دعني أشكرك سيدي الرئيس، ترامب، لأسباب لا تُعدّ، سأذكر بعضها تباعًا، لأنك كنت وراءها من حيث أردتَ، ومن حيث لم تُرٍد. ورُبّ ضارة توجع القلب لكنها توقظه، فقد منحت يا سيدي ما ليس لك، وأنت على كومة الرماد العربي، ونسيت أنك كنت تقف على نثار كل ما كان تحته، كان مشتعلًا. لم تر ما كان يجب أن تراه، ورأيت ما كان يستوجب تفاديه، فأيقظت سنوات الهزائم مجتمعة لأرض لم يعد لها اليوم ما تخسره. السكين عندما يصل إلى العظم، تنتهي كل الآلام.
لهذا فأنا أشكرك. ماذا لو بقيت صامتا ونحن نعرف انتسابك للقاتل؟
شكرا لك أن جعلتنا نستفيق بشكل فجائي وفجائعي، ونحن عراة من كل شيء، إلّا من بعض الكرامة الشعبية المبطنة. وأن أمريكا التي جاءت بك إلى سدة الحكم، هي نفسها التي منحتك في ثانية لباس قيصر الدنيا وأنت بلا تأريخ ولا بطولات. فكنت َ قاتلًا. أطلقت النار علينا، فسقطتَ أنت.
وقمنا نحن من برك دم عمرها قرن وبعض زمن.
شكرا لك سيدي الرئيس أن جعلتَ من حلمنا في التوحد حقيقة، ومن صراخنا المكبوت صوتا مسموعا، لندرك فجأة أنه لم يمت كما كنا نظن. القدس ليست حجارة، وليست مدينة ككل المدن، وليست أبدا شوارع ونواقيس، وصوامع، وهياكل مطمورة، لكنها دم الأديان وشريانها. ذاكرة السماحة في الأديان والخير. كنا نقول في زمن مضى، إن من يسرق شارعا لن يتوانى عن مدينة. وها أنت تفتح أعيننا على شيء أدق: من يسرق شارعا، يسرق وطنا.
شكرا لك أن نبهتنا بأن أنظمتنا المقهورة التي تعودت على قتل شعوبها وتلويث هواء مدنها ليموت الآخرون وتدوم هي، تدين لك بالوفاء المطلق. لأنها كلما رأت ظلًا متسللًا يمر بالقرب منها، ارتعبت وركضت نحوك، حتى تملي عليها ما تيسر من تراتيل الغباوة، تبلعها بلا سؤال، لأنها منك وليست من غيرك. وهي تدرك ولا ترى المسافات، إنه يوم تهب عاصفة حرق الدمى، تكون أنت أو حتى من ينوب عنك، قد نسيتها، وتضع في فراغها نبتة أخرى تكون أنت من صنعها، من الخيش والفراغ.
شكرا لك إذ كشفت لنا عن أن جرح الخيانة أكثر غورا مما نتصور. وأن كل الدمى المصنّعة في البيت الأسود، التي تسليت بها يا سيدي الرئيس، منذ قرن من الزمن، هي من قش وغبار وبخار وأخشاب محروقة. شكرا إذ كسرت كل الطاولات التي أخفت كل الصفقات، ولعبتَ على المكشوف لأنك لا تريد من أحد أن يسرق الضوء منك. ألستَ أنت من أزاح ضيفه من أمامه كالذبابة لأنه حجبك وغطى عنك كاميرا كم بتَّ تعشقها يا سيدي الرئيس.
شكرا سيدي الرئيس أنك علمتنا ما كنا نعلم. فجعلت أكبر ديمقرطية في العالم تنحني أمام سادة الانتخابات والأصوات، ومسحت الأرض من تحت قتلة الأطفال. لو عاد طارق من قبره وصرخ حتى يجف حلقه، في وجهنا ما جمّعنا. ما انضوينا تحت رايته البحرية.
لهذا أيضا، شكرا لك سيدي الرئيس، فقد جمعتنا كلنا تحت راية واحدة اسمها القدس.
شكراً لك يا سيدي أن جعلتنا نقرأ التوراة والإنجيل والقرآن وفق ما اشتهيتَ، ثم رميتنا في حرائق صنعتها لنا قبل أن تجعل منا أقبح أمة أنزلت للناس، آن الأوان أن تنسحب من هذه الدنيا. وذبحت بقايا التأريخ وعبثت بجغرافيا الأوطان، ومسحتَ من هذه الأرض كل من عاداك. وجعلتنا نستيقظ فجأة من هول الفاجعة، فجعلتنا ندرك أن الآتي لن يكون إلّا ظلاما أفظع من من كل ما مضى. كنّا نظننا خرفانا نُقاد نحو مسلخ خططته لنا أقدارك التي تصنعها لنا وقت ما تشاء. فجأة جعلتنا نهرب نحو أنفسنا وننصت لبقايا النبض الخافت فينا. ثم سمعنا هديرا.
وفجأة يا سيدي الرئيس أدركنا أننا مازلنا أحياء.
شكرا لك سيدي الرئيس أن جعلتنا ندرك بسرعة أن الخيانات في دمنا تكررت حتى أصبحت لا تؤذي أحدا، فالموت نفسه فقد معناه. وها أنت اليوم تفضح كل ما أخفيتَه عنا. بفضلك سقطت كل الأنظمة الدكتاتورية وأنهيت الإرهاب. بفضلك اتسع العراق وشيدت يمنّا سعيدا. وأعدت لسورية الجولان، وجعلت مياه طبريا تندفع نحو كل البيوت العربية. بفضل قنابلك الأنيقة عبدت الطرقات وأنبت الغابات في الربع الخالي. بئس من لا يراك إذ وجعلت من خطاياك مزايا.
شكرا سيدي الرئيس أن منحتنا عينا أخرى نرى بها أنفسنا. وأن كل السلام الذي يمر عبرك خيانة. وأن الأناشيد التي صدحنا بها كانت مجرد صراخ. لم يبق من أوسلو سوى المدينة، والورق الذي جف فامحى. كل شيء أصبح حبرا على كذب. لقد سرقوا الأرض يا سيدي وسيجوا مدن القلب وزهرة المدائن، ومزقوا أطراف القرى بثعبان يحرس ما لا يُحرس. لا حائط يمنع الفلسطيني من أن يرى ذاكرته بقلبه وأسراره الخفية. فماذا بقي لنا يا سيدي يمنعنا من أن نصبح اليوم قنبلة؟
اعذرني سيدي الرئيس، فقد أطلت عليك.
في الأخير شكرا لك أن نبهتنا أننا نعيش عصرا لا إله فيه إلاك. وأننا أمة لا تلدغ من الجحر مرتين، ولكن العشرات من المرات قبل أن تستقيم. وأن من صفعنا على خدنا الأيمن، أحرقنا خده الأيسر. بفضلك تغيرنا كثيرا.
ونسيت أن أذكرك أن اليد الواحدة لا تصفق يا سيدي، لكنها تصفع بعنف شديد.
واسيني الأعرج
أليست الحكمة قائلة :خذوا الحكمة من أفواه المجانين – الترامبين -و الحكمة في عزمه نقل سفارته بإعلان صفارته إلى القدس لعمري هو إماطة اللثام عن وجه الأنظمة العربية المتواطئة في السر , فهاهي الجرأة الترامبية والجرعة المسمومة تسقي تلك الأنظمة المفضوحة .