تنظيم «داعش» لن تهزمه جيوش أوباما ولا الأسد بل تحالف قوى سورية معارضة

حجم الخط
3

لندن – «القدس العربي»: لا يزال الجدل حول كيفية هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية – داعش محتدما في الغرب. وآخر ما علمناه عن المعركة ضد هذ التنظيم الذي أقام خلافة في سوريا والعراق انه لم يعد حاضنة بل الحاضنة تبدأ من الدول الأوروبية، على الأقل بريطانيا التي تلاحق قاتل الصحافي الأمريكي جيمس فولي وتحاول تحديد هويته. ففي مقالة لعمدة لندن بوريس جونسون في صحيفة «دايلي تلغراف» دعا فيها لاعتبار كل من يذهب لسوريا دون إعلام السلطات إرهابيا، كما دعا لنزع الجنسية عمن قرر البقاء في سوريا وتطبيق نظام الرقابة الأمنية والإقامة الجبرية على من عاد. وتأتي المقالة هذه ضمن بحث بريطانيا عن سياسة واضحة في العراق وفي ضوء ما تفكر فيه الولايات المتحدة من توسيع لهجماتها كي تشمل سوريا وضرب داعش هناك.

مفارقة

ويرى البعض في توسيع العمل العسكري الأمريكي مفارقة مأساوية لانها تأتي بعد عام من خطة لضرب النظام السوري الذي قام باستخدام السلاح الكيميائي ضد شعبه، مع ان البعض لا يشعر بالدهشة من هذا التطور لان الكثيرين حسب إيشان ثارور الذي كتب في صحيفة «واشنطن بوست» كرروا تحذيراتهم من دعوات الرئيس الأمريكي المستمرة لرحيل الرئيس بشار الأسد عن السلطة لخوفهم من ان خطوة كهذه قد تؤدي لفراغ في السلطة يملأوه الجهاديون أو الجماعات المتطرفة.
ويعيد الكاتب هنا التذكير بما قاله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي حذر من التدخل الأمريكي في مقال نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» في إيلول/ سبتمبر العام الماضي وجاء فيه «أي ضربة عسكرية لن تؤدي إلا إلى زيادة العنف وستفتح الباب أمام موجة جديدة من الإرهاب، وستؤثر على الجهود الدولية المشتركة لحل الملف النووي الإيراني وحل النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني وتقوض الاستقرارفي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وستهز كل النظام الدولي لتطبيق القانون والنظام. ويرى ثارور ان بعض ما قاله بوتين كان قد ساء ولكن تحليله للوضع قام على قراءته للحرب الأهلية السورية.
وجاء فيه ان سوريا «لا تشهد معركة من أجل الديمقراطية ولكن حربا مسلحة بين الحكومة والمعارضة في بلد متعدد الأديان» مقترحا ان النظام العلماني للأسد وان كان بالمظهر يظل أفضل رغم ما ارتكبه من الذي سيحل محله. وهاجم بوتين الكوادر الإسلامية المتزايدة أعدادهم في داخل الثورة السورية واصفا إياهم بـ «المرتزقة الذي جاءوا من الدول العربية للقتال هناك، إضافة لمئات المتطرفين الذين جاءوا من الدول الغربية وروسيا وهو موضوع يقلقنا، حيث يمكن ان يعودوا لبلادنا وقد اكتسبوا الخبرة في سوريا».

ليس محقا

ويعلق ثارور ان مظهر القلق هذا تتشارك فيه الولايات المتحدة والدول الغربية التي تشعر بالقلق من حجم المقاتلين الغربيين وحضورهم في الجماعات الجهادية، مشيرا للجهادي الذي ظهر في شريط ذبح الصحافي الأمريكي جيمس فولي متحدثا بانكليزية جيدة قريبة من لهجة أهل لندن. ولكن الكاتب يعلق قائلا من ان تحول الغرب عن الحديث عن الجرائم التي ارتكبها – ويرتكبها- نظام الأسد للجرائم التي يرتكبها المتشددون الذين يقاتلونه هي إشارة إلى تعقيد الحرب التي تقوم بمحو حدود بين البلدان وتهز الواقع السياسي في المنطقة كلها. كل هذا لا يدفعنا للقول ان ما تحدث عنه بوتين وحذر منه ثبتت صحته فهو لم يكن رجلا يحترم القانون الدولي خاصة بعد ضمه جزءا من أراضي ( القرم) من دولة معترف بها وعضو في الأمم المتحدة، أي أوكرانيا في آذار / مارس الماضي، وظل بوتين يلعب دور المعرقل لأية جهود دبلوماسية في مجلس الأمن والمؤسسات الدولية للتحرك ضد النظام السوري ووقف حملاته الوحشية ضد المدنيين.
فما بدأ في آذار / مارس 2011 كاحتجاجات سلمية تطالب بالحرية والكرامة تحول إلى انتفاضة مسلحة بسبب القمع الحكومي وأدى لمقتل أكثر من 191.000 شخص. وبالمقابل فهناك من ينتقد الإدارة في واشنطن ويقولون لو تحركت سريعا ودعمت «المعتدلين» بالسلاح منذ البداية لما استطاع المتشددون تحقيق ما وصلوا إليه من نفوذ.
ويعذر الكاتب الولايات المتحدة بالقول انه من الصعب تخيل سيناريو لم يكن للجماعات الإسلامية في سوريا لتستفيد من تدخل أمريكي مباشر هناك. وفي النهاية يذكر بما كتبه بوتين في ذلك المقال وأكد فيه على دعم موسكو الحوار وان لديها «خطة للمستقبل» تقوم على التحاور بين الحكومة والمعارضة التي رفضتها حسب الكاتب.
وفي السياق رفضت كل الدعوات التي طالبت بالتعاون مع الأسد في سوريا من واشنطن للندن وغيرها من العواصم الغربية مع ان محللين رأوا ان لا إمكانية للقضاء على داعش بدون التعاون مع النظام المتهم بصعوده ودعمه أو التحالف معه.

مشروط

ويبدو ان صحيفة «اندبندنت» البريطانية قد فهمت هذا الواقع ورأت رغم ذلك ان الغرب يفكر بلملمة الأوراق مع الأسد محذرة من هذا «المسار الخطر» وجاء في الافتتاحية « من النادر إعادة تأهيل دكتاتور بطريقة سريعة كما تم تأهيل بشار الأسد، بعد جريمته التي ارتكبها باستخدام غاز السارين، حيث كان الغرب يحضر لضربه عسكريا، وجاء هذا بالطبع بعد عقود من القمع في ظل والده» مشيرة إلى ان النظام الذي يقوده الإبن يمارس نفس السياسات ويقود نفس الدولة المخابراتية، ومع ذلك ينظر إليه كبديل لداعش.
«وبعد الجريمة المروعة التي ارتكبت بحق جيمس فولي تبحث الولايات المتحدة وبريطانيا عن أي شخص يخلصهما من تهديد داعش، وعليه يتم الحديث عن الأسد اليوم بلهجة مخففة ليست كسابقتها قبل ظهور داعش، حيث يوصف «أهون الشرين»، «عدو عدوي هو صديقي» وبعض من يدعون للتقارب معه هم انفسهم ممن كانوا يطالبون بإرسال طائرات «درون» لاغتياله قبل أشهر».
وتقول الصحيفة ان الغرب الذي فشل بدعم العناصر المعادية لداعش يتحدث اليوم عن التعاون مع دكتاتور قد يسقط في المدى البعيد، وهو ما سيمنح داعش نصرا سهلا على الغرب. وتقول «لا يمكننا تقديم دعم غير مشروط للأسد، فستكون له آثار تراجيدية، وقد نقوم باستخدام الوضع من أجل إجبار الأسد على إصلاح نظامه من مثل منح المعارضين المعتدلين للنظام أماكن في حكومة إئتلاف، ولا يمكننا والحالة هذه دعم صديقنا الجديد فهذا غريب وفاحش».

العودة للسياسة التقليدية

وتعتقد الصحيفة ان الغرب بعد مرحلة قصيرة من الإعجاب بالربيع العربي يكتشف الغرب الواقعية السياسية حيث اكتشفوا مرة أخرى مذاقهم لدعم الانظمة الدكتاتورية أو إمكانية تحقيق ما يريدون عبر حكومات وكيلة. وتذكر كيف رضي الغرب بالإطاحة بالإخوان المسلمين في مصر الذين كانوا يحكمون ضمن ما يشبه الديمقراطية مفضلين عليهم نظاما عسكريا صديقا القاهرة، فيما تركت ليبيا لحالها وكذا تونس ويمكن للحكومة في البحرين عمل ما تشاء. ولعل من أكثر الأشياء الصادمة بالعودة للدبلوماسية القديمة- التقليدية هي حالة الدفء في العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران.
فقد كان مدهشا الكيفية التي وضعت فيها الدولتان خلافاتهما حول الملف النووي جانبا وتعاونتا ضد العدو المشترك لهما ولمصالحهما في العراق، داعش. وترى في النهاية ان لا شيء جيد سيأتي من التقارب مع الأسد بدون شروط، فسيعطي هذا لداعش مبررا كي يدعي انه دمية في يد الإمبريالية والكفار. وبعيدا عن دعم الأكراد بالسلاح فلا يمكن هزيمة داعش بالأسلحة التقليدية، أيا كانت من الأسد أو أوباما، فداعش منظمة إرهابية لا يمكن هزيمتها حتى لو شن الأسد عليها هجوما بالغازات السامة. وترى ان الأزمة الثقافية والسياسية والدينية والعسكرية التي سببها داعش هي في النهاية نتاج للمعارضة ضد نظام الأسد، وسهل دخولها العراق بسبب فشل حكومة المالكي.
ولن يهزم داعش في سوريا إلا تحالف من القوى التي تعارضه، ولن تهزمه لا قوات أجنبية على الأرض ولا الغارات الجوية.

غارات ليست كافية

وهو ما تعترف به صحيفة «نيويورك تايمز» في افتتاحيتها حيث تقول ان الولايات المتحدة لا يمكنها وحدها هزيمة داعش في العراق وسوريا خاصة ان التنظيم هذا وحشي وأفعاله أرعبت العالم المتحضر حسب قولها. وتقول ان الغارات الجوية والدعم العسكري الآخر أدت للتخفيف بعض الشيء عن الأقليات الدينية والجماعات الأخرى التي هددها داعش. لكن هزيمة هذا التنظيم وإضعاف قدراته بشكل كبير يحتاج إلى رد منظم وطويل الأمد ويشمل على تحالف واسع من الدول يضم الدول المسلمة ولا يعالج فقط التهديد العسكري ولكن السياسي والقضايا الدينية خاصة ان اضطهاد الأيزيديين والمسيحيين وإعدام الصحافي جيمس فولي كشف وبشكل واضح عن وحشية داعش.
وتحدثت الصحيفة عن تصريحات الجنرال مارتن ديمبسي، رئيس هيئة الأركان المشتركة الذي تحدث يوم الخميس عن داعش ووصفه بالتنظيم الذي يمثل «تهديدا مباشرا» على الغرب إضافة للعراق، آلافا من المقاتلين الأوروبيين ومن دول أخرى انضموا له ويحملون جوازات يستطيعون استخدامها والتحرك بسهولة ومواصلة القتال حال عودتهم لبلادهم الأصلية بما فيها الولايات المتحدة.
وصدرت تصريحات مماثلة وان كانت أكثر تشددا عن وزير الدفاع الأمريكي تشاك هيغل وركز في تصريحاته على قدرات التنظيم المالية ومهاراته القتالية المتقدمة وأساليبه في فرض الخلافة الإسلامية بقوة السلاح. فيما ذهب محللون أبعد من هذا ليصفوا داعش بأنه انجح تنظيم إرهابي في تاريخ الجماعات المتشددة ويسيطر على مناطق واسعة في بلدين- سوريا والعراق – وبسرعة تشبه سرعة الضوء.

… والمسلمون ضحاياه

وتقول الصحيفة ان داعش يمثل تهديدا على الغرب والولايات المتحدة لكن من يدفعون الثمن الأكبر جراء ممارساته هم المسلمون. ولهذا دعا باراك أوباما «الحكومات والشعوب في المنطقة لبذل الجهود والتخلص من هذا السرطان قبل ان ينتشر».
وحتى يتحقق هذا يحتاج قيادة من الولايات المتحدة حسب الصحيفة. ولهذا السبب تقول انه لا أوباما أو الدول الحلفاء تقدموا برؤية متماسكة لها حظ من النجاح. فالرد على الأزمة كان ولحد الآن يتسم بالتريث. فقد شددت الولايات المتحدة على أهمية تناسي الحكومة العراقية وجيشها تناسي الخلافات مع قوات البيشمركة التابعة لحكومة إقليم كردستان ومواجهة داعش وبدعم جوي أمريكي، فيما وعدت ألمانيا وإيطاليا وبريطانيا وفرنسا تقديم أسلحة للأكراد. لكن الصحيفة ترى ان السياسة العراقية تظل غير مستقرة، فقد ضغطت الولايات المتحدة وبنجاح باتجاه تنحية نوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي لاعتقادها ان حكومة تشارك وطني هي وحدها القادرة على توحيد البلاد ضد التهديد الذي يمثله داعش. وتشير لتداخل المصالح «النادر» بين إيران وأمريكا، كيف قامت طهران بالتخلي عن المالكي مما أدى لتكليف حيدر العبادي بتشكيل الحكومة الجديدة.
وحتى يوافق البرلمان العراقي على الحكومة هذه يظل الوضع السياسي غير واضح وهو ما يؤثر على القتال ضد داعش. وتعتقد ان منظور هزيمة داعش يمكن ان يتطور لو شاركت دول إسلامية اخرى فيه. ولكنها مثل العراق تعيش دوامة تنافس وانقسامات طائفية سنية – شيعية وبعضها لديه علاقات مع جماعات متطرفة مثل داعش وقام المتبرعون من دول الخليج بضخ أموال لها، فيما ساعدت السعودية المقاتلين السوريين بالسلاح ولم تكن تهتم لو وقع بعضه في يد داعش.
وسمحت تركيا لمقاتلي داعش والاسلحة بالمرور عبر حدودها الطويلة مع سوريا. وترى ان انشاء قوة عسكرية إقليمية قد يحتاج لدعم من مجلس التعاون الخليجي وتركيا، وتحتاج بالتأكيد للمال والتشارك في المعلومات الإستخباراتية والتعاون الدبلوماسي وخطة واضحة لوقف وصول الأموال لداعش وتدفق المقاتلين بين الدول. وثمنت الصحيفة في هذا السياق دعوة فرنسا لعقد مؤتمر دولي لمناقشة تهديد داعش، فهو اقتراح يستحق النظر.
وترى مثل «اندبندنت» ان هزيمة داعش لن تتحقق بدون دعم الدول المسلمة فمهما أمر أوباما من غارات على العراق، ويفكر بتوسيع الحملة لتشمل سوريا فلن تتم هزيمة داعش طالما لم يتحرك المسلمون وجعلوا مواجهة داعش أولوية. وتقول ان بعض الدول بدأت تتحدث ضد التنظيم، فمفتي المملكة العربية السعودية اعتبر داعش والقاعدة العدو الأول للإسلام. ولكن يجب ان يذهب المسلمون أبعد من الشجب ويبدأوا نقاشا حول مخاطر التشدد الإسلامي وكيف يمكن التصدي لواحدة من أكثر الحركات الشاذة في العالم.

إبراهيم درويش

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سامح عبد الله:

    ولن تهزمه الصحوات ايضا

  2. يقول مهند الناصر.المانيا:

    اﻻستاذ ابراهيم المحترم ومتى كانت امريكا عدوة ل ايران لوﻻ ايران لمى استطاعت امريكا اسقاط نظام طالبان السنة وجرى استدالهم بالشيعة وايضا لوﻻ ايران لمى سقط نظام صدام حسين.ولمى ﻻ تقصف امريكا الحوثيين في اليمن ؟ الجواب ﻻنهم شيعة مدعومون من ايران.وقد الثورة اﻻيرانية اية الله خامني اشترى السﻻح من اسرائيل وهو اعترف بذلك.المخطط هو القضاء على العرب السنة وان ﻻ تقوم لهم قائمة ﻻنهم إن توحدو ولو مرة وحدة سوف تتغير خارطة العالم .

  3. يقول live and let live:

    live and let live
    عش حياتك و دع غيرك يعيش
    راس العش

إشترك في قائمتنا البريدية