لندن ـ «القدس العربي»: هل سيكون عام 2016 هو عام الغضب الشعبوي في أوروبا والولايات المتحدة، العام الذي انقلبت فيه الهوامش على النخب وأدت لنتائج صاعقة.
فمن «البريكست» البريطاني إلى انتخابات الرئاسة الأمريكية والاستفتاء الإيطالي على الإصلاحات الدستورية عبرت الحركات الشعبوية عن قدرة على إحداث التغيير والصدمة. وكانت هزيمة إصلاحات ماتيو رينزي، رئيس الوزراء الإيطالي التعبير الأخير عن المشاعر المعادية للمؤسسة في أوروبا. ومن المتوقع أن تقود استقالة رينزي إلى المجهول في وقت أصبحت فيه «حركة النجوم الخمسة» من أهم الحركات الشعبوية الإيطالية.
هل هي قوية؟
ويرى سبستيان مالابي، الزميل البارز في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي والباحث في الاقتصاد العالمي أن الحركات الشعبوية في إيطاليا وبقية أوروبا والولايات المتحدة تتغذى من الفكرة التي تشير لفشل النخبة الحاكمة وتقوم «بإنتاج نمو شامل وحس من الأمن في وجه التهديدات العابرة للأقطار».
وقال إن استمرار الركود في اقتصاديات الدول الأوروبية يعني تحول العديد من الناخبين باتجاه دعم الجماعات الهامشية. ويقلل الباحث من أثر هذه الحركات على مستقبل الاتحاد الأوروبي خاصة وضعية إيطاليا. فحركة النجوم الخمسة تطالب بخروج إيطاليا من الاتحاد إلا أنها ليست في موقع قوي لعمل هذا. ويشير إلى حركة سيزيرا اليونانية التي كانت تطالب بالخروج من محور اليورو ولكنها أضطرت لتعديل مواقفها عندما وصلت إلى السلطة.
وقال مالابي إنه لا توجد إشارات عن وصول حركة النجوم الخمسة أو رابطة الشمال المعادية للأجانب إلى السلطة قريباً. ورغم الطبيعية الفوضوية للسياسة الإيطالية بشكل يصعب التكهن بها إلا أن الفراغ الذي سيتركه رينزي قد يتم ملؤه من تحالف جديد للوسط.
ويشير إلى أن صعود اليمين الشعبوي من الحركة الوطنية الفرنسية وحزب البديل الألماني وانتخاب حكومات قومية في بولندا وهنغاريا وإن عبر عن حالة من فقدان الأمل بأحزاب الوسط التي قادت معظم دول أوروبا إلا أنها ليست قوية بدرجة تهدد انسجام الوحدة الأوروبية.
فالدولة الوحيدة المعادية لهذا الاتحاد هي بريطانيا والتي ستخرج منه قريبًا. وعن السبب الذي يقف وراء صعود المشاعر الشعبوية وفقدان الثقة بالنخب الحاكمة يرى مالابي أن ما حدث في أمريكا وبريطانيا ودول أوروبية أخرى هو مؤشر لفشل النخب في توزيع النمو بشكل متساوٍ وشاملٍ على جميع المواطنين بالإضافة لحس الأمن النابع من التهديدات العابرة للدول مثل الإرهاب وأزمة اللاجئين.
ويضيف عاملاً آخر وهو صعود البرامج الحوارية التلفزيونية الصدامية وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي والمدونات والتي أعطت الناخبين بديلاً عن الإعلام التقليدي والذي صار محلاً للشك.
ويقول «قبل عشرين عاماً، عندما كان خبير في السياسات يقدم رأياً، كان يتم استقباله باحترام نظراً لأنه كان يعرف الأمور ولأن الإعلام كان نقياً من نظريات المؤامرة والمزاعم التي لا يمكن التحقق منها وكان يهتم بالتحليل الصادق».
ويعتقد الخبير هنا أن الكثير من الحركات الشعبوية تستخدم من قبل الناخبين الغاضبين كعربة للتعبير عن احتجاجهم ضد المؤسسة، فمع أن ترامب لم يكن يتحدث عن سياسات واضحة أثناء حملته الانتخابية إلا أن معاداته للمؤسسة في واشنطن دفعت الكثيرين لدعمه.
وفي السياق نفسه فقد دعم الناخبون البريطانيون قرار الخروج بدون معرفة إن كان الخروج طلاقاً بائناً بينونة صغرى أم كبرى. وفي فرنسا فالغضب الشعبي متركز على الرئيس فرنسوا أولاند الذي تدنت شعبيته إلى 4% وذلك بسبب ما يرونه عجزاً من الحكومة على منع الهجمات الانتحارية ولا يمكن ترجمة هذا الغضب كدعم لزعيمة الجبهة الوطنية مارين لوبان.
وهو بالتالي تعبير عن تراجع في الدعم الشعبي لأحزاب الوسط – يمينية أم يسارية – وفي معظم الأحيان يأتي لاعبون من خارج الوسط او اليمين المتطرف كما أسفرت الانتخابات النمساوية عن هذا حيث تم رفض مرشح اليمين المتطرف مقابل مرشح آخر من حزب الخضر بالرئاسة النمساوية.
حدث ما كان متوقعاً
لكل هذا فاستمرار الأزمات الاقتصادية يعني استمرارا لتصاعد الغضب الشعبي. وهنا يلاحظ المعلق روجر كوهين في صحيفة «نيويورك تايمز» تحت عنوان «غضب عام 2016» أن الموجة التي طال انتظارها تجلت للعيان أخيراً وليس مفاجئاً أنها تحدث في مجتمعات مفتوحة ومركز للعولمة وللرأسمالية – بريطانيا وأمريكا.
فمنذ الأزمة المالية عام 2008، أي قبل عقد تقريباً تزايدت مشاعر النقمة والسخط حول حصانة النخبة ومن الارتباك المذهل الذي سببته التكنولوجيا وتدفق المهاجرين وهشاشة الحياة في المجتمع الحديث. ويعلق أيضاً أن المجتمعات الغربية ظلت ساكنة بدون انتصارات ولا أمجاد بل يقينيات متلاشية.
وتم الإعلان عن الحروب بدون أن يعرف أحد كيف يمكن الانتصار بها وظلت جراحها متقرحة. وفي الوقت نفسه توسعت الفجوة بين المتروبوليس ـ المدن الكبيرة والهوامش لتصبح هوة ثقافية.
ونتيجة لهذا لم يعد الواحد يستطيع قول ما يريد، وجرى التعمية على الحقيقة وتهميشها في النقاشات القبلية على الإنترنت. كما وتزايد البطالة وعدم المساواة، وأصبح ما يقوله الأقوياء ـ الحكام منفصماً عن الحياة الحقيقية التي يعيشها الناس بشكل تحولت فيه السياسة إلى لصوصية. وفاقم كل هذا هي الهزائم التي تتالت – من اليورو إلى حرب العراق والكساد العظيم.
مأساة السوريين
ويقول كوهين إن الحرب السورية جسدت العقم الغربي الجديد. فقد كانت تعبيراً عن اللاأخلاقية والتفكك الدموي وأرسلت إلى الأوروبيين موجة إنسانية أعطت المثيرين للمشاكل الفرصة للصعود.
وبناء عليه قرر البريطانيون التصويت لصالح الخروج من الاتحاد الاوروبي الذي كان رمزا للانتصار على الفاشية والقومية المدمرة. وصوت الأمريكيون لصالح دونالد جي ترامب الذي استخدم لغة معادية للأجانب تثير الخوف من الخارج وتعود لحقبة الثلاثينيات من القرن الماضي في أوروبا.
وقام بتجميع رعاع غاضبين استطاع من خلالهم الانتصار على هيلاري كلينتون التصالحية. ولم يكن انتصاره كبيراً مع أن الديمقراطيات تسير من خلال هامش ضيق من النتائج. ومع ذلك يعترف الكاتب أن الرئيس المنتخب قد حفز خوفاً فطرياً هائلاً وتحدث لغة غير مبهمة.
وهذا لا يعني أن انتصاره هو دفعة للديمقراطية. فبعد ربع قرن من نهاية الحرب الباردة وانتصار الليبراليات الديمقراطية والاقتصاديات النيوليبرالية تزحف اللاليبرالية والشمولية من جديد و»نحن أمام موسم مفتوح لأي شخص كي يعبر عن تعصبه، فالعنف كامن في الهواء وينتظر من يشعله».
فالورقة الرابحة اليوم كما أظهر ترامب وكما ستظهر، ربما، مارين لوبان في فرنسا في انتخابات الرئاسة العام المقبل هو أن «تقود الشعب» ضد النظام المزور وضد المهاجرين المسلمين والإجماع المستبد الذي يدعو إليه خبراء برواتب عالية».
ويقول إن الخروج الشعبوي هذا جعل من النظام العالمي الذي برز بعد الحرب العالمية الثانية والقائم على التحالفات العسكرية والإتفاقيات التجارية والإندماج السياسي والإطار القانوني يبدو اليوم واهيا مثلما هي طبيعة القوة الأمريكية التي أصبحت غير واضحة.
ولهذا لا يشعر بالفرحة بفوز ترامب قدر شعور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وكذا الحكام الأقوياء ـ ليس في مصر والخليج فقط- شعروا بالغبطة لفوز ترامب.
ويعلق الكاتب هنا إنه من المبكر الحكم على ما سيفعله ترامب أو ما لا يفعله من الوعود الانتخابية التي وعد بها في حملته الانتخابية ولكن الواحد يتوقع اضطرابات فما يعلمه هو الغضب والاندفاع وعدم الاهتمام. ومهما تم الحد منها فستكون حاشيته ومسؤولياته في السلطة. في الوقت الحالي لا يعرف ما ينتظره فهو مثل التائه.
ويرى كوهين أن حلف الناتو سيصبح ضعيفاً في فترة إدارة الرئيس المنتخب، وستشعر دول البلطيق بالتهديد، أما سوريا بشار الأسد المدعومة من بوتين فتسصبح قوية. كما سيزداد التوتر في العلاقات التجارية الأمريكية ـ الصينية بالتساوق مع التوترات العسكرية في بحر الصين الجنوبي.
وبالنسبة للاتفاق النووي الإيراني الذي تم التفاوض عليه بصبر وأناة فإنه سيجعل منطقة الشرق الأوسط خطيراً بدرجة كبيرة. ولو حدث أي هجوم إرهابي فسيجد ترامب فرصته فهو على ما يبدو يتعامل مع السلاح النووي من الأرصدة القليلة الاستعمال.
الغبار السحري
وأضاف كوهين أن الوقود الحجري سيعود من جديد بشكل يعرض اتفاقية باريس حول التغيرات المناخية للخطر.
وهناك أكثر من 65 مليون مهاجر يتحركون ثلثهم لاجئون ولن يجدوا ملجأ كريماً في ظل تصاعد مشاعر العداء للأجانب في وقت تتحرك فيه القومية المتفوقة لتحتل مركزاً في التيار الرئيسي للسياسة في أوروبا وأماكن أخرى.
ويقول كوهين إن التقدم التكنولوجي العنيد والتقدم السريع الذي تم تحقيقه في تكنولوجيا الذكاء الصناعي ستمثل امتحانا لوعود ترامب بتوفير الوظائف في المصانع. خاصة أن أشكالاً من الوظائف ذهبت بدون عودة ولن يقوم منقذ بإعادتها.
ويمضي الكاتب بتعداد الكوارث التي تنتظر العالم والولايات المتحدة مع وصول ترامب إلى السلطة من مثل نهاية معاهدة التجارة الحرة لدول شمال أمريكيا «نافتا» والتي ظلت وعلى مدى عقود تمثل قوة النظام التجاري العالمي.
ويتساءل الكاتب هل ستقود هذه التطورات لترضية الشعوب الغاضبة؟
ويجيب أن ترامب يمكنه في الوقت الحالي ذر الغبار السحري إلا ان الطريق الذي يريده «الشعب» هو في النهاية جزء من إشكالية الشعوب المنقسمة، فهناك ملايين الملايين من الناس سيرفضون ويقاومون القومية العالمية والسلطوية.
ويمكنهم فعل هذا من خلال تظاهرات الشوارع والمحاكم ومن خلال مؤسسات الرقابة على الدستور والتي أنشئت خصيصا لتحديد سلطة الديماغوغيين. ومع ذلك لا يزال ترامب يحتفظ بقوة كبيرة خاصة أن الجمهوريين يسيطرون على المجلسين فيه- النواب والشيوخ- ولديهم القدرة لتحقيق ما يتحدث عنه ترامب – جعل أمريكا عظيمة.
ويعتقد كوهين أن المعركة من أجل الحفاظ على الليبرالية ستكون طويلة. وتقودها الآن قوى ممثلة بأنجيلا مريكيل في ألمانيا وجاستين ترودو في كندا. فالراية ودور خادم العالم الحر تعتبر بالنسبة لترامب سرقة.
ويقول إن الديمقراطيات الغربية تعيش وسط اضطرابات لم تعد قادرة على التعامل معها. فقد تفوقت الديمقراطية الافتراضية المباشرة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي على الديمقراطية التمثيلية.
ولم يفهم الكثيرون الأثر الذي تركته الهواتف الذكية على الإنسان. فالإدمان عليها غادر وقد تكون عدواً للتفكير. ويصف كوهين الطريقة التي قام بها ترامب باختطاف الحزب الجمهوري «مثل رجل استعار جاكيته لحضور مأدبة عشاء». وقامت حملته باستخدام التويتر وأثارت تغريدة منه حماسة الجماهير ولم يكن بحاجة لقنوات الاتصال التقليدية. ومن هنا تجد الأحزاب التقليدية في الولايات المتحدة وبريطانيا نفسها امام معضلة كي تؤكد أهميتها من جديد.
ويضيف أن الديمقراطيات تركت الناس الأقل حظا يشعرون بالخيبة عندما استبعدتهم من مميزات العولمة والتقدم التكنولوجي. وهناك حاجة للتفكير المعمق حول كيفية إعادة الثقة في الليبرالية ومجتمعات السوق الحرة وإظهار أنها ستكون عادلة وأكثر مساواة وتفتح الكثير من الفرص لكل أطياف المجتمع.
ويرى أن ألمانيا تقدم مثالاً جيداً في مجال موازنتها بين الرأسمالية وحس التضامن واحترام القوة العاملة والتزامها بالتعليم العالي. ولا يفوت كوهين الفرصة بانتقاد النخبة الليبرالية التي يقول إنها اتسمت بالغطرسة والجهل.
وحان الوقت لكي تستمع لمظاهر قلق من صوتوا من أجل التغيير والتفكير من جديد. ولا يعني التغيير في الموقف القبول بما يدعو إليه دعاة الكراهية والعنصرية. فيجب قتال هؤلاء في كل مرحلة من المراحل.
وعلى العموم فالتقلبات التي يشهدها العالم الغربي هي في النهاية تحصيل حاصل. وعودة النزعات الفاشية والنازية توقعتها مدرسة فرانكفورت في الخمسينيات من القرن الماضي. فرموز هذه المدرسة التي نشأت في معهد البحوث الاجتماعية في فرانكفورت اكتشفوا الأثر الذي يلعبه الإعلام الجماهيري في تعزيز المواقف الشوفينية والفاشية.
مخاوف رموز مدرسة فرانكفورت
وفي دراسة لأليكس روس، محرر الشؤون الموسيقية في مجلة «نيويوركر» قال فيها إن توماس مان مؤلف «موت في البندقية» و»الجبل السحري» والذي فر من النازية إلى الولايات المتحدة اضطر للرحيل مرة أخرى بعد صعود المكارثية ولجنة النشاطات غير الأمريكية.
وقال مان «التعصب الروحي، محاكم التفتيش السياسي وتراجع الأمن القانوني وكل هذا باسم حالة الطوارئ، وبهذه الطريقة بدأت الأمور في ألمانيا النازية. ولم يكن مان المهاجر الأوروبي الوحيد يعبر عن الخوف في المرحلة التي تبعت الحرب العالمية الثانية بل وعناصر من مدرسة فرانكفورت. ففي عام 1930 قام ماكس هورخيمير وتيودر أدورونو بنشر كتاب «شخصية الاستبداد» وهو كتاب قام محاولة بناء شخصية نفسية واجتماعية «للفرد الفاشي المحتمل».
وفي السياق نفسه درس كل من ليو لوثينال ونوربرت غاترمان عام 1949 الشخصيات الشعبوبة في كتاب «أنبياء الخداع» حيث توصلا لفكرة أن هناك إمكانية لظهور وضع يتعرض فيه عدد كبير من الناس للتلاعب النفسي الذي يقوم به الخطباء والدعاة الشعبويون. واعتقد أدورنو أن الخطر الحقيقي على الديمقراطية الأمريكية نابع من الثقافة الجماهيرية- الفيلم والراديو والتلفزيون.
فهو يعتقد أن الإعلام الجماهيري يعمل على بناء أسلوب ديكتاتوري: فهو يعزز الالتزام ويرفض المعارضة ويقمع التفكير. وكانت النازية الأمريكية مثالاً متطرفاً عن ضع تنازل فيه الناس عن حريتهم الفكرية مقابل حصولهم على جنة زائفة من التحرر الشخصي والراحة.
وتوصل أدورنو بعد مشاهدته أشرطة الأخبار أن «صناعة الثقافة» كما سماها هورخيمير حلت محل الوسائل الفاشية للتنويم الجماهيري. واكتشف أن الخطوط بين الحقيقة والخيال لم تعد واضحة. فالأكاذيب لديها أرجل طويلة وتتقدم في الزمن وتعمل على تحويل كل أسئلة الحقيقة إلى أسئلة عن السلطة. وكان مان قد استشار أدورنو عندما كانت يعد كتابه «دكتور فاوست» وكتب له أن «الأمور كما تتطور أصبحت واضحة وربما انتقلنا أبعد من برونينغ» في إشارة لهنريش برونينغ الذي كان مستشاراً لألمانيا في 1930.
ومع أن مخاوف مان والمهاجرين من النازية لأمريكا لم تتحقق فقد انتصرت حرية الرأي على المكارثية وتقدمت حركة الحريات المدنية والنظام الليبرالي والسوق الحرة إلا ان التزاوج ما بين التباين الاقتصادي والثقافة الشعبية العابثة هو السيناريو الذي خاف منه أدورنو.
وبعد عقود تحققت مخاوف الكاتب هذا في الوضع الحالي الذي نعيش فيه بالقرن الحادي والعشرين، بل وتأكد كلامه بانتخاب ترامب للرئاسة الأمريكية، فهذا الرجل الذي جاء من تجارة العقارات وتلفزيون الواقع أصبح اليوم أقوى رجل في العالم. وكان أدورنو قد شخص المجتمع الأمريكي في أربعينات القرن الماضي كعرض لتلفزيون الواقع: «تحول الرجال للمشي على اجزاء من فيلم وثائقي متوحش بدون أن يكون له مشاهدون». ويرى أليكس أن ما حدده أدورنو باختفاء الحدود بين الثقافة والواقع العملي واضح في وسائل التواصل الاجتماعي. ويشير هنا إلى فشل «فيسبوك» في منع نشر الأخبار الكاذبة أثناء الحملة الانتخابية بل وانحدار الإعلام التقليدي إلى مستوى الخطاب الذي قدمه ترامب لدرجة دفعت مدير «سي أن أن» للقول إن الحملة الانتخابية لعام 2016 كانت أكبر حملة تحقق فيها القناة موارد مالية. فقد كان ترامب وخطابه «الشعبوي» تغييراً لوضع «ممل» كان يبدو تحت كلينتون. وكما بدأنا قراءتنا بالمقاربة بين الوضع الاقتصادي وانتشار عدم المساواة بميول الناس نحو الخطاب الشعبوي.
فقد أثبتت دراسة ألمانية قامت على تحليل 800 جولة انتخابية جرت خلال الـ 140 الماضية وفي 20 دولة أن الأزمات الاقتصادية المتتالية تؤدي إلى التوجهات التي رأيناها عام 2016.
إبراهيم درويش