لندن- “القدس العربي”:
نشرت صحيفة “آي نيوز” في لندن تحليلا كتبه دونالد ماكنتير، قال فيه إن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، نجح في جعل إيران وسيلة لحرف انتباه الناس عن فظائع غزة.
وقال إن البيان الوحيد الصادر باللغة الإنكليزية عن مكتب نتنياهو بعد إتمام الضربة ضد إيران يوم السبت، هي صور له ويبدو فيها جادا ومحاطا بمسؤولين يتابعونه باحترام، مع تعليق موجز وهو أن رئيس الوزراء كان في مركز العمليات التابع لوزارة الدفاع في تل أبيب “أثناء الهجوم على إيران”.
ثم جاء السؤال الملحّ في عواصم الشرق الأوسط وخارجه، وهو إن كان الهجوم سيغلق في الوقت الحالي الحساب مع إيران التي أطلقت صواريخ باليستية في 1 تشرين الأول/ أكتوبر ضد إسرائيل، أو أنه كان تحضيرا لهجوم أخطر ضد المواقع النووية في إيران؟
بنيامين نتنياهو، نجح في جعل إيران وسيلة لحرف انتباه الناس عن فظائع غزة
وبالنسبة لنتنياهو، ترمز الصور لما سيراه من سيطرة على الأحداث وتعاف سياسي. ويعلق ماكنتير أن “الرجل الذي ينظر إليه غالبية الإسرائيلييين بأنه المسؤول عن مظاهر الفشل الأمني والعسكري التي سبقت هجوم حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، تعرض لانتقادات لاذعة من عائلات الأسرى الـ101 المتبقين في غزة لأنه فشل بوقف الحرب، ولانتقادات دولية بسبب سلوك إسرائيل في غزة.
وقد توقع نقاد نتنياهو أنه يريد إطالة أمد الحرب في غزة قدر الإمكان، وحماية مصالحه وبقائه السياسي (ومن أجل تجنب الوقوف أمام المحكمة بتهم الفساد التي ينفيها). وهو يريد استمرار الحرب حتى الانتخابات الأمريكية التي يتطلع بشدة أن يفوز فيها دونالد ترامب.
وقد صدقت توقعات النقاد، وحصل نتنياهو على ما يريد من ثمار، فقد لخّص الإجماع الإسرائيلي على ضرب إيران موقفُ زعيم المعارضة يائير لبيد بشكل واضح، والذي تحسر بأن الجيش الإسرائيلي لم يضرب “الأهداف الإستراتيجية والاقتصادية” في إيران، والتي حثت الولايات المتحدة إسرائيل على تجنبها.
ويبدو أن نتنياهو نجح بقصد أو بدون قصد في تركيز أذهان قادة الغرب على الموضوع الإيراني، والحرب الفتاكة المتزايدة ضد “حزب الله”، بدلا من لفت انتباههم للظروف المتدهورة في غزة، حيث بدأ كل شيء.
ويعلق ماكنتير أنه ربما كان من الخيال تصور أن توقيت الهجوم الإيراني جاء من أجل إخفاء الأهوال التي تتكشف أمامنا في شمال غزة. ولكن الأمر ترك لوزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي لكي يدعو يوم الجمعة إلى وقف التطهير العرقي في غزة. وجاءت دعوة الصفدي في وجه الظروف الخطيرة المتزايدة التي تواجه المرضى في مستشفى كمال عدوان الذي يعمل بأدنى قدراته في شمال غزة وتعرض لقصف وتوغل واعتقال الطاقم الطبي وتدمير لأقسامه الطبية على يد القوات الإسرائيلية.
وقتل الجيش الإسرائيلي أكثر من 800 فلسطيني خلال ثلاثة أسابيع من العمليات المتجددة ضد حماس في تلك المنطقة. ولم يعد الدعم الإنساني يصل إلى الشمال إلا بالقطارة رغم الاعتراضات الأمريكية والتهديدات المترددة. وأُجبر عمال الصحة على تعليق لقاحات شلل الأطفال.
استمر نتنياهو في رفض الخطة الأمريكية لما بعد الحرب، والتي تعطي دورا للسلطة الوطنية الفلسطينية في غزة
وهو ما قاد للتكهن بأن إسرائيل تنفذ جزءا مما صار يطلق عليها “خطة الجنرالات”والتي سيجبر فيها 400,000 نسمة في شمال غزة على الرحيل من خلال فرض الحصار عليهم ومنع وصول الطعام والدواء إليهم. لكن الكثيرين من سكان الشمال لا يزالون مترددين في المغادرة، خاصة الكبار في العمر وأصحاب الاحتياجات الخاصة لأنه لم يعد هناك أي مكان آمن في القطاع، أو لخوفهم من أنهم لن يعودوا إلى حطام بيوتهم لو خرجوا.
ويقول ماكنتير إن نتنياهو وافق على المشاركة في جولة جديدة من المفاوضات لوقف إطلاق النار، مع أنه ليس من الواضح كيف ستكون هذه أكثر نجاحا من غيرها. وما يثير الخوف هو أن نتنياهو لم يعلن “النصر” بعد مقتل يحيى السنوار، أو يعرض وقف إطلاق نار بشرط الإفراج عن الأسرى لدى حماس.
وأكثر من هذا، استمر نتنياهو في رفض الخطة الأمريكية لما بعد الحرب، والتي تعطي دورا للسلطة الوطنية الفلسطينية التي تسيطر على مناطق في الضفة الغربية.
وبواقع بديل، ربما يوافق نتنياهو على الخطة الأمريكية التي ستسمح للحكومات العربية البدء بالمهمة الضخمة لإعادة إعمار غزة وربما تحقيق طموحه الذي تحدث عنه قبل هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر، أي تطبيع العلاقات الإسرائيلية مع السعودية.
وبدلا من ذلك، فهو يتصور على ما يبدو احتلالا طويل الأمد لغزة، وبوجود عسكري لمواجهة عمليات التمرد والعمل مع شركات تعهدات أمنية خاصة، على الأرجح. وسيؤدي هذا إلى عودة الاستيطان، رغم نفي نتنياهو غير المقنع، وسيكون هذا غير مقبول للجيران العرب وعلى افتراض كامالا هاريس لو فازت بالرئاسة إن لم يكن ترامب.
نتنياهو يتصور احتلالا طويل الأمد لغزة، وبوجود عسكري لمواجهة عمليات التمرد والعمل مع شركات تعهدات أمنية خاصة
ويعتقد ماكنتير أن الأزمة الحالية في المنطقة، تتفاقم وتستمر بسبب الحرب في غزة. وربما توقفت الحرب مع “حزب الله” التي أدت لنزوح 1.4 مليون لبناني، لو وافق نتنياهو على مقترح وقف إطلاق النار الذي دعمته الولايات المتحدة واستمع لنصائح جنرالاته بأن إسرائيل ذهبت بعيدا في غزة.
ويعتقد نتنياهو، على ما يبدو، أنه يستطيع بناء نظام إقليمي بعد نزع أنياب إيران و”حزب الله”. وهناك أمل ضئيل في أن يتمكن بايدن من ممارسة النفوذ على إسرائيل خاصة أنه تحرر من القيود الانتخابية.
وفي الوقت نفسه، باتت الحاجة لإنهاء معاناة أكثر من مليوني فلسطيني في غزة، والإفراج عن الإسرائيليين المتبقين، أمرا ملحا أكثر من أي وقت مضى.