القمة العربية ثم ماذا بعد؟

حجم الخط
2

عقب حرب الخليج الثانية (1991) سادت الجملة «المصارحة قبل المصالحة». كان النظام العربي قد انهار عمليا بعد غزو العراق للكويت، ما يخالف النص التأسيسي لجامعة الدول العربية، وتفاقم مع تعطيل مقتضى الدفاع المشترك. كان النظام العربي متصدعا قبلها تحت تداعيات الحرب الباردة، والحرب الإيرانية العراقية، ولكن ذلك التصدع لم يأت على المبادئ الأساسية للعمل المشترك، ومنها محورية قضية فلسطين، أو بعض القواعد المتعارف حولها، ومنها انتظام القمم، وحسن الجوار، أو الوساطات في حل النزاعات… كان الجيل السابق يتمسك بقيم المروءة العربية، وقد يختلف نظامان، من دون أن يتجاوزا الخطوط الحمر من الجفاء والقطيعة والتآمر.
ظلت المصارحة شعارا ليس غير، وتأثر العالم العربي بتداعيات 11 سبتمبر/أيلول، وأضحت الحرب على الإرهاب ذات الأولوية، وتوارت القضية الفلسطينية، وتم الإجهاز من قِبل الإسرائيليين على التعهدات التي أبرموها، وللتاريخ فقد فعلوا ذلك قبل 11 سبتمبر، ولم يمكن 11 سبتمبر إلا ذريعة.
كان للسياق الذي أفرزه الربيع العربي أن يكون بارقة الأمل. كان يمكن أن يكون الفرصة من أجل رأب الصدع، كما يقال، وإعادة البناء، أمام تغيرات بنيوية جوهرية، أولها الديناميات الداخلية، التي لم يعد ممكنا الالتفاف حولها، والأزمة الاقتصادية، وتقلص دور البترول أولا. وثانيا، أمام بروز قوى إقليمية مؤثرة، منها تركيا وإيران.
اعتقدتُ جازما أن قمة عمان التي انعقدت قبل سنتين كان يمكن أن تكون تحولا، بل راودني الإحساس حينها، أو الأمل على الأصح، وهو أمل بثه فيّ بعض من رجالات الدولة الأردنيين ممن التقيت بهم حينها، ووضعوني في صورة الترتيبات المزمع اتخاذها. اعتقدت أن قمة عمان كان يمكن أن تكون ما كان لقاء ويستفاليا في أوروبا سنة 1648، الذي تمخض عن الاتفاقية التي تحمل الاسم ذاته، التي أرست قواعد جديدة في العمل السياسي، بل الدبلوماسي المتعارف حولها، على أنقاض نظام اتسم بالحروب الأهلية، وهيمنة الكنيسة، أو توظيف الدين. لم تحدث ويستفاليا عربية. وبقيت القمم العربية مناسبات للقاء، وللخطب، ولقرارات لا تلزم أحدا. لم يعد أحد يتأذى من سكوزفرنية أو ازدواجية الخطاب، ذلك أن ما كان يقال على رؤوس الأشهاد، ليس ما يُنتهج. فالخطب العصماء عن العمل العربي المشترك لا تتوافق مع ما يجري في الخفاء، فكيف يمكن للقمة التونسية أن تنجح، وداء العطب قديم، كما يقال؟

الخطب عن العمل العربي المشترك لا تتوافق مع ما يجري في الخفاء، فكيف يمكن للقمة التونسية أن تنجح، وداء العطب قديم؟

نعم كانت هناك إدانة لقرار ترامب بالاعتراف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان، ولكن هل يمكن لهذه الإدانة أن تغير شيئا؟ أليس مما ينبغي أن يقال، هو لماذا لم ترتدع الولايات المتحدة قبل اتخاذ القرار، مثلما لم ترتدع حين حولت سفارتها إلى القدس؟ لأنها لا تعير وزنا للعالم العربي، ولا تعيره وزنا، لأنها على علم بازدواجية الخطاب، وتميز بين خطب الاستهلاك المحلي، وحقيقة الأنظمة. والمشكلة لم تعد القدس ولا الجولان، بل ما سيأتي، مثلما لوّح رئيس السلطة الفلسطينية، فقد يُعلَن عن غزة وحدة منفصلة، وقد يُسمح بإقامة مستوطنات في الجولان، ناهيك مما يحاك من صراعات طائفية. تشخيص محمود عباس كان دقيقا، ولكن ألا تضعف السلطة الفلسطينية ذاتها بالإسفار عن خلافاتها الداخلية؟ هل كان من اللازم في جلسة علنية، على اعتبار الجلسات المغلقة سرية، نشر الغسيل الوسخ على رؤوس الأشهاد، في فلسطين واليمن وليبيا؟ هل المشكل في وجود قوى إقليمية أجنبية مؤثرة؟ أم في عجز النظام العربي أن يكون مؤثرا؟ أليس من المجدي عوض التجني على تركيا وإيران، طرح السؤال، لماذا لم يلتق النظام العربي حول قواعد ناظمة، من الحد الأدنى من العمل المشترك كي يكون مؤثرا؟ لِم العجز عن القدرة على المساءلة أو التشخيص؟
سعيت جهد الإمكان أن أتابع الخطب التي ألقيت في قمة تونس، ألفيتها لا تخرج عن ثلاث خانات، الخانة الأولى التي تندرج في العموميات من قبيل الإدانة، والخانة الثانية، ذات الاهتمامات القطرية، كما بدا في كلمة رئيس لبنان ميشال عون، ومشكل النازحين، أو رئيس العراق، برهم صالح حول الإرهاب، ثم خانة ثالثة، يمكن أن تنعت بالامبالاة، تلتزم الصمت، أو حينما تتكلم تزجي النصائح. ليست هناك حرارة في كل ما يقال، ولا تنضح الخطب بالصدق. ومع ذلك لا يمكن الارتكان لليأس، لأن العالم العربي يموج بديناميات عميقة، ويحبل بقوى فكرية قادرة على التشخيص وطرح الأسئلة الدقيقة، ولو هي تتعرض لأشكال شتى من التهميش والاضطهاد، ولأن العالم يتحرك، أو لم يستقر على صورة ونمط، ولأن القطبية الأحادية في طور الضمور.
ساعد نفسك، تساعدك السماء، مثلما يقول المثل الفرنسي، أو عوض أن تلعن الظلام إشعل شمعة، كما ينسب لماو تسي تونغ. لقد نطق الرئيس اللبناني بكلمة السر، وهو العسكري، «الاتحاد قوة». وهل يستطيع أحد أن يجادل في ذلك. لكن المشكل في العالم العربي، أن الكلمات فقدت دلالاتها، فالاتحاد والأخوة والتضامن، دالات من غير مدول، وهو ما يستلزم ثورة ثقافية، يصبح للكلمات مدلول، وحبذا، لو يتكلم الزعماء العرب لغة عربية بأقل الأضرار الممكنة من الأخطاء اللغوية، فالصراع من أجل لغة إنكليزية سليمة ليس نضالا اعتباطيا، كما قال الكاتب الإنكليزي جورج أورويل، والمناداة بلغة عربية سليمة، في الظرفية الراهنة، ليس زخرفا من القول.
*كاتب مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول نجمة:

    رائع كعادتك اخي حسن جزاك الله خيرا تحليل دقيق للواقع العربي المرير أمت الفرج ?

  2. يقول S.S.Abdullah:

    لم أفهم من سؤال العنوان (القمة العربية ثم ماذا بعد؟) هل الكاتب من أهل الفاعل أم أحد أنواع المفعول، ولأي لغة إنجليزية أم فرنسية أم عربية؟

    لأن مفهوم/مدلول الإبداع في دولة الحداثة، هو ضرب معنى المعاني (الدال والمدلول) ليس من باب خالف تعرف،

    ولكن من أجل الإبداع، أي النفاق وعدم المصداقية هي الأصل في مفهوم السياسة/الثقافة؟!

    العولمة والإقتصاد الإلكتروني أساسها لغة التجارة، والتي تعني اعتراف واحترام لغة الحوار والتواصل بدون سوء فهم تؤدي إلى خطأ/غش/فساد تنفيذ أي مشروع تجاري لتوفير أي خدمة من الخدمات التي يجب أن توفرها أي دولة،

    مثل مستشفى يتعالج به النخب والمواطن والمقيم واللاجئين، لا أن يضطر الموظف، للسفر إلى سويسرا للعلاج مثل عبدالعزيز بوتفليقة،

    مع أن دولته فيها من الموارد ما يغطي تكاليف تأسيس الكادر البشري بالإضافة إلى المباني،

    فشل الموظف في دولة الحداثة، يعني هناك مشكلة في لغة النظام البيروقراطي، للحاكم والمحكوم، من وجهة نظري على الأقل.??
    ??????

إشترك في قائمتنا البريدية