موسى أبو مريمي، أحد سكان قرية بئر هداج البدوية في النقب، عاد إلى بيته الأربعاء الماضي، مع ابنته التي يبلغ عمرها سنتين، والتي تعاني من ضمور في العضلات، بعد أن أخذها من روضة للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، التي تتعلم فيها في بئر السبع. عندما اقترب من البيت في شارع 222 الذي يقع بين “تسالم” وبئر هداج، أوقفهم جنود حرس حدود ملثمون. أبو مريمي (37 سنة) يرتجف وهو يصف كيف رموه على الأرض وكبلوه وجثموا على صدره وضربوه بصورة قاسية مدة ساعة. كل ذلك في الوقت الذي كانت فيه ابنته تجلس وحدها في السيارة وتشاهد ما يحدث وهي تبكي وتصرخ.
لم يكن هذا الحادث الوحيد في نفس اليوم الذي اعتقل فيه رجال شرطة من وحدة المستعربين التابعة لحرس الحدود في الجنوب سائقين، الذين وصفوا كيف تم احتجازهم بدون سبب والاعتداء عليهم بعنف. قبل نحو ساعتين من الاعتداء على أبو مريمي، تحدث شقيقان من القرية بـأنهما تصادما مع رجال الشرطة هؤلاء. في القرية قالوا بـأن اعتداءات أخرى حدثت في الأشهر الأخيرة منذ وضعت هذه الوحدة في الدورية التي تتجول حول بئر هداج، لكن المعتدى عليهم يخافون من التحدث.
“سافرت بالسيارة في الشارع بعد الساعة الرابعة بقليل، كانت ابنتي بجانبي في مقعد الأمان”، قال أبو مريمي، وهو صاحب ثلاثة محلات لبيع أغراض التخييم. “ظهرت أمامنا 4 سيارات جيب، سيارات عسكرية، اثنان قطعا فجأة الشارع. حتى قبل نزولهما من السيارات، ظهر نصف نصف جسد أحدهما في الخارج فيما سلاحه مصوب نحوي. بعد ذلك، نزل بعضهم من السيارات. أعتقد أنهم كانوا نحو 20، وفي كل سيارة 5. تقدموا مني، فقلت لهم بـأن ابنتي الطفلة داخل السيارة، ولا أريدها أن تخاف، لكن هذا لم يهمهم. أمسك أحدهم بعنقي في الوقت الذي كنت ما زلت أضع فيه حزام الأمان داخل السيارة، وآخر بدأ بلكمي.
“شخص آخر دخل من جهة الطفلة وقفز عنها. كانت الطفلة تصرخ تحته، وأنا أصرخ: “الطفلة، الطفلة، احذر”، لكن هذا لم يهمه. أطفأ أحدهم محرك السيارة، وكانت الطفلة تصرخ، نزلوني من السيارة، ورموني على الشارع وهم يصرخون ويشتموني. كنت ملقى على الشارع 3 – 4 دقائق، جميعهم جاءوا وضربوني. في النهاية، صرخ واحد وطلب إحضار الأصفاد، وقيدوا يدي من الخلف. رموني ووجهي نحو الأرض، وحاولت رفع رأسي. عندها، جروني من الأصفاد كي أقف، وكان هذا مؤلماً جداً”، حسب أقوال أبو مريمي الذي أنهى اللقاء مع الشرطة بنزيف في العين اليسرى وكدمات في كل جسدي. ملثمون رموه على جانب الشارع، وجلس أحدهم فوقه وركبته على صدره، وقام بين حين وآخر بلكمه وركله. “على كل شيء قلته، كان يجيبني: “اسكت، ابن زانية”، ويضربني. جاء ضابط إلى المكان وسألته: لماذا تعتقلونني. أجابني: “بسبب الاعتداء على رجال الشرطة”. قلت: “واو. يوجد هنا نحو 20 شخصاً وأنا هاجمتهم”.
بعد 10دقائق على الحادث، قال أبو مريمي: جاءت سيارة شرطة إلى المكان، وسأل أحد رجال الشرطة عما حدث، “لكن الملثمين لم يلتفتوا إليه”. تقدم مني الشرطي وسألني من أكون. تحدث بالهاتف وحاول إحضار أحد لأخذ الطفلة. بعد ذلك، جاء مفتش من سلطة أراضي إسرائيل، كنت أعرفه، وتحدث مع الملثمين، ولكنهم لم يستمعوا إليه أيضاً. شاهدني أنزف وأحضر لي الماء. كانت الطفلة طوال الوقت في السيارة. فتح المفتش باب السيارة من جهة الطفلة، وبعد دقائق سمحوا لي بالدخول إليها. قبّلت طفلتي، وقلت لها إن كل شيء على ما يرام، في الوقت الذي كانت فيه يداي مكبلتين إلى الخلف.
قال أبو مريمي إنه منذ اللحظة التي وصل فيها رجال الشرطة والمفتش إلى المكان، توقفت المضايقة الجسدية. ولكنه تم احتجازه نحو ساعة، بعد ذلك أطلق سراحه وسافر مع ابنته لإجراء الفحص. “كان رجال الشرطة الزرقاء على ما يرام، لقد آلمهم ما حدث، وكذا المفتش، لكن السيطرة كانت للملثمين”، قال. حسب قوله، بعد يوم على الحادث، رفضت الطفلة الذهاب إلى الروضة. “لم ترغب في ركوب السيارة أو الكرسي المتحرك. كانت تبكي وبحق”، قال. في اليوم التالي، قدم أبو مريمي شكوى في قسم التحقيقات مع رجال الشرطة.
جاء الرد من شرطة إسرائيل بـأن “جنود وحدة المستعربين التابعة لحرس الحدود عملوا لبضع ساعات في منطقة “تسالم”، نفذت القوات اعتقال مشبوهين قرب شارع 222. موضوع الشكوى، الذي كان يسافر في سيارته في ذاك الوقت على الشارع والتقى جنوداً أثناء تنفيذ الاعتقال، طلب منه ترك المحور، ولكنه رفض. وتسبب في الإزعاج والتشويش على نشاطاتهم في المكان. عندما طلب منه تعريف نفسه، شتم الجنود ورفض فتح باب السيارة. وعندما أنزل من السيارة، هاجم عدداً من الجنود. وبناء على ذلك، اعتقل. في نهاية النشاط، وحسب قرار قائد القوة، تم إطلاق سراحه في المكان، ولم يؤخذ إلى التحقيق، مع الأخذ في الحسبـان أنه سافر مع طفلة في ذلك الوقت ولم ينجح -حسب قوله- في العثور على أقارب يساعدونهم لأخذهم من المكان”.
نفى أبو مريمي بشدة ادعاءات الشرطة التي بحسبها رفض ترك الشارع وأزعج النشاطات وشتم رجال الشرطة أو هاجمهم وأضاف: “في الأشهر الأخيرة، يأتي رجال الشرطة إلى بئر هداج، وببساطة يضربون من يريدون. كثيراً ما يرونهم مقنعين. عندما طلبت منهم الكشف عن أنفسهم، لم يوافقوا”. أبو مريمي نفسه يشارك في منتدى لسكان القرية الذي يحاول تعزيز الثقة بين السكان والشرطة وزيادة عدد البدو الذين يتجندون في الجيش الإسرائيلي. في هذه الأثناء، أصبح التوجه معاكساً.
الركل بقوة
قال أبو مريمي إنه في الوقت الذي هوجم فيه، شاهد في إحدى سيارات الشرطة أحد سكان القرية، الذي ظهر أنه قد أصيب بالكدمات، كان هذا كريم أبو جليدان، الذي كان في السيارة مع شقيقه أ. الذي طلب عدم ذكر اسمه. بعد أن هاجمهما رجال الشرطة، حسب قولهما، قبل فترة قصيرة من ذلك. حسب أقوال كريم (29 سنة) فإن الاعتداء عليهما حدث في الساعة الثانية. “كنا نتجول في المنطقة، وفجأة شاهدت سيارة “تندر” من نوع “ميتسوبيشي” فيها أربعة ملثمين، سمعت عنهم في السابق؛ الناس يهربون منهم لأنهم يتصرفون بعنف، فلو لم يكن لديك شيء، يضربونك ويحطمون السيارة”، قال.
حسب قول أبو جليدان، عندما شاهد سيارة “التندر”، رجع إلى الوراء وسار في طريق جانبية، لكنه لم ينجح في الابتعاد، وتصادم مع جيب و”تندر” آخر للمستعربين، الذين طلبوا منه التوقف. “سيارة توقفت بجانبي، وجه أحدهم مسدسه نحوي وطلب مني التوقف والنزول من السيارة. نزلنا أنا وأخي بسرعة”، قال. “قاموا بإلقائي على الأرض، وشخص رفع أخي في الهواء وبدأ يضربه. بعد ذلك، أجلسوه، ولأنه سأل الأسئلة، بدأوا بركله. فتشوا السيارة ولم يجدوا شيئاً. ولكن بعد مكالمة هاتفية، قرروا اعتقالنا”.
عن أقوال الأخوين، أبو جليدان، قالوا في الشرطة بـأن “الحديث يدور عن مشتبه فيهم كانوا يتجولون في سيارتهم في عمق منطقة تدريب لقاعدة “تسالم”، التي يُمنع الدخول إليها حسب أمر ولافتة وضعت في المكان. هذا في الوقت الذي كان فيه عشرات الجنود يتدربون في المنطقة بالنيران الحية. المشتبه فيهما هربا بشكل غير قانوني من القوة، التي كانت في ذلك الوقت ترتدي الزي العسكري ومعها سيارة للشرطة. بهربهم، عرضوا حياتهم للخطر، وأيضاً حياة الجنود الذين يتدربون في المكان.
“سيارة المشتبه فيهما تضررت أثناء الهرب، حيث سافرا بسرعة كبيرة. ونشير إلى أن جنود وحدة المستعربين يعملون يومياً في المنطقة لتعزيز النظام واجتثاث ظاهرة السرقة من قواعد الجيش الإسرائيلي”.
سينفجر هذا في النهاية
بئر هداج قرية معترف بها، ولكن حدودها تتجاوز حدود البلدية في المخطط الرسمي بسبب عدم الاتفاق بين السكان والدولة على تخطيط القرية والقسائم. أقيم جزء من البيوت على أطراف القرية داخل منطقة التدريب. ومؤخراً، اعتاد شباب القرية على التنزه في منطقة التدريب القريبة، التي لا يستخدمونها للتدريب بالنار الحية على الأقل منذ إقامة القرية في 1993.
احداث الأشهر الأخيرة أوقفت هذه الهواية لكثيرين منهم وحتى الخروج إلى المرعى. وفي الشارع أيضاً باتجاه منطقة البشور، الذي يمر في “تسالم”، قل عدد المسافرين. قال سكان بئر هداج بـأن الحادثتين الأخيرتين الأربعاء الماضي غير استثنائيتين. حسب أقوالهم، تعود المستعربون في الأشهر الأخيرة على اعتقال سائقين أبرياء من أبناء القرية والتنكيل بهم. ولكن يفضل معظمهم عدم تقديم شكوى. في أعقاب هذه الظاهرة التي ازدادت في الأشهر الأخيرة، تجنب السكان السفر غير الضروري في محيط القرية، خصوصاً في منطقة التدريب القريبة منها، وأيضاً في شارع 222 الذي يؤدي إلى “تسالم”. وحدة المستعربين التابعة لحرس الحدود في الجنوب تعمل في المنطقة بشكل متزايد منذ نصف سنة، بهدف منع سرقة السلاح، بداية في مناطق التدريب القريبة من القاعدة، وفي الأشهر الأخيرة في دورية دائمة حول بئر هداج.
حسب أقوال بعض السكان الذين تحدثوا مع “هآرتس”، يمكن للمستعربين قطع طريقهم فإنه في أي لحظة. “إذا عرفوا أنك عربي، يشيرون لك بالتوقف ويعتدون عليك”، قال أحد سكان القرية. “إما أن تهرب أو تتعرض للضرب”، قال شخص آخر من سكان القرية. لا يسمحون لك بالتحدث، يتقدمون منك ويبدأون بضربك”.
في الشهر الماضي، نشرت الصحيفة مادة عن مهاجمة أبناء عم من عائلة الواج. أبناء عم قالوا إن ثمانية أشخاص يرتدون الزي العسكري أوقفوهم وهم يسافرون في سيارتهم قرب القرية، بعد ذلك اعتدوا عليهم بعنف، وقاموا بتخريب السيارة والأغراض التي كانت فيها. في قسم المتحدث بلسان الجيش، قالوا إن القوة التي قامت بمهاجمتهم هي قوة مختلطة من الجنود ورجال الشرطة. وقالوا إن قسم التحقيق مع رجال الشرطة بدأ بالتحقيق المشترك مع قسم التحقيق مع الجنود، الذي سيتم في نهايته نقل النتائج المتعلقة بتورط جنود في هذه الحالة لفحص النيابة العسكرية العامة.
بقلم: ناتي ييفت
هآرتس 21/12/2022