الناصرة ـ «القدس العربي»: كان الأديب والسياسي الفلسطيني الراحل إميل حبيبي يقول في خضم جدالاته مع الإسرائيليين «من فمك أدينك» وهو يقتبس جهة إسرائيلية تعترف بانتهاكات الاحتلال بهدف حسم الجدل بالضربة القاضية. وهذا ما تفعله جهات فلسطينية ودولية اليوم بالاعتماد على عدة جهات إسرائيلية مناهضة للاحتلال منها وربما أهمها منظمة «يكسرون الصمت» عن وعي ومن أجل خدمة إسرائيل وإنقاذها من ذاتها.
بالتزامن وفي المقابل توظف إسرائيل جهودا كبيرة لتنكر احتلالها وانتهاكاتها اليومية ولمواجهة حملة المقاطعة الدولية في العالم. تفعل ذلك بماكنة دعائية ضخمة محاولة شيطنة الفلسطينيين والمقارنة بينهم وبين «داعش» وتتهمهم بالافتراء وتطرح ذاتها ضحية لـ «إرهابهم».
لكن منظمة «يكسرون الصمت» تسحب البساط من تحت أقدام القائمين على الدعاية الإسرائيلية في العالم، ولذا فهي تثير حفيظة المؤسسة الحاكمة لدرجة أن وزير الأمن موشيه يعلون أعلن الحرب عليها أمس، ويمكن فهم وتفهم دوافعه. وبهذه الفترة يثير اعتقال ضابط إسرائيلي في لندن شارك في الحرب الأخيرة على غزة قلقا لدى زملائه بالاحتياط الذين يخططون للسفر من أجل التنزه في العالم. ويخشى بالذات ضباط وجنود نشرت أسماؤهم بعد الإعلان عن فوزهم بأوسمة وجوائز من قبل الجيش بعد الحرب.
نفاق وافتراء
وإزاء ذلك قال يعلون إن إسرائيل ستساندهم وتقف بجانبهم والدفاع عنهم، معتبرا ذلك جزءا من حملة نزع الشرعية، متهما من يعترض لجنوده في العالم بالنفاق والافتراء. وكشف يعلون أنه أمر بمنع مشاركة أي مندوب عن منظمة «يكسرون الصمت» بفعاليات الجيش. وتابع مشككا بدوافع «يكسرون الصمت»، ومحرضا عليها «لو كان أعضاء هذه المنظمة قلقين فعلا على أخلاقنا كما نحرص نحن على قيمنا لكانوا قد اختاروا العمل مقابل الجيش بشكل مباشر دون تسويد صفحة ضباطنا وجنودنا بالعالم» .
يشار إلى أن «يكسرون الصمت» منظمة أسسها ضباط وجنود بالاحتياط قبل نحو العقد وتعمل للكشف عن جرائم الاحتلال وانتهاكاته بتسجيلات صوتية وشهادات ومقابلات لجنود يعترفون بانتهاكاتهم بحق الفلسطينيين. وتعمل «يكسرون الصمت» التي يحاولون إخراسها واستعادة الصمت على جرائم الاحتلال والمستوطنين، من أجل إقناع الإسرائيليين بأن الاحتلال يهددهم ويهدد إسرائيل ويفسدها.
وهي لا تكتفي بفضح إطلاق جنديين الرصاص على جمل كما حصل في النقب قبل أيام، ومن وقتها تحاول إسرائيل تحقيق مكاسب دعائية من خلال محاكمة الجنديين اللذين قتلا الجمل. وبذلك تطبق إسرائيل قول أديب اسحق «وقتل إمرىء في غابة جريمة لا تغتفر وقتل شعب آمن مسألة فيها نظر». فهي تتجاهل قتلها آلاف المدنيين الفلسطينيين من نساء وأطفال لاسيما في غزة في العقد الأخير وحده.
وتقوم المنظمة التي تتحرك بدوافع إسرائيلية بتقديم محاضرات في محافل ومنتديات مختلفة عن الاحتلال، ومنذ عام بدأت تفعل ذلك خارج البلاد أيضا مما جعلها عرضة للاتهامات القاسية من قبل أوساط إسرائيلية كثيرة. وتصاعدت الحملات الإسرائيلية على «يكسرون الصمت» لتزامن فعالياتها مع اشتداد حملة المقاطعة الدولية لإسرائيل، ولأن هذه لا تستطيع نفي أقوالها بصفتها إسرائيلية ويشارك بعضويتها مئات الجنود.
الخوف من لندن
وضمن مساعيه للطعن بمزاعم منظمة «يكسرون الصمت» ادعى يعلون أن الجيش فحص بعضها ولم يجد أمرا حقيقيا فيها. وقال إنه مع مرور الأيام يتضح أن الحديث يدور عن منظمة تتحرك بدوافع كيدية»، واعدا بالتصدي بقوة لها. لكن بعض الضباط والجنود ممن شاركوا في الحرب على غزة لا تطمئنهم وعود يعلون ويفضلون التنازل عن السفر كما فعل الضابط دوليف أوحيون الذي قال لموقع «واينت» الإخباري أمس إنه قرر إلغاء سفره للندن والبحث عن دولة أوروبية بديلة لا تقوم بملاحقة جنود إسرائيليين.
وكان أوحيون قد نشر شريطا مسجلا ليوميات الحرب على غزة وقامت مدونات في غزة بنشره واعتبرته إرهابيا مطلوبا. وأوحيون ليس وحيدا بل هو واحد من عشرات الضباط الذين يبدون قلقا من الملاحقة القضائية في العالم ويطالبون اليوم يعلون باتخاذ مواقف وخطوات صارمة ضد منظمات تنزع شرعيتهم كمنظمة «يكسرون الصمت». ويبدي هؤلاء قلقهم من دعوات متزايدة بالعالم لمحاكمتهم على سلوك غير أخلاقي وإجرامي كما يستدل من مذكرة أرسلوها لوزير الأمن يعلون. وعلى خلفية كل ذلك تعرض رئيس إسرائيل رؤوفين ريفلين مجددا للتحريض من قبل إسرائيليين لموافقته المشاركة في مؤتمر صحيفة «هآرتس» في واشنطن جنبا إلى جنب مع مندوبين عن «يكسرون الصمت».
وكان عشرات الجنود والضباط بالاحتياط قد تظاهروا أمس الأول قبالة مقر ريفلين ودعاه نواب إسرائيليون لعدم المشاركة بمؤتمر «هآرتس».
مكارثية إسرائيلية
في المقابل انتصرت عضو الكنيست تمار زندبيرغ «ميرتس» لـ «يكسرون الصمت» ووصفتها في بيان لها أمس بأنها منظمة حيوية للديمقراطية ومن أجل القيم الإنسانية والعدالة، مؤكدة عدم إمكانية أن يكون الجيش مقدسا في دولة ديمقراطية وهو ليس محصنا عن الانتقاد. واعتبرت دعوة ريفلين لعدم مشاركته بمؤتمر «هآرتس» استمرارا لمحاولات نزع الشرعية عن منظمة قانونية ومهمة تضع الإسرائيليين أمام المرآة كي يرون ما يفعلون ويحاولو ن طمسه ونسيانه. وتبعتها رئيسة الحزب زهافا غالؤون بقولها إن حملة يعلون على «يكسرون الصمت» مكارثية إسرائيلية»، موضحة أن الانتقادات لما هو معطوب في دولة طبيعية أمر طبيعي.
ولا شك أن كشف «يكسرون الصمت» عن عمليات قتل المدنيين الفلسطينيين والاعتداء على أملاكهم ومصادرة حقوقهم يزيد الدعاية الإسرائيلية عبثية ويذّكر بجهات إسرائيلية يقل عددها مع الوقت ويرتفع صوتها وهي تصرخ بأن تبييض وجه إسرائيل مع وجود احتلال مثله مثل تحلية البحر الميت بمعلقة سكر.
قضية عادلة ومحام ماهر
هذه الجهات السياسية والإعلامية التي باتت صوتا بالبرية في إسرائيل الراهنة تشكك جدا بمناورات العلاقات العامة وبالمساعي الدعائية، وتشدد على حيوية تجفيف مستنقع الاحتلال بدلا من الركض وراء البعوض لقتلها. وأشارت إلى أن العالم لم يعاقب إسرائيل كما ينبغي بعد، لانشغاله بشؤون أكثر سخونة وتعامله حتى الآن معها كابنة مدللة، لكنها تحذر من أن هناك حدا للتهرب والتأجيل وأن إسرائيل تقترب من تجربة جنوب إفريقيا التاريخية.
ونقل عن إميل حبيبي مقولة أخرى تناسب الحالة العربية والفلسطينية اليوم حينما تحدث عن «الفرج العربي» لإسرائيل من استمرار الانقسام الداخلي، ومواصلة الرهان على مفاوضات ووضع البيضات بالسلة الأمريكية، ومكافحة الهبة الشعبية السلمية أو تأييدها لفظا فقط، والتراجع عن توجهات رسمية لمحافل دولية، وعدم إبداء موقف عربي- فلسطيني حازم من الإرهاب الداعشي هي ممارسات تجمل فرجا متجددا لدولة الاحتلال. القضية العادلة كقضية فلسطين تحتاج لمحام ماهر بالذات حينما يتراجع العالم عن الاهتمام بها وعن ردع إسرائيل والمساهمة بتسويتها بشكل عادل.
وديع عواودة
سبحان الله:
إسراءيليين ضد إسراءيل
أما العرب، مواطنون و مثقفون، فلا حراك