غزة ـ «القدس العربي»: سيطرت حالة من الترقب الحذر على الشارع الغزي، بخصوص الهدنة التي يتم الحديث عنها من حين لآخر، والتي يشير معظم التحليلات إلى ان رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو يعطلها.
يرى سالم المسالمة، من خان يونس، جنوبي قطاع غزة، أنه لا يمكن اختزال مشاعره بشأن الهدنة في التفاؤل أو التشاؤم خاصة أمام شخصية انتهازية مثل نتنياهو، الذي تعود أن يهرب للأمام دون أن يدفع ثمن هزيمته، فيصدر أزماته للخارج، مشيراً إلى اتفاق الهدنة الثاني الذي رحبت به «حماس» ورفضته حكومة الاحتلال، في مايو/ أيار الماضي.
واستشهد على عدم جدية نتنياهو بشأن أي اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة بما حدث في مايو/ أيار الماضي، عندما وافقت «حماس» على المقترح الأمريكي، الذي لقي معارضة من نتنياهو وبعض وزراء حكومته مثل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، وزير الأمن الداخلي، إيتمار بن غفير: «كان المجلس الأمني الإسرائيلي موافقاً على الهدنة وشروط حماس، لكن نتنياهو قبيل انعقاد المجلس أضاف شرطاً، يعرف جيداً أن حماس سترفضه، وهو تفتيش النازحين العائدين إلى شمال قطاع غزة».
نتنياهو يواجه أزمة داخلية في حكومته، ولا يريد الاعتراف بالهزيمة في غزة، يوضح المسالمة، مضيفا: رئيس هيئة أركان جيش الاحتلال، هرتسي هاليفي، يعرف جيدًا أن الجيش الصهيوني هُزم هزيمة عسكرية ساحقة ماحقة بائنة بينونة كبرى، وهُزم السلاح الأمريكي. هو الرجل العملياتي الوحيد في سلطة الاحتلال الذي يعرف كم عدد القتلى من الجنود الصهاينة وعدد الدبابات التي تُدمر يومياً على يد المقاومة.
ورغم ذلك ليس قادراً على الإعلان، لأن جيش الاحتلال سينهار».
ويشير المواطن الأربعيني إلى أن «هاليفي، هو الرجل الوحيد في دولة الكيان، الذي يُمكن أن يقوم بانقلاب عسكري على نتنياهو» مستدلاً بالتصريحات التي أدلت بها زوجة رئيس الوزراء الإسرائيلي، سارة نتنياهو، قبل 3 أسابيع، وتفيد بأن قادة جيش الاحتلال «يريدون تنفيذ انقلاب عسكري على نتنياهو».
ويستنتج المسالمة من ذلك أن «المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تعرف أنها ليست قادرة على الاستمرار في الحرب داخل قطاع غزة، وتوجه اللوم إلى نتنياهو على ذلك، كونه يريد أيضاً أن يهرب إلى الأمام على الساحة اللبنانية مع حزب الله» متسائلا: «هل يتحمل نتنياهو 2000 صاروخ يوميًا من حزب الله؟ هل يتحمل قوات الرضوان التي إذا دخلت الجليل ستحرره خلال 3 ساعات وتعمل 7 أكتوبر جديد؟».
ويبدي عدم تفاؤله بشأن الصفقة المرتقبة، لأن «هذا العدو ـ الاحتلال لا يمكن التفاوض معه إلا بالنار، والهجوم خير وسيلة للدفاع، ونحن لن نلدغ من جحر مرتين، فالاحتلال يسعى إلى فرض الهزيمة على شعبنا، وهذا سيكون انتحارًا سياسيًا واجتماعيًا، والدفن في باطن الأرض أرحم منه».
الشعب يرحب بالهدنة
ويتمنى سراج المشد، من خان يونس، نجاح المفاوضات بشأن الهدنة، كي تعود غزة إلى سابق عهدها، في ظل المآسي التي يقاسيها الشعب الفلسطيني يومياً، وعلى مدار أكثر من 9 أشهر: «الأوضاع تسوء يوميًا، لذا فالمواطن الغزي يتمنى أن الاتفاق على الهدنة، حتى يرجع إلى الحياة التي كان يعيشها قبل الحرب، وتؤول الأمور إلى الأفضل».
ويؤكد المواطن الفلسطيني الأربعيني، ترحيب الشعب الفلسطيني كله بالهدنة: «لم يقل الشعب: لا نريد هدنة. كل الشعب بده هدنة. إن شاء الله خير» معرباً عن تفاؤله بشأن جولة المفاوضات الجارية بين حماس والاحتلال، برعاية الولايات المتحدة ومصر وقطر: «ربنا يجيب الفرج للجميع، وتصير صفقة، وتعود الناس إلى ديارها وبيوتها وأهلها، ويتم تحرير الأسرى الفلسطينيين، وكل الناس المضرورين يروحوا لبيوتهم».
وعلى النقيض عبّر جابر أبو سمرة، 38 عاماً، عن تشاؤمه بشأن الصفقة قائلا: «نحن وجدنا على أرض عشنا فيها معارك كثيرة، وتلك المعارك لم تطبق فيها أي شروط. الأرض التي خلقت للسلام لن يوجد فيها سلام أبدًا، لذلك لن أحلم بالأمل، في أي لحظة، في هذه البلد التي فقدنا فيها كل مقومات الصمود والثبات والتحدي».
وعن سر نظرته السوداوية تجاه أي بارقة أمل تنذر بانتهاء الحرب، يوضح الشاب الفلسطيني لـ«القدس العربي» «هذه البلد أرهقتنا من كثرة الحروب التي عشناها، من كثرة من فقدناهم من أحباب وأصدقاء، من كثرة الغلب والشؤم، من كثرة اليأس، من كثرة النزوح، من كثرة بكاء الرجال والنساء أثناء نزوحهم عدة مرات في هذه البلاد، التي خلقت للحروب، لن تخلق للسلام. كم من مرة تكلموا على الهدنة ولم تُطبق؟! كم من مرة تمت صناعة الأمل لنا، ثم سرقوه منّا».
محلل سياسي: من سيعيق التنفيذ نتنياهو والمتطرفون في حكومته
ويتوقع المواطن الفلسطيني، الذي يعيش في منطقة خان يونس، أن تنتهي الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بشكل مفاجئ، كما بدأت بشكل مفاجئ: «هذه الحرب اللعنة لن نفهم مدخلاتها من مخرجاتها. نحن شاهدنا عندما أذيعت الأخبار عن الهدنة سابقًا، أفراح الغزيين وزغاريدهم، ثم فوجئنا أن هناك رفضا، هناك انتظار رد، هناك تردد. لا نعرف ما الذي يحدث من ورائنا؟!».
واتفق معه عرابي أصليح، الذي لا يرى أيضاً أملافي التوصل إلى اتفاق تهدئة: «كل مرة يقولون: هدنة. وتنتهي الأمور إلى لا شيء. هذا لا يصح. تجري الأحاديث عن الهدنة منذ أكثر من 9 أشهر، وما الذي حدث؟ هدنة ناجحة، تلتها أخرى فاشلة، ثم هدنة ثالثة فاشلة».
ويتساءل المسن الفلسطيني بنبرة متهكمة لـ«القدس العربي»: «ما الذي يريده الاحتلال وأمريكا؟! الوضع تحت الصفر، الناس متعبة أكثر من اللازم، هذا هُدمت داره، وهذا داره محروقة، وشهداء تحت الأنقاض. كيف يريد العالم سريان اتفاق الهدنة؟ كيف يا جماعة؟ الشعب الفلسطيني جرحه غائر».
ويأمل همام الأسطل بانتهاء المفاوضات وهذه الحرب في الاتجاه الذي يصب في مصلحة الشعب الفلسطيني، معبرًا عن ارتياحه تجاه ردود الفعل الإيجابية بشأن جولة المفاوضات الراهنة: «إن شاء الله تنحل الأمور عما قريب. في رد إيجابي وفي أخذ وعطاء. إذن كما يقولون: الحبل على الجرار» في إشارة منه إلى رغبة «حماس» في الاستمرار في المفاوضات رغم الظروف والعقبات التي تلقي بها حكومة الاحتلال في سبيل تعثرها.
ويعدد المواطن الخمسيني، من سكان بلدة القرارة في مدينة خان يونس، المآسي، التي يكابدها الشعب الغزي على مدار أكثر من 270 يومًا، في ظل العدوان الصهيوني الغاشم على قطاع غزة: «انعدمت جميع الخدمات الغذائية والصحية، حتى المواصلات لا نجدها. المجاعة انتشرت بشكل كبير بين سكان القطاع. ولا توجد خدمات صحية. أنا للتو خارج من مستشفى ناصر الطبي، الأطباء قليلون، والمستلزمات الطبية شحيحة، رغم الاستعانة بأطقم طبية من الخارج».
ويطالب الأسطل» دول العالم عامة والدول العربية خاصة بمساندة قطاع غزة، ودعم اللاجئين، الذين هُجّروا من ديارهم في شمال قطاع غزة إلى جنوبه» مؤكداً تفاؤله بأن مستقبل هذه الحرب ونتائج الصفقة المزمعة ستكون في صالح قطاع غزة، الذي «صمد وصبر في ظل هذا البطش والتدمير».
وتوقع المحلل السياسي الفلسطيني، إياد جودة، سريان الهدنة وإتمام صفقة تبادل الأسرى بعد التعديلات التي أجريت على البنود المعترض عليها في مايو/ أيار الماضي قائلا: «هناك معطيات تفيد بحدوث تغييرات جوهرية على مواد عديدة في هذه الصفقة، خاصة الحديث عن وقف لإطلاق النار بشكل نهائي في المرحلة الثالثة».
تغيرات جوهرية
وأشار خلال حديثه لـ«القدس العربي» إلى المرحلة الثانية من الصفقة، والتي تفيد بفرض هدنة على الأطراف المتحاربة لمدة ستة أسابيع، وهي «مرحلة لو امتدت حتى لأكثر من ستة أسابيع، فهي تضمن بأن لا يكون هناك اختراق للهدنة، وهذا شيء مهم للجانب الفلسطيني بأن لا تحدث هناك انتكاسة وعودة إلى الإبادة التي يمارسها جيش الاحتلال» حسب رأيه.
مع ذلك فقد لفت إلى احتمال فشل الصفقة، وإعاقة تنفيذ بنودها من قبل نتنياهو: «من سيعيق تنفيذ هذه الصفقة ويذهب بكل هذا الوهج الإعلامي إلى الهاوية هو بنيامين نتنياهو والمجموعة المتطرفة التي تدير هذه الحكومة معه، خاصة سموتريتش وبن غفير، اللذين حتى استطلاعات الرأي تعطيهما نتائج تقريبا صفر».