية، أعلن يحيى جامي، عن حالة الطوارئ لمدة تسعين يوماً في البلاد. الأمر الذي دفع بالمجموعة الاقتصادية لدول إفريقيا الغربية CEDEAO المتشكلة من السنغال ونيجيريا وغانا وتوغو ومالي وغامبيا، إلى التحرك عسكرياً لإجباره بالقوة على المغادرة، ومنع هذا التصرف اللاديمقراطي. القرار الذي أيده مجلس الأمن الدولي للدفع بالرئيس المنتهية فترته إلى التسليم بالأمر.
ماذا كان يكلفه لو خرج كما يخرج كل الديمقراطيين بسماحة وشجاعة، ويغادر الكرسي الذي احتله مدة 23 سنة؟ وسيّره بقبضة عسكرية باردة. حتى الخروج الطبيعي، والعبور الديمقراطي السلس، لم يستطع أن يضمنه، وكان عليه أن يقبل بإخلاء مكانه، بالقوة.
كم نشتهي أن نرى، في العالم الثالث، وعالمنا العربي تحديداً، رئيساً سابقاً، لا يخرج محمولاً على نعش، يعانق بحب، رئيساً جديداً على المنصب، معترفاً له بالنجاح في الانتخابات، ويرافقه هو وزوجته حتى باب الرئاسة، ثم يودعه باحترام، بدل أن يتشبث حتى الموت بمنصبه. كيف لرجل حكم منذ 94 لا يشبع ولا يصاب بتخمة رئاسية؟ ويظل يطمع في المزيد ولو على جثته.
الحكم في العالم الثالث لم يعد خدمة للصالح العالم ولكنه مرض مزمن. ما يزال قتلتنا الميامين وحكامنا المهزومون في العالم الثالث، باتساع رقعته، يعيدون إنتاج البؤس نفسه، بلا أدنى تردد، وكأن أمر الحكم والالتصاق بالكرسي، من شدة تكرره أصبح جينياً. نصاب بالدهشة من العادي، كأن يغادر رئيس مكانه بعد انتهاء عهدته، بلا طنين ولا ضجيج، ولا رغبة له في تغيير القانون والدساتير وجعلها تستجيب لما يريده. أو كما قال أحدهم مدافعاً عن تغييره الدستور ليستمر في الحكم: نحن من صنعنا الدساتير، فما المانع من أن نكون نحن من يغيرها من أجل الصالح العام؟ لكن الدستور أكثر من ورقة، فهو التزام أخلاقي مع النفس وأمام الناس؟ عدم الامتثال لضوابطه معنا استغباء المجتمع كلياً. عندما تحرك الجيش السنغالي، في إطار المجموعة الإفريقية والدولية، قبل الرئيس المهزوم بخيار الصناديق. ماذا كان سيخسر لو قبل بقرار الانتخابات وقام بما بتنفيذ قرارات الدستور والديمقراطية، وفرح بالرئيس الجديد واحتفل معه بالتنصيب في ملعب بانجول؟
يبدو أن حكام العالم الثالث المرضى بالتسلط، لا يفرقون بين وطن، وأمة، ومزرعة خاصة، يعيثون فيها فساداً وسرقة، وعندما يحين وقت الخروج، يرتِّبون كل شيء للاستمرار في السلطة أبدياً. هل هو قدرنا القاسي؟ متى يتعلم الحاكم الثالثي Tiermondiste ، جمالية الانسحاب بعزة نفس وكبرياء واعتراف بالخسارة من دون بهدلة أو حروب أو دم يراق ظلماً؟
واسيني الأعرج
” عندما تحرك الجيش السنغالي، في إطار المجموعة الإفريقية والدولية، قبل الرئيس المهزوم بخيار الصناديق. ماذا كان سيخسر لو قبل بقرار الانتخابات وقام بما بتنفيذ قرارات الدستور والديمقراطية، وفرح بالرئيس الجديد واحتفل معه بالتنصيب في ملعب بانجول؟ ” إهـ
الفرق يا أستاذ واسيني أنه حصل على الحماية من المحاسبة كما حصل قبله الرئيس اليمني علي صالح
ولا حول ولا قوة الا بالله
تعليق يعكس الواقع المرير للبلاد التي ابتليت بحكام لايستطيعون النظر ابعد من اقدامهم وكانوا سببا لتخلف ومعاناة شعوبهم…
عنوان المقال يصلح للحُبّ ؛ أكثرمنه لسياسة الحكم وفلسفته في الشرق والغرب..فهم يخرجون من العشق البارد سريعاً كالسهم الصاروخ ؛ ونحن نمكث فيه أبداً كالوتد الراسخ.والحبّ قرين المنصب.ألم تقرأ الحديث النبويّ : {..وشاب دعته امرأة ذات منصب وجمال }.فهومن الذين يظلهم الله يوم لا ظلّ إلا ظله ؛ ولا توجد أمة متفوّقة في كلّ شيء ياسيدي.فدعهم هم يتفوّقون علينا بالديمقراطية ؛ ونحن نتفوق عليهم بالعشقراطية.
هو الفرق بين من دخلوا الحضارة الانسانية منذ زمان و من بقوا خارجها الى يومنا هذا.
أذكر السيد واسيني لعرج بأن الرئيس المرزوقي (لارغم الاحترازات على سياساته ومواقفه ) سلم مقاليد الحكم للرئيس السبسي بطريقة ديمقراطية ووفق بروتوكولات متعارف عليها في قصر قرطاج في خريف 2014 .. قد تكون المرة الأولى في الوطن العربي .
إنة كما وصفت،،المرض المزمن،، والعالم الثالث عشر،لا يريد
الخروج الشفاء منة،لأنة جزء من غريزة حب السلطة !.
نشارككم ،،الحلم،، بأن يتم ترسيخ الممارسة الديمقراطية،
وإحترام متطلباتها،بلا قيد ولا شرط،ولا عبث وتضليل،وتزوير .
قبل الجميع كان عبدالرحمن سوارالذهب في السودان 1985 ؛ سلّم المنصب الرئاسي إلى المجلس المنتخب ؛ ثمّ غادرالسودان إلى دولة قطر.