■ تسارعت وتيرة الأحداث في محيط العاصمة اليمنية صنعاء مؤخراً شمالاً وغرباً، وكانت الأحداث قد بدأت في التصاعد في اليوم الذي زار فيه وكيل وزارة الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللاهيان صنعاء قبل أسابيع، حين فجر الحوثيون الوضع بالاعتداء على ثكنة عسكرية تابعة للجيش في عمران.
كانت حجة الحوثيين في شن الحرب على الجيش في عمران، هي في المقام الأول تغيير محافظ المحافظة محمد حسن دماج، الذي يتهمونه بعلاقته بالتجمع اليمني للإصلاح، وتمت الاستجابة أخيراً لمطالبهم، وتغير المحافظ، ولكن عندما جاء المحافظ الجديد لاستلام عمله منعه الحوثيون، الذين يحاصرون المدينة، من دخولها بحجة عدم الاستجابة لكافة مطالبهم، مع أنهم لم ينفذوا أياً من المطالب التي تلزمهم بإزالة الاستحداثات القتالية التي قاموا بها، وتطبيع الأوضاع، وسحب المسلحين.
ومع اشتراط الحوثيين تغيير أكثر من مسؤول أمني وعسكري وسياسي، إلا أنه سبق لهم ـ في مفارقة عجيبة – أن فرضوا محافظاً لمحافظة صعدة التي اختطفوها بقوة السلاح، بعد أن طردوا المحافظ المعين من قبل الدولة، من دون أن يشترط عليهم أحد تغيير هذا المحافظ. قال لي أحـــد السياسيين في اليمن إن الحوثيين سيظلون يطالبون بتغيير من لا يتفق وسياساتهم من المسؤولين بحجة أو بأخرى، حتى يصل الأمر بهم إلى أن يطالبوا بتغيير الرئيس نفسه، بحجة رضوخه لما يسمونه قوى الاستكبار العالمي.
في شطحة هزلية رأيت الحوثي طفلاً صغيراً مدللاً، كلما لبي له طلب، ابتدع آخر، غير أن الفارق بين الحوثي والطفل المدلل جوهري، وهو أن الطفل المدلل لا يعرف ماذا يريد بالضبط، بينما يعرف الحوثي ماذا يريد.
باختصار شديد يريد الحوثي ـ مرحلياً – في اليمن وضعاً كوضع حزب الله البناني، لا يريد الحوثي أن يكون ظاهراً في الصورة، ولا يرغب حتى في أن يتصدر المشهد السياسي، ولكنه يريد أن يكون «الإمام (الغائب) الفعلي» لصنعاء، أو «صانع الأئمة»، على أقل تقدير. يريد الحوثي رئيساً يمنياً أشبه ما يكون بالرئيس اللبناني، رئيساً يتستر تحته الحوثي في تنفيذ كل مخططاته، بتحويل اليمن أو أجزاء منه إلى حديقة خلفية لنائب صاحب الزمان في طهران. رئيساً يترأس في الظاهر، لكنه لا يحكم، وهذا وضع مريح للحوثي الذي يريد أن يظهر للخارج بأنه منضبط، ولا يسعى للسلطة بينما هو المتسلط على رقاب الناس بمن في ذلك الرئيس نفسه.
صدع حزب الله اللبناني رؤوسنا بقبوله بـ»رئيس مسيحي» للبنان، وقد طالبه هذا الرئيس أكثر من مرة بسحب مقاتليه من سوريا، وتجنيب الشعب اللبناني كارثة الانزلاق في الرمال السورية، غير أن حزب الله رد بأن ذهابه إلى سوريا قرار مصيري، وأن حربه ضد السوريين هي حرب وجود، ضارباً بمطالبات الرئيس اللبناني عرض الحائط، كما يقال.
هذا بالضبط ما يريده الحوثي في اليمن، رئيساً لبنانياً لليمن، رئيساً صورياً، مجرد صورة لا أهمية لها، ولا قرار، وهذا كما ذكرنا يمكن الحوثي من ممارسة السلطة من دون أن يكون ظاهراً للعيان، ويرمي الحوثي من وراء ذلك إلى أن يستفيد من كعكة السلطة من دون أن يتحمل تبعاتها، أو بعبارة أخرى، يريد الحوثي أن يأخذ منافع السلطة، ويلقي بأضرارها ومسؤولياتها على الرئيس.
لا يهم الحوثي ـ في تصوري ـ أن يكون الرئيس من فريقه، ولا أن يكون رئيس الوزراء من «الشباب المؤمن» الذين تدرجوا في ما بعد إلى مرتبة «أنصار الله»، ويمكن أن يتبرع الحوثيون بحصتهم من التشكيلة الوزارية إذا عرضت عليهم لحلفائهم، كما عرض حزب الله على شركائه ذات مرة، ذلك لا يهم ما دام أن الحكومة والبلد كلها ستكون تحت رحمة أدعياء نظريات الحق الإلهي القروسطية المقيتة.
وفي الماضي أرسلت إلى الحوثي اللجنة تلو الجنة، والرسالة تلو الأخرى بشكل مباشر أو غير مباشر من طرف الرئيس اليمني، غير أن الحوثي الذي بدأ يتصرف تصرفات حزب الله في اليمن، لم يلق بالاً لكل تلك الرسائل، له هدف واضح ومحدد، وليس لأحد حتى لو كان رئيس البلاد أن يحرفه عن هذا الهدف غير المعلن بالطبع، على الرغم من أن كل الشواهد والتصرفات تشير إليه، وهذا الهدف المرحلي بالطبع هو أن يكون الحوثي نسخة يمنية لحزب الله اللبناني، وهذا بالطبع ليس تخطيط «صاحب ضحيان» الذي يحاول التشبه بطريقة مضحكة بـ»صاحب الضاحية»، ولكنه تخطيط الإيرانيين الذين أسسوا حزب الله ليكون ذراعاً عسكرية لهم في لبنان، كما شكلوا ودعموا الحركة الحوثية لتكون ذراعهم العسكرية في اليمن. ولكي تكتمل أوجه الشبه بين الحزب الإلهي في لبنان والحركة الإلهية في اليمن، فإنه لابد أن يكون للحوثي جيب في العاصمة صنعاء، يكون مربعاً أمنياً خاصاً به، كما هي الضاحية الجنوبية في لبنان، وقد تم اختيار «ضاحية الجراف»، لتكون نسخة من المربع الأمني في «الضاحية الجنوبية» في بيروت، وبذا تتكامل أوجه الشبه، مع فارق بسيط بين الضاحيتين، وهو أن الجراف «ضاحية شمالية»، حيث تقع شمال صنعاء.
وفي مطلع هذا الأسبوع ، افتعل الحوثيون- في ما يبدو- حادثة أمنية، أرسلت على إثرها قوة امنية للاطلاع على طبيعة الانفجار الذي حدث في «الضاحية الشمالية» لصنعاء، وما ان دخلوا، حتى اصطدموا ببعض المسلحين الحوثيين، ومن ثم أمطرهم الحوثيون بوابل من النيران أدى إلى جرح قرابة العشرين من القوة الأمنية التي تحركت للقيام بواجبها في الحضور إلى مكان الحادثة، والقيام بالتحقيق، وملاحقة من افتعل الحادثة.
وتتكامل أوجه الشبه بين حزب الله و»أنصار الله» باعتماد الحوثي زرع عدد كبير في ما يبدو من أتباعه، او استمالة عدد من القياديين في المؤسسات المختلفة للدولة، خاصة المؤسستين الأمنية والعسكرية. وهذا يذكرنا بعدد من الضباط العسكريين الموالين للحوثي أثناء جولات الحروب السابقة، الذين قبض عليهم حال اتصالهم بالحوثيين لتحذيرهم من ضربات جوية، بعد تحليق المقاتلات اليمنية لضرب مواقع مسلحيهم في صعدة. ناهيك عن تحالفات جديدة أسفرت عن اصطفاف بعض من أنصار النظام السابق وغيرهم مع الحوثيين نكاية بالتجمع اليمني للإصلاح، أو بالرئيس هادي، كما انضمت للحوثيين فئة يمكن أن نطلق عليها «الانفصاليون الشماليون»، الذين غاظهم أن يكون في صنعاء «رئيس جنوبي»، فرأوا في الحوثي أكبر سند لاستعادة «الحق الشمالي» في السلطة، وأخذها من يد «الجنوبيين»، في نعرة مناطقية وجهوية كريهة.
خلاصة القول، كثيرة هي العوامل التي خدمت الحوثي في توسعه الأخير، الذي يسعى به للحصول على وضع يشبه وضع حزب الله في لبنان، حيث يصير الرئيس اليمني في منصب بروتكولي، لا يسمح له بممارسة سلطاته التي يخطط الحوثيون أن تؤول إليهم شيئاً فشيئاً، بحيث يتحول الرئيس اليمني مع الوقت إلى نسخة من الرئيس اللبناني، كلما تحول «أنصار الله» إلى نسخة من «حزب الله»، وبذا يصير صاحب «قصر الستين» أشبه ما يكون بصاحب «قصر بعبدا»، لهما السكن في القصر، لكن ليس لهما حق التصرف خارج هذين القصرين إلا بأمر الحاكم بأمر الله في بيروت وصنعاء.
ومع كل ذلك، لم يفت الأوان بعد شريطة أن يمارس الرئيس اليمني صلاحياته كاملة، وأن يستغل التأييد الدولي والشعبي له، وأن يبدأ حملة لتطهير أجهزة الدولة من كل أصحاب الولاءات الحزبية والطائفية، خاصة في المؤسستين الأمنية والعسكرية، وأن تتم هيكلة حقيقية للجيش بشكل خاص على أساس ولائه للوطن، لا للشيخ ولا للسيد، مع تشديد الرقابة على أداء المسؤولين في الدولة، والبدء بفرض هيبتها على العاصمة أولاً، وتحويل صنعاء شيئاً فشيئاً إلى مربعات أمنية لفرض هيبة الدولة، فإذا نجح الأمن في صنعاء، فستكون نموذجاً يتم الانطلاق منه لتعميمه على غيرها من المحافظات.
وما لم يتم التحرك في هذا الاتجاه، فإن الحوثي اليوم يسارع بشكل جنوني للتحول إلى وضع حزب الله في اليمن، وحينها سيتعامل «أنصار الله» مع الرئيس اليمني تعامل «حزب الله» مع الرئيس اللبناني، هذا إذا لم يتعاملوا معه تعاملهم مع «محافظ صعدة» في شمال البلاد.
٭ كاتب يمني من أسرة «القدس العربي»
د. محمد جميح
أتابعك منذ فترة كاتبنا المحترم
في كتاباتك هم عربي ورعي لما يحدق بالعرب من اخطار ابرزها الخطوات الاسرائيلي والإيراني. المعركة في اليمن هي نفس المعركة في سوريا والعراق، وهي معركتنا في لبنان وفلسطين. تشابهت المعارك وتعددت والعدو واحد. مرة بعمامة إيرانية وأخرى بطاقية إسرائيلية.
اخطأت فيما ذهبت اليه
ما العيب في ان يكون الحوثيون مثل حزب الله. يدافع عن لبنان بيد ويدافع عن سوريا باليد الاخرى. ضرب اروع الأمثلة في الشجاعة والتضحية والدود عن حياض الأمة العربية والإسلامية. ستظلان تقاومون من يدافع عنكم ومن يدعمه في ايران الثورة الاسلامية الى ان يطلع الحق
يا دكتور جميح: أنت تعلم الحقيقة وتوارب عن قولها. مثل الحوثيين كمثل حزب الله في لبنان مصدر فخر وقوة لكل لبناني شريف. ما يحصل من المحافظ وجماعته وقسم كبير من الجيش اليمني هو أمر مريب لأنهم يساعدون “التكفيريين” المتسلفة والإخوان على ضرب الحوثيين لأسباب طائفية مثل الذي يجري في طرابلس بالضبط حيث يقوم أتباع تيار “المستئبل” و”الحئيئة” بتجميع كل شذاذ الآفاق والمجرمين لقتل أبناء وطنهم بسبب تفوق حزب الله عليهم في كل المجالات ، وخصوصاً الإخلاص للعقيدة والوطن والمبادئ. وما حصل أمس في فندق الروشة ليس ببعيد عما أقول ، حيث حاولت سلطات الأمن العام التي يقودها اللواء عباس إبراهيم بإلقاء القبض على سعوديين جاءا إلى لبنان من أجل أن يحتفلا مع مشاهدي مباراة إيران ويشجعا الفريق الإيراني على طريقتهما الإرهابية ، ولكن عيون الأمن كانت لهما بالمرصاد وتعلمون بقية القصة. يا سيد جميح: ما تقوله يخفي جزء من الحقيقة لا، الحوثيين أيضاً ليسوا ملائكة تمشي على الأرض ، ولكن يعيشون تحت ظلم كبير من الجارة المسلمة ومن تجمع القاعدة في اليمن لضربهم ، فهل يقفون مكتوفي الأيدي حتى تتم إبادتهم على أيدي أتباع آل سعود والخلايجة..؟
ما لنا الا الله يدبر امرنا ويحسن خلاصنا