دمشق – «القدس العربي»: يواصل النظام السوري حملته المكثفة على ريف دمشق الشرقي وسط «قلق» دولي لا يخرج عن كونه بيانات مستهلكة لا تسمن ولا تغني من جوع بالنسبة لأولئك المحاصرين الذين دفنوا خلال ساعات صباح يوم أمس أكثر من 35 مدنياً لقوا حتفهم في مجزرتين مروعتين في كل من دوما وكفر بطنا في الغوطة الشرقية، فيما زادت حصيلة القتلى خلال الأربع وعشرين ساعة الفائتة عن 155 مدنياً معظمهم من النساء والأطفال.
وبالاستناد إلى احصائيات فرق الدفاع المدني، وثقت «القدس العربي» مقتل 129 مدنياً يوم الثلاثاء، وأضعافهم من الجرحى والمفقودين والعالقين تحت الأنقاض، وهم من بين نحو 250 مدنياً قتلوا، جراء الغارات الجوية والصاروخية وقصف النظام المدفعي المتواصل خلال الأيام الثلاثة الماضية في كل من النشابية وحزما وأوتايا وحمورية وكفربطنا وجسرين وسقبا ودوما وحرستا.
مكتب التنمية المحلية ودعم المشاريع الصغيرة في مدينة دوما قال في بيان له أمس «لسنا استثناء عما يحدث في الغوطة الشرقية، فمقتل المدنيين، منهم النساء والأطفال، جزء من واقعنا». وتابع البيان في شرح مطول عن معاناة الأهالي، بعضهم من فريق العمل جاء فيه «مساء البارحة، عاد بلال الطويل، أحد اعضاء فريقنا في الغوطة الشرقية، من يوم نشاطه في مكتبنا في دوما إلى منزله في مدينة حزة المجاورة ليشهد مقتل زوجته وطفله الذي لم يتجاوز الأربع سنوات من العمر، كإحدى نتائج التصعيد البربري الذي بدأه النظام وحليفاه الروسي والايراني منذ أسابيع وازدادت حدته خلال الأيام الماضية على الغوطة الشرقية المحاصرة منذ أكثر من خمسة أعوام، ليس هنالك من وصف ولن يكون هنالك أي خطاب أو فعل يرتقي لحجم الألم الذي يشعر به زميلنا بلال».
ألم لا يوصف
وتابع البيان «ليس هنالك وصف لحجم الألم الذي يشعر به جميع سكان الغوطة الذين يخسرون يومياً أفراد عائلاتهم أو أقرباءهم بهذه الطريقة الوحشية، ليس هنالك وصف أو فعل يرتقي لحجم العجز والمرارة التي يشعر بها السوريون والسوريات أمام آلة قتل صنعها النظام وأحكم الاتحاد الروسي تقويتها، لا يمكننا إلا أن نعلن عن تعليق عملنا لمدة اسبوع كنوع من التضامن مع زميلنا وأن نطلب من شركائنا الدوليين كافة أن يظهروا دعمهم الحقيقي من خلال التوجه مباشرة إلى الأمين العام للأمم المتحدة لطلب عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن لفرض وقف اطلاق نار فوري على النظام و حلفائه. وفي حال تم التعطيل المعتاد باستخدام السلاح الروسي ضمن مجلس الأمن، الفيتو الذي يرتهن من خلاله هذا المجلس، الانتقال إلى الجمعية العامة لإدانة النظام وحلفائه ادانة واضحة وصريحة بتعمد استهداف المدنيين وقتل مئات الآلاف منهم، عشرات الآلاف من بينهم نساء وأطفال».
وتوجه مكتب التنمية بالعزاء لعضو فريق عمله «مرفق بقهر أليم لعجزنا عن تأمين الحماية اللازمة لعائلتك كما هو عجزنا عن تأمين أي نوع من الحماية لكافة المدنيين في الغوطة وغيرها من سوريا، ليس لدينا إلا عهدنا على الاستمرار في مساعدتهم على الصبر والتحمل بكل ما نملك من وسائل؛ مساهمة ضحلة أمام حجم المأساة».
«الائتلاف»: دفن العملية السياسية
الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية أعلن بدوره عن دور روسيا في عرقلة أي عملية تفضي إلى حل سياسي، ووصفها بأنها «تطلق رصاصة الرحمة على العملية السياسية في ظل صمت دولي». وأدان الائتلاف في بيان له امس عمليات النظام وجرائمه المدعومة من روسيا والميليشيات الإيرانية، حيث تشهد المنطقة الشرقية لدمشق «هجمة إرهابية واسعة على الغوطة الشرقية، وأسفرت الغارات التي نفذت خلال الساعات القليلة الماضية عن سقوط 98 شهيداً فيما لا يزال العشرات في عـداد المفقـودين».
تقويض الحل السياسي وفقاً للمصدر هو النتيجة المقصودة لاستمرار هذا التصعيد، وبات من المؤكد أن روسيا تريد دفن العملية السياسية وفق المرجعية الدولية، خاصة بعد إعلانها عن تزويد قوات النظام بأسلحة متطورة لتنفيذ عملية عسكرية في الغوطة الشرقية، حيث تمثل الهجمة الحالية تصعيداً خطيراً، فقد شنت طائرات النظام والاحتلال الروسي أكثر من 70 غارة جوية، وألقت 25 برميلاً متفجراً، واستهدفت الأحياء السكنية بما يزيد عن 150 صاروخ غراد و6 صواريخ من نوع فيل، بالإضافة إلى القصف المدفعي المستمر، فيما لا تزال فرق الدفاع المدني والإسعاف تعمل لإنقاذ العالقين تحت الأنقاض، في ظل ظروف شديدة الخطورة، وأوضاع إنسانية كارثية تعيشها المنطقة المحاصرة منذ سنوات.
هذه التطورات توضع أمام رعاة الحل السياسي الصامتين والمتفرجين، كما توضع أمام الدول التي تزعم دعمها للشعب السوري وصداقتها له، وتستوجب مواقف حقيقية فورية، ولم تكن حرب الإبادة الجماعية ولا الاعتداء الهمجي ليقع على أهالي الغوطة، لولا الصمت الدولي المطبق وسكوت الدول الراعية للحل السياسي، بما يمثله ذلك من ضوء أخضر ترك المجال مفتوحاً أمام هذه الهجمة وهذا الإجرام، ما يحوّل دور المجتمع الدولي إلى موقع المتفرج بل الشراكة في العدوان على السوريين.
وحمّل البيان أعضاء المجتمع الدولي النتائج كافة المترتبة عن صمتهم وشللهم، وعلى رأس تلك النتائج تقويض الحل السياسي في سوريا، حيث دعا الائتلاف الوطني مجلس الأمن للتحرك المباشر والجاد لحماية 400 ألف مدني محاصرين منذ 5 سنوات في الغوطـة الشرقية، والتصرف وفق مسؤوليته القانونية والسياسية والأخلاقية.
من جهتها عبرت وزارة الخارجية الأمريكية عن «قلقها العميق» حيال ما يجري في الغوطة الشرقية، وقالت ممثلة الوزارة، هيزير ناويرت، في مؤتمر صحافي إن التقارير الأخيرة تشير إلى أن الغارات تستهدف بشكل مباشر المناطق السكنية والمستشفيات.
هبة محمد