«مصائب قوم عند قوم ٍ فوائد».. مقولة شائعة لطالما عدنا إليها في كل مرة واجهنا فيها حالاً كالذي نعيشه اليوم، من مصيبة أحدثها وباء كورونا، وما ارتبط به من زلزال اقتصادي، دفع وسيدفع بكبريات الشركات العالمية وبآلاف الشركات الصغيرة والمتوسطة نحو الهاوية. ونظراً لكون الوقاية والحجر العام، والتباعد الاجتماعي تشكل الأسلحة الأقوى في مواجهة الوباء، فقد ازدهرت جميع الخدمات المقدمة عن بعد، حتى حظي الفضاء الإلكتروني بموقع الصدارة، على حساب التواصل الهاتفي التقليدي، حتى أصبح مصطلح «عن بعد» الأكثر شيوعاً .فالتسوق عن بعد، والتعلم عن بعد، والعمل عن بعد، وحتى التطبب عن بعد وغيرها الكثير من الخدمات، باتت تشكل البديل الأوضح لتفاصيل المتابعات والخدمات اليومية.
العصر الكوروني، الذي شكّل المصيبة الأكبر للبشرية، شكّل بالمقابل فرصة غير مسبوقة للبعض للاستفادة المالية الفلكية
وعليه لم يكن غريباً أن نرى ازدهار القطاعات المرتبطة بالخدمات المذكورة، يرفدها تطور واضح في خدمات الاتصالات على اختلافها، وازدهار وإقبال واضحان على الشبكة العنكبوتية. واعتقد جازماً أن المقارنة بين زمنين، لم تكن الإنترنت حاضرة في أولهما، مع انتشار وباء ما، باليوم وما يحمله من تفاصيل وإمكانيات ومنصات الاتصال والتواصل، سيكون بمثابة الجهد المستحيل لاختلاف الإمكانيات والتقانات والوسائل المختلفة، التي جعلت من أحلام الطفولة وتخيلاتها حقيقة ماثلة أمام أعيننا اليوم. لذا ومع الحالة القائمة اليوم، التي تشهد بلا منازع إحلالاً طاغياً للخدمات الإلكترونية، مكان الخدمات التقليدية، نجد ازدياداً ملحوظاً في حجم الثروة، التي راكمها أباطرة الاتصالات والمعلوماتية والخدمات الإلكترونية. وعليه فإنه ومن غير المستغرب، أن نجد تسعة من العشرة رجال أعمال المصنفين الأغنى في العالم، حسب مجلة «فوربس» العالمية، هم من المستثمرين في مجال المعلوماتية. وهم حسب الترتيب جيف بيسوس صاحب ومؤسس شركة أمازون، وبيل غيتس صاحب ومؤسس شركة مايكروسوفت، ومارك زوكربيرغ صاحب ومؤسس شركة فيسبوك، وإيلون مسك صاحب ومؤسس شركة سبيس أكس وشركة تيسلا للسيارات الصديقة للبيئة، ووارن بفت صاحب شركة أوراكل، وقائمة طويلة من شركات المعلوماتية وشركات الطيران وغيرها الكثير، وموكش أمباني صاحب العديد من شركات المعلوماتية، ولاري إيليسون صاحب أيضاً العديد من شركات البرمجة، وستيف بالمر المدير العام لشركة مايكروسوفت، ولاري بيج أحد أصحاب ومؤسسي شركة غوغل. ويشير تضخم الثروات في العصر الكوروني إلى ازدياد فلكي في ثروات هؤلاء، فصاحب ومؤسس شركة أمازون مثلاً جيف بيسوس تضاعفت ثروته تقريبا من 113 مليار دولار صيف 2019 إلى 202 مليار قبل أيام، بينما تضاعفت ثروة أيلون مسك من 38 مليارا العام الماضي إلى أن وصلت اليوم إلى 102 مليار دولار حسب «فوربس». ولا ننسى طبعاً وصول شركة آبل العالمية إلى قيمة سوقية غير مسبوقة، تجاوزت حاجز الـ2 ترليون دولار. وفي المقابل، خرج من حلبة المنافسة على أغنياء العالم ما يصل إلى 267 شخصاً يملكون شركات أخرى، تعمل معظمها في قطاعات مختلفة غير قطاع المعلوماتية. وعليه فإن العصر الكوروني، الذي شكّل المصيبة الأكبر للبشرية، مع اقترابه من حاجز 30 مليون مصاب، واكثر من مليون وفاة، قد شكل بالمقابل فرصة غير مسبوقة للبعض للاستفادة المالية الفلكية، بينما يعدنا هؤلاء بالتبرع بمعظم ثرواتهم للفقراء… فهل نرى هذا الأمر يحدث في حياتهم؟ أم بعد مماتهم؟ أم أنه يأتي في إطار إبرة التخدير التي يعطيها هؤلاء للعالم في مقابل سكوتهم على التضخم الكبير للثروات؟
كاتب فلسطيني