عمان ـ ‘القدس العربي’: عدة أسباب ومؤشرات برز بعضها مؤخرا وإستتر البعض الاخر تدفع للإعتقاد بأن الإدارة الأمريكية وبعض الدول العربية التي تتمحور معها في خندق الدعوة لتنحي الرئيس السوري بشار الأسد تحتفظ بنفس الوقت ميدانيا وسياسيا وعمليا بخيار إستراتيجي بديل بعنوان التصعيد ضد النظام السوري عسكريا.
العاصمة الأردنية عمان بقيت محورا وسط هذا الحراك والمساحة الضيقة لتعدد الخيارات الإستراتيجية لأن موقعها الجيوسياسي يبقيها في حالة تفاعل مع إستراتيجية أمريكية ثنائية تتضمن رفع خيار جنيف بيد والحفاظ على الخيار العسكري في اليد الأخرى.
بالنسبة للمراقبين كانت معركة مدينة القصير السورية الشرسة التي أدخلت حزب إلله اللبناني مباشرة في جوهر الصراع عبارة عن عملية ‘إستباقية’ تستهدف أولا تحسين شروط الجلوس على طاولة جنيف الثانية قبل الإنتقال لمحور المؤتمر الدولي الذي وافقت دمشق بضغط روسي على حضوره.
وثانيا الحفاظ على ممر الإمداد العسكري الآمن في نقاط التماس المحيطة بريف حمص الذي يربط بين حزب الله وسورية وإلى حد ما إسرائيل.
ولأن معركة القصير أساسية أبلغ السيناتور الأمريكي الجمهوري الشهير جون ماكين دبلوماسيين في البحر الميت على هامش قمة دافوس بأن المطلوب مرحليا هو منع النظام السوري من الإحتفال الكبير بإقتناص مدينة القصير والسيطرة على الشريط الجغرافي بمحاذاة إسرائيل.
لا أحد يعرف بطبيعة الحال كيف يمكن ذلك بدون دخول إسرائيل على خطوط الإشتباك الميدانية وهو خيار تعارضه حتى الآن بشدة العواصم العربية وبينها الرياض وعمان على إعتبار أنه سيعيد إنتاج المواقف الشعبية المؤيدة للنظام السوري في الدول العربية.
الإستراتيجيون فيما يوصف بالدولة العميقة في عمان والرياض يتبادلون التشاور ولديهم تصورات بأن الجيش السوري النظامي إستبق الأحداث بفتح جبهة مدينة القصير ردا على ‘إجراءات تنظيمية’ ذات طبيعة عسكرية وأمنية جرت وتجري حاليا في مربع حدودي وعر بين منطقة شرقي وشمال الأردن وأطراف محافظة درعا حيث يتواجد الجيش السوري الحر والنظامي أيضا.
وفقا لرئيس الوزراء الأردني عبد الله النسور لا يوجد أي معسكرات تدريب لقوات سورية معارضة في الجانب الحدودي الأردني وحسب ما قاله الرجل مباشرة لـ’القدس العربي’ لو توافرت للنظام السوري أدلة علنية وملموسة على مثل هذا الأمر لشاهدنا على التلفزيون السوري مقاتلين مدربين يدلون بإعترافات وحيثيات عن تلقيهم التدريب في الأردن.
النسور يتحدث عن مراكز عسكرية الطابع هدفها مراقبة الحدود لضمان آمن المملكة وإستيعاب وإستقبال ضيوف الأردن من اللاجئين ملاحظا بأن الرئيس السوري بشار الأسد عندما ألمح لهذا الموضوع إستخدم صيغة ‘تردد’ بمعنى أنه لم يكن متأكدا من حصول تدريبات لمقاتلين في الأراضي الأردنية.
يتوقع النسور بأن الجانب السوري لو كانت لديه أدلة على مثل هذه الجزئية لعرضها عبر الإعلام ويشير لمبالغات تتحدث عن تواجد لقوات أمريكية معترفا بأن بعض الجنود الإستشاريين وليس المقاتلين موجودون لمراقبة الكيماوي السوري حفاظا على أمن المملكة بسبب عدم وجود قدرات دفاعية لدى عمان في إطار التعاطي مع أخطار السلاح الكيماوي.
لكن مسؤولا آخر في الحكومة الأردنية تحدث مؤخرا وطلب من ‘القدس العربي’ التدقيق بالصيغة التي إستخدمتها وكالة الأنباء السورية سانا وهي تتحدث مجددا مساء السبت عن عمليات تدريب لمعارضين في الأرض الأردنية حيث قالت بأن الأردن يخفق في الهرب من الضغوط الدولية والعربية بما يثبت بأن بعض ‘التقارير’ الإعلامية التي تتحدث عن التدريب صحيحة.
معنى ذلك وفقا لنفس المسؤول الأردني أن الجانب السوري لا يملك فعلا أي دليل على تدريبات قتالية في معسكرات أمريكية مفترضة على الجانب الأردني بدليل الإعتماد على ‘تقارير إعلامية’ وليس على حقائق ميدانية.
رواية الأردنيين في السياق العسكري تتحدث عن عمليات لضبط أمن الحدود ومنع التسلل بالإتجاهين وعن مراقبة مع جهات أجنبية للسلاح الكيماوي السوري وعن مراقبة موازية لمقاتلي جبهة النصرة وجهود عسكرية لإستقبال اللاجئين وتوفير الأمن والمأوى لهم.
كل هذه الإجراءات – شرح النسور- هدفها الإحتياط لمنع الحريق السوري من الوصول إلى الأردن مؤكدا بأن لديه قناعة تامة بأن الأردن لا يشارك ولن يشارك في اي عمل عسكري ضد سورية ولن يسمح بإستخدام أراضيه لإعتبارات عسكرية.
رغم ذلك وصلت الحرائق السورية لقرى أردنية عبر قذائف عشوائية أطلقت بالقرب من منطقة وعرة عصر الجمعة وأحرقت كميات هائلة من محاصيل القمح والشعير الجافة وفي موسم الحصاد السنوي المعتاد.
تلك بالتأكيد كانت رسالة سورية تلوح بالتهديد والقدرة على إيذاء الأردن لكنها رسالة على مقياس تصريحات عدائية ضد النظام السوري إنطلقت على هامش مؤتمر دافوس البحر الميت وقبله مؤتمر أصدقاء سورية برعاية وزير الخارجية الأمريكي جون كيري .
لذلك تبدو الأجواء بين البلدين سورية والأردن ملبدة بكل الغيوم المحتملة فعمان لا زالت ترى بأن من حقها الإحتفاظ بخيارات دفاعية إستراتيجية ذات بعد عسكري تحوطا لإنفلات الأمور في سورية ما دامت موسكو لم تحسم بعد خياراتها السياسية وما دام حزب ألله اللبناني قد دخل على المعادلة بكل إمكانات الإشتباك وما دامت جبهة النصرة قابلة لإعادة التصدير للساحة الداخلية.
تلك حجة الأردنيين في تفسير وشرح تفاهماتهم العسكرية والأمنية مع أمريكا وفرنسا والسعودية والمنظمات الدولية على الحدود مع سورية.
حتى هذه الحجة يرفضها الإعلام السوري الرسمي ويناكفها السفير السوري في عمان بهجت سليمان وفقا لقاعدة ‘من ليس معنا ضدنا’.
وهي معادلة غير منصفة في فهم مؤسسة القرار الأردنية التي ترى اليوم بأن البلاد بكفيها مشكلاتها الداخلية والمالية ويكفيها المأزق الناتج عن الوضع الجيوسياسي المعقد للمملكة بعدما رفض بشار الأسد كل النصائح وأصر على القتال حتى آخر لحظة.
فتحت عمان قنوات إتصال خلفية مع إيران وموسكو على أمل تفهم موقفها لكن تشخيص مركز القرار فيها الآن ان النظام السوري جريح ويتصور أنه يواجه معركة بقاء سيستخدم فيها كل الأسلحة وهو في وضع لا يمكنه إلا إعتماد صيغة ‘من ليس معنا ضدنا’ في رسالة وصلت فعلا للمؤسسات الأردنية وبأكثر من شكل.