على طريقة أعذب الشعر أكذبه، صنع أحدهم غلافا (مفبركا) لافتا لمجلة «Time» الأمريكية، وروّجه بكثافة على منصات التواصل الاجتماعي، مع موجة الاحتجاجات الأمريكية الأخيرة، وهي الأوسع من نوعها منذ عواصف عصر ستينيات القرن العشرين، وضع (المفبرك) النابه كلمتي «to go» تحت «لوغو» المجلة، وكأنه يكون مع اسم المجلة جملة «Time to go»، أي بمعنى حان وقت الذهاب، وبدت العبارة موجهة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يفتح الباب خارجا من غرفة سوداء، ظهرت أسفل يمين الغلاف المجلل بالسواد، وكأن الغلاف إياه أراد أن يقول إن مجلة «تايم»، وهي واحدة من أعرق المطبوعات الأمريكية، تذكر ترامب بموعد المغادرة، وتستعجل رحيله عن البيت الرئاسي.
أمنية الغلاف المصطنع ليست فريدة في بابها، فالكثيرون داخل أمريكا وخارجها يتشاركونها، وينتظرون سقوط ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية المقررة أوائل نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، حتى في الحزب الجمهوري، الذي ينتمي إليه رسميا، وفي منافسه الحزب الديمقراطي طبعا، الذي يحلم بالعودة المبكرة إلى البيت الأبيض، وحجب فرصة الرئاسة الثانية عن ترامب، وفوز جو بايدن مرشح الديمقراطيين، الذي صار مرشحا رسميا أخيرا، وكان بايدن نائبا للرئيس الكاريزمي باراك أوباما، لكن بايدن، الذي ترشحه استطلاعات الرأي اليوم للنجاح، يبدو شخصا باهتا فاترا، وقد تجاوز منتصف السبعينيات من العمر، أي من عمر ترامب نفسه، الذي يبدو أكثر حيوية وصخبا وانفلاتا في اللسان، ويسخر من منافسه الديمقراطي بوصفه «جو النعسان».
وقد يكون من الصعب الجزم بهزيمة ترامب اليوم، فثمة شهور قليلة متبقية، قد تتغير فيها الموازين واستطلاعات الرأي، والثقة ليست كبيرة عموما في استطلاعات الآراء الأمريكية، وشبهة التحيز واردة فيها، خصوصا أن الجهات التي تجريها لا تحب ترامب، وهو العدو الأول للميديا وللمثقفين الأمريكيين بصفة عامة، فالرجل فخور بجهله وشعبويته، وإلى حد نصحه للأمريكيين بشرب «الكلور» الحارق للوقاية من عدوى كورونا. وخارج دواعي الكراهية والمحبة، فثمة أسباب جدية، توحي بتقلص فرص فوز ترامب، فقد أطاحت الآثار الاقتصادية المهلكة لجائحة «كورونا» بجوهر دعايته، القائم على تصور إنعاشه للاقتصاد الأمريكي، وتنفيذه لتخفيضات ضريبية هائلة على الشركات، زادت فرص التوظيف، وتدنت بأرقام البطالة، ثم جاءت جائحة كورونا، وتداعيات الإغلاق لمواجهتها، فهدمت معبد ترامب الاقتصادي، وزادت أرقام البطالة إلى 40 مليون أمريكي، مع انكماش الناتج القومي الأمريكي بنسبة تقارب السبعة في المئة، مع أثقال الديون التي ورثها وأضاف إليها، ووصلت إلى نحو 25 تريليون دولار أمريكي، وكان أمل ترامب أن ينتهي الإغلاق سريعا، وما كاد الفتح التدريجي يبدأ، وتظهر بدايات تحسن طفيف في أرقام التوظيف، حتى داهمت ترامب مظاهرات الاحتجاج على مقتل جورج فلويد الأمريكي من أصل أفريقي، التي استمر تدفقها القوي في الشوارع على مدى جاوز الأسبوعين، ودفعته للنزول إلى مخبأ سري تحت الأرض، ثم حاول بعد الخروج أن يبدو شجاعا وقويا، وهو يجيد التمثيل، كنجم سابق في برامج تلفزيون الواقع، ووقف أمام كنيسة الرؤساء بالقرب من البيت الأبيض، رافعا نسخة من «الإنجيل» بيده اليمنى، ومتعهدا بعودة «أمريكا عظيمة مرة أخرى»، وهو شعاره الانتخابي القديم الجديد، وقد شفعه باستدعاء الجيش الأمريكي للشوارع، وبعد أن كان استدعى كتائب «الحرس الوطني» التابع للجيش، وكأنه أراد الظهور في صورة الرجل القوي، القادر على قمع تمرد المتظاهرين في عشرات الولايات الأمريكية، خصوصا بعد ميل بعض المتظاهرين إلى سلوكيات السرقة والحرق والتحطيم، وعلى خلفية أزمة اقتصادية زادت من توحش الفقر في أمريكا الغنية.
اعترف أوباما بفشل كل الرؤساء الأمريكيين في اقتلاع جذور العنصرية القاتلة، وفشل هو نفسه أيضا
والمحصلة إلى الآن، أن الرياح تجري، كأنها في غير صالح إعادة انتخاب ترامب، مع وضوح أكثر في سلبية مواقف «الدولة العميقة» من تصرفاته، على طريقة جهر جنرالات البنتاغون بالمعارضة لرغبته في إنزال الجيش للشوارع، وسحب قوات كانت نزلت إلى العاصمة واشنطن، إضافة للشعبية الظاهرة لعدد من حكام الولايات الديمقراطيين، وميلهم لإحراج ترامب علنا وانتقاده في كيفية معالجته جائحة كورونا، والموقف من الاحتجاجات والمظاهرات، إلى حد أن موريل باوزر عمدة واشنطن، وهى سيدة سمراء اللون، أمرت بطلاء شعار المظاهرات الأمريكية Black lives matter، أي «حياة السود مهمة»، وبتكبير الحروف إلى أقصى حد ممكن، أمام الشارع المؤدي للبيت الأبيض، حتى يراها العنصري ترامب في مجيئه ورواحه، وتلهب أعصابه المستنفرة أصلا، لكن الرجل على حمقه الظاهر، لا يبدو غبيا، ويعرف بالغريزة مصلحته الانتخابية، وقد فاز بالرئاسة لأول مرة من أربع سنوات، مستفيدا من تصدير صورة الرجل الناقم على فساد مؤسسة الحكم في واشنطن، وحذلقات وفذلكات رجالها ونسائها، ونجح في صد هجمات «الميديا» الأمريكية، وسخريتها من جهالاته وتفحشاته، مستخدما تغريداته الغريبة المتهجمة على منصة «تويتر»، التي حاولت أخيرا التحذير من أكاذيبه، فشن هجوما كاسحا عليها، واستغل سلطاته للتضييق عليها، وعلى كل شركات ووسائط التواصل الاجتماعي، ودفعهم للتراجع بأمر رئاسي تنفيذي، على طريقة أوامره بتقييد قبول هجرة أو زيارة اللاتينيين والمسلمين إلى الولايات المتحدة، واستثمار سلطاته لتطويع تشكيل المحاكم الكبرى، وكان سنده دائما جمهوره المفضل، الذي يؤمن بتفوق العرق الأبيض، ويكره بالخلقة كل الأمريكيين الأفارقة، مع غيرهم من اللاتينيين والمسلمين والآسيويين المهاجرين لأمريكا، الذين زاد عددهم منذ تعديل قانون الهجرة أواسط ستينيات القرن الفائت، وفتح الأبواب لقبول هجرة غير الأوروبيين من ذوي البشرة البيضاء، وصارت الأقليات القديمة كالسود مع الأقليات المضافة، يشكلون جميعا ما تزيد نسبته على ثلث إجمالي السكان الأمريكيين، فيما تبقت نسبة أقل من الثلثين للأمريكيين البيض، وهؤلاء ليسوا سواء بالطبع، فمنهم قطاعات يسارية وديمقراطية تعادي ترامب وميوله الطبقية والعنصرية، لكن نصف البيض على الأقل، إن لم يكن أكثر، يؤيدون ترامب مهما كذب، ولا يمانعون في عنصريته القاتلة، وبعضهم في حركات اليمين الجديد والنازي وأقصى اليمين، يؤيدونه ويزايدون على عنصريته، وهؤلاء هم النواة الصلبة لقوته الانتخابية الثابتة، أضف إليهم نفوذ «اللوبي الصهيوني»، وهذه قصة أكبر من حجم أصوات اليهود في أمريكا، وأكبر من تأثيرهم المرئي في عوالم الاقتصاد والمال والميديا، ولم يسبق لرئيس أمريكي أن خدم «إسرائيلهم» كترامب، الذي يضع عينيه أيضا على فصائل «الألفا أنجليكان» أو «الحقبوية الألفية» بين البروتستانت في أمريكا، وهؤلاء نحو ثلث سكان أمريكا، وهم أكثر حماسا لإسرائيل من اليهود، ويؤمنون بعودة المسيح الثانية في الألفية الثالثة، ويرون أن هدم المسجد الأقصى، وإقامة ما يسمى بهيكل سليمان الثالث على أنقاضه، هي شروط واجبة دينيا لعودة السيد المسيح، وخوض المعركة الأخيرة «هرمجدون» ضد الأشرار من العرب والمسلمين، بحسب زعمهم، ولم تكن مصادفة، أن اختار ترامب شخص مايك بنس نائبا له، فهو من غلاة البروتستانت المتشددين، ومن المؤمنين بقداسة خدمة إسرائيل.
والمعنى مجددا، أن هزيمة ترامب ليست مؤكدة، وقد سبق له أن نجا من محاولة عزله عبر الكونغرس، ولم تسفر المحاولة إلا عن تلاسن متصل منفلت بين ترامب ونانسى بيلوسي الرئيسة الديمقراطية لمجلس النواب، كتمزيقها لأوراق خطابه على المنصة بعد محاولة العزل الفاشلة، أو وصفها له أخيرا بأنه «يبدو كطفل ببراز كلب على حذائه»، أو وصفه لها بأنها «مجنونة ومعقدة نفسيا»، أو اتهام الديمقراطيين عموما لترامب بأنه يقسم الأمريكيين، وهو كلام في محله، لكن الديمقراطيين يفتقرون إلى شخصية جذابة مؤثرة، فليس لديهم أوباما آخر، وليس بوسع أوباما أن يفعل شيئا سوى مساندة نائبه جو بايدن، وهو رجل منزوع الجاذبية، ولا يختلف كثيرا عن ترامب في اختياراته الأساسية، فقد اعترف أوباما بفشل كل الرؤساء الأمريكيين في اقتلاع جذور العنصرية القاتلة، وفشل أوباما نفسه، الذي كان أول رئيس أمريكي من أصول أفريقية، والأغرب أن الرئيس الجمهوري الأسبق جورج بوش الابن، هاجم ترامب «الجمهوري» أيضا، وقال إن أمريكا تعيش في مأساة، بينما بوش نفسه من غلاة المتطرفين البروتستانت البيض، أو ممن يعرفون اختصارا بتعبير «الواسب» (wasp)، وهم البيض الأنكلوساكسون البروتستانت، الذين يعتبرون أنفسهم ملاك أمريكا الحقيقيين، وهم أحفاد الذين أبادوا ملايين الهنود الحمر واستعبدوا السود، حتى إن أخذ بعضهم على ترامب غلظته وفظاظته وصراحته القاتلة، فقصة العنصرية في أمريكا أبعد من سوقية ترامب، وأبعد من فرص بقائه أو ذهابه إلى حيث ألقت.
كاتب مصري
أبعد من السيسي….هم لهم ترامبهم وأنتم لكم سيسكم….والا ايه…؟
هذه العنصرية موجودة لفترة طويلة في الغرب ليس فقط ضد السود ولكن أيضًا ضد أي شخص غير أبيض
ترامب سيفوز بالإنتخابات القادمة!
هكذا هو الشعب الأمريكي, والدليل بإعادة إنتخاب بوش الإبن بعد حرب العراق!! ولاحول ولاقوة الا بالله
بسبب عنصريه الامريكان الشديدة سيعاد انتخاب هذا المجنون مره أخرى للأسف .
اقتباس((ويرى البروتستانت والذين يمثلون نحو ثلث السكان وهم أكثر حماسا لإسرائيل من اليهود ويؤمنون بعودة المسيح الثانية ويرون أن هدم المسجد الأقصى، وإقامة ما يسمى بهيكل سليمان على أنقاضه هي شروط واجبة دينيا لعودة السيد المسيح وخوض المعركة الأخيرة ضد الأشرار من العرب والمسلمين، بحسب زعمهم))
طيب اذا كان هؤلاء يرون ان حماسهم للكيان الصهيونى هو واجب دينى!
هنا السؤال لماذا نجد كل هذا الحماس العلنى من الأعراب فى مشيخات الزيت الاسود ومن جيش الإحتلال المصرى للكيان الصهيونى الغاصب؟
بالطبع اعرف الإجابة لكن اتمنى ان اراها مكتوبة!
اخي الاسكندراني صعب ان ترى الاجابة مكتوبة، لان السيد قنديل هو من عرابي نظام السيسي والجيش المصري .. كان يجاهر بنقد محمد مرسي بعد انتخابه، وكان ينتقد نظام السيسي على استحياء بعد ان يجد للسيسي مليون عذر وعذر لكن بعد ان سجنه السيسي طلق الكتابة في الشؤون المصرية وانتقل لنقد ترامب متناسيا موضوع الكيمياء المشتركة بين ترامب والسيسي
من خاف سلم – واللي اتلسع من الشوربة ينفخ في الزبادي – وامشي جنب الحيط
فقد انتهى زمن من امن العقوبة اساء الادب
عجبا للشعب الامريكي في عصر الفضاءات المفتوحة وفي عصر العالم اصبح كقرية صغيرة كيف لا يستلهمون تجربة الشعب المصري في ثورة 30يونيو المجيدة عسى ان ياتيهم واحد مثل السيسي يوصلهم للمجد الذي تتقلب بين اكنافه مصر الان
عن ترامب سألوني؟
العنصرية في مصر أشد من عنصرية ترامب وماكرون وجونسون وقادة الصرب. مصر التي يرفض دينها العنصرية أسست للعنصرية منذ حكمها العسكر، وبذرت بذور الشقاق بين المصريين. العسكري أبو خمسين في المائة أفضل من الطبيب أبو مائة في المائة، والقاضي الجاهل أبوخمسين في المائة أفضل من المهندس ابو 98%، وضابط الشرطة أبوخمسين في المائة أفضل من الصيدلي أبو 90%. الأولون يسكنون القصور والشقق الفاخرة، والآخرون يقطنون المساكن المتواضعة . الأولون لهم امتيازاتهم في مستشفيات خاصة ونواد معينة وفنادق فخمة، والآخرون بلا امتيازات. أما عامة الشعب فتلعق التراب والبؤس والأيام الصعبة.
العسكري المجرم الذي قهر البلاد ويستذل العباد يحارب الإسلام ويوظف أبواقة للترويج لأكاذيبة، وخيانته وجرائمه ومذابحه التي لن تسقط بالتقادم. إلى متى؟ الله غالب.
هناك نقطتان في المقال:
الأولى: لست أدري لماذا يصرون على القول “أمريكي من أصل إفريقي” أو السود من أصل إفريقي” إلخ… الصحافة الأمريكية استعملت هذا المصطلح بخبث ثم تناقلته وسائل الإعلام العالمية بغباء. لماذا لا يقولون أمريكي من أصل أوروبي مثلاً حيث أغلب البيض أتوا من أوروبا خصوصاً الإيرلنديون والطليان. هناك سود غير أفارقة مثل الهاييتيين مثلا وسواهم..
الثانية. ليس عندي أدنى شك أنا بايدن سوف يكون أسوأ رئيس أمريكي وهو بلا ريب أسوأ من ترامب وهو أي بايدن عنصري حتى النخاع وإ1ا كان يستر عنصريته فترامي على الأقل يجاهر بها. بايدن فعلا رجل خمول ولكن الصدفة وحدها هي التي قد تجلبه رئيساً وهو بالتأكيد غير كفؤ لذلك وسوف يكون أكثر تزلفاً وإنحيازاً للكيان الصهيوني لإن شخصيته ضعيفة كالذي عينه نائباً له أي أوباما.
شكراً أخي عبد الحليم قنديل. اعتقد اننا نستطيع القول أن كل رؤساء أمريكا لايهمهم إلا المصالح الأمريكية بما فيهم أوباما وهذا الأخير كان أسوأ من ترامب بما يخص سياسته في الشرق الأوسط وعليه بايدن لن يكون أفضل من ترامب لهذا العالم، رغم أننا نستطيع أن نقول لايوجد أسوأ من ترامب للشرق الأوسط ولأمريكا وللعالم نفسها معاً.