دمشق – «القدس العربي»: في تصعيد غير مسبوق، ارتفعت وتيرة الضربات الإسرائيلية، التي استهدفت البناء البلوري ومدرجات الطيران في مطار دمشق الدولي، في هجوم صاروخي على موقع نوعي يعتبر من أهم منافذ عبور السلاح الإيراني وحزب الله اللبناني، حيث أخرجت الضربات الإسرائيلية، المطار عن الخدمة، بينما لم تتعد الغارات أو القصف الإسرائيلي في السابق، الرسائل والضربات التحذيرية.
الغارات الإسرائيلية، جاءت كردع قوي موجه إلى إيران وأدواتها في المنطقة، إذ تحدثت بعض التقارير العبرية عن استهداف مدرجات المطار، وجاء بهدف إحباط محاولات إيران تهريب منظومات دقيقة إلى «حزب الله» اللبناني، وضمنها تجهيزات تستخدم في تحويل الصواريخ العادية إلى صواريخ دقيقة.
عبد الستار: إيران لن تصعّد
ومن المحتمل أن تشهد الخريطة السورية موجة جديدة من القصف والغارات الإسرائيلية على مواقع وأهداف حساسة تشرف عليها بشكل مباشر قوات الحرس الثوري الإيراني أو حزب الله أو أهداف للنظام تعتبر بشكل أو بآخر تابعة للنفوذ الإيراني في سوريا.
بعد إعلان بينيت الانتقال إلى استراتيجية «رأس الأخطبوط بدلاً من المخالب»
ولتفسير أسباب القصف ونوعيته التي تغيرت وأصبحت علنية وقاسية، اعتبر البرلماني العراقي السابق د. عمر عبد الستار في حديث خاص مع «القدس العربي» أن قصف إسرائيل لمطار دمشق وتعطيله، له علاقة بنوعية الضربات التي تغيرت من قبل إسرائيل، ضد إيران وباتت تشمل إيران من الداخل والخارج، وهو ما يتطابق مع التصريحات الإسرائيلية التي قالت «نحن نعمل بمبدأ الاخطبوط». وكان رئيس وزراء إسرائيل، نفتالي بينيت، قال قبل أيام، إن الكيان الصهيوني أصبح يعتمد على عقيدة جديدة في تعامله مع إيران، فقد بدأ في تطبيق «مبدأ استهداف رأس الأخطبوط بدلاً من المخالب».
ولتشخيص الأسباب قال عبد الستار، «إسرائيل صرحت بأنها أجرأ وإيران اليوم أجبن، ما يعني أن اسرائيل ستضرب بقسوة وإيران لن تستطع الرد». وأضاف «إيران تشعر بأنها في وضع المحافظة على النظام، وهذا يتطلب الذهاب إلى توقيع اتفاق مؤقت، يقضي بإيقاف التخصيب لوقف التصعيد، وذلك يشمل النفط والنقل».
وعبّر الخبير السياسي عن اعتقاده بعجز «محور المقاومة عن الرد» حيث قال «الرد يتوقف على قرار إيران بالذهاب إلى اتفاق ما، وهذا الحال سوف يستمر حتى انتخابات التجديد النصفي في الولايات المتحدة الأمريكية» وإلى ذلك الوقت استبعد المتحدث أن تذهب إيران إلى أي تصعيد.
وقال «إسرائيل أعلنت أن الضربات سوف تستهدف إيران في الداخل والخارج، وستكون قوية وجريئة، ويبدو أن الاتفاق داخل إسرائيل يسير في هذا الاتجاه، وأصبح شبه رسمي داخل الأجهزة الأمنية، وهذه فرصتها بأن تذهب إيران إلى النووي».
وغداة الضربة الإسرائيلية، نقلت صحيفة الوطن شبة الرسمية، عن مصدر غير رسمي، تأكيده أن مطار دمشق الدولي علّق رحلات الطيران منه وإليه بعد استهداف المهبط الرئيسي في المطار، حيث أعلن النظام السوري تحويل الرحلات إلى مطار حلب الدولي.
كما ذكرت وزارة النقل لدى حكومة النظام السوري في بيان رسمي، أن الضربات استهدفت البنية التحتية لمطار دمشق الدولي، ما تسبب بخروج كل من مهابط الطائرات والإنارة الملاحية عن الخدمة، مشيرة إلى أن «العدوان الإسرائيلي استهدف أيضاً مبنى الصالة الثانية للمطار وتعرضها لأضرار مادية، ونتيجةً لهذه الأضرار، تم تعليق الرحلات الجوية الآتية والمغادرة عبر المطار حتى إشعارٍ آخر».
وحول أهداف هذه الضربة قال الباحث لدى المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام رشيد الحوراني، إن التصعيد الاسرائيلي على سوريا، وما فيها من ميليشيات ايرانية يندرج ضمن التنسيق الروسي – الإسرائيلي، حيث عزا الخبير السبب إلى أن كلا الطرفين (روسيا وإسرائيل) لا تريدان لإيران أن تكبر أكثر في سوريا، وهذا الأمر يؤكده قصف ميناء اللاذقية خلال الفترة الماضية، ودخول روسيا إليه، لقطع طريق توسيع إيران نفوذها هناك.
الرد الروسي
واستبعد في تصريح لـ «القدس العربي» أن يضع الكيان الصهيوني، ما يسمى محور المقاومة موضع الرد، مدللاً على ذلك بـ»الدخول قبل أيام، في عمق الأراضي السورية من جهة القنيطرة» وهذا يشير إلى أن إسرائيل تشعر بخطر النفوذ الإيراني الذي يسانده النظام، وتريد تقليم أظافره سيما أن إيران باتت تمتلك أوارق تفاوض بموجبها، وقال «استبعد أي رد عسكري للنظام أو حلفائه، لأنه يستدعي رداً أقوى من إسرائيل وأمريكا، لأن الاتفاق الأمني الذي جمع كلاً من إسرائيل وروسيا وأمريكا في القدس 2019 أكد على ضرورة ضمان أمنها، وأخذ تخوفاتها بعين الاعتبار». وقال «إضافة إلى أن المجرم بشار الاسد في لقائه الاخير مع قناة RT الروسية أرسل رسائل إيجابية بشأن إمكانية العلاقة مع إسرائيل».
واعتبر الحوراني أن التصعيد الإسرائيلي ضد إيران، رهن قدرة إيران على امتصاص تلك الضربات، مستبعداً الرد بالمثل، و»تصعيد إيران ضد إسرائيل» وذلك لعدة أسباب داخلية وخارجية «كالمظاهرات واغتيال شخصيات عسكرية وتقنية في قلب طهران، إضافة إلى تداعي نفوذها في لبنان، والضغط الدولي عليها في سوريا».
وأدانت روسيا الضربة الإسرائيلية على مطار دمشق الدولي، معتبرة أنها ممارسات شريرة، وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، إن موسكو «تدين بشدة الغارة الجوية الإسرائيلية على مطار دمشق الدولي، وتطالب الجانب الإسرائيلي بوقف هذه الممارسة الشريرة».
وأكدت الخارجية الروسية في بيان لها أن «القصف الإسرائيلي المستمر على أراضي الجمهورية العربية السورية، انتهاك للقواعد الأساسية للقانون الدولي» معتبرة أنه «أمر غير مقبول على الإطلاق» مضيفة أن مثل هذه الأعمال التي استهدفت أهم هدف في البنية التحتية المدنية السورية هي غير المسؤولة وتخلق مخاطر جسيمة على الحركة الجوية الدولية، وتعرّض حياة الأبرياء لخطر حقيقي، وفق البيان.
وحول أهمية الموقع المستهدف قال العقيد أحمد حمادة لـ «القدس العربي» إن «البناء البلوري المتواجد في مطار دمشق الدولي، يعتبر مركز عمليات قامت إيران ببناء مستودعات فيه وتعتبره منطقة إمداد قتالي، كما أنها تستخدم الطيران المدني لنفس الغرض». وقال إن «الهجمات الإسرائيلية على مواقع الميليشيات الإيرانية لن تتوقف، طالما أنها تحاول أن تبني قاعدة عسكرية صلبة لها في سوريا». معتبراً أن السبب يعود إلى «فشل روسيا في تطبيق الاتفاق المبرم حول الجنوب السوري بإبعاد ميليشيات إيران 80 كيلومتراً، حيث أقامت إيران قواعد متعددة في الجنوب في كل من مدينة الكسوة وجبل المانع، وجنوب دمشق».
أما عن الرد الإيراني فقال «بعد 2200 اعتداء إسرائيلي منذ عام 2008 حتى الآن لم نر أي رد على إسرائيل، فمن غير المتوقع أن يكون هناك رد من نقطتين، الأولى عدم وجود إرادة حول ذلك، والثانية عدم وجود إمكانيات قتالية أو تكنولوجيا، كما أن حزب الله رأيناه في ردود فعل مبرمجة، حيث كان الرد يتضمن قرار عدم إلحاق الأذى بإسرائيل، ولو أن هذا الحلف أراد الرد، لكان الأولى به أن يرد على مقتل عدد من العلماء الإيرانيين».