‘كان متسللا. فقد دخل الى هنا بخلاف القانون ولهذا أُرسل الى ‘منشأة احتجاز’. ولم يُعترف بأنه لاجيء ولهذا كان يجوز طرده الى دولة ثالثة كما عاملوه حقا. لم تكن قد نشبت (حتى ذلك الحين) في بلده أية حرب. ولم يُر (حتى ذلك الحين) في ظاهر الامر أي خطر مباشر على حياته ولهذا لم يكن يُعد فاراً من السيف. وقد جاء الى هنا عن طريق دولة ثانية (وثالثة ورابعة) وأحل ذلك طرده. تسلل الى هنا ايضا وحده وكان رجلا شابا دون أبناء عائلته وهذا برهان ساطع على أنه لم يكن لاجئا. يمكن أن يُقال فيه في واقع الامر إنه تسلل الى هنا كي يُحسن ظروف عيشه بل ربما كان مهاجر عمل لأنهم أقالوه في وطنه. هذا الشخص هو أبي. فلولا أنه كان يهوديا، ولو أن المتسلل الدكتور هاين ليفي جاء الى الدولة تحت حكم بنيامين نتنياهو وجدعون ساعر لانتظره مصير يشبه مصير طالبي اللجوء من افريقيا. وكان أصله اليهودي فقط هو الذي يحميه هنا. كان يهوديا لكنه لم يثبت في حينه لأي معيار من معايير دولة اسرائيل اليوم للاعتراف باللاجيء. صحيح أنه كان يهوديا لكن الالتزام الاخلاقي لانقاذ اللاجئين لا يمكن أن يقوم على انتقاء عرقي أو عنصري. في ربيع 1939 ودع أبي الى الأبد والديه وخطيبته في محطة قطار براغ وخرج في مغامرته الى فلسطين. وكانت سماء اوروبا قد بدأت تتلبد بالغيوم آنذاك ولم يكن أحد يستطيع أن يتنبأ بما سيحدث بعد ذلك، والموظفون البريطانيون الذين طردوه عملوا بحسب القانون والكتاب كما يعمل الآن موظفو ادارة السكان والهجرة عندنا. لم يكن أبي يملك شهادة ولهذا اعتبر متسللا وكان يشبهه في ذلك نحو من 84 ألف ‘متسلل’ جاءوا الى هنا في مشروع شهد اسمه بصورة ظاهرة على عدم قانونيته: ‘الهجرة غير الشرعية’، الهجرة الثانية. لم يكن في محاولة أبي الدخول الى اسرائيل أي عمل بطولي، بل حاول أن يفر الى بلد أكثر أمنا لأنه شعر بأن حياته في خطر. ومثله الافارقة. وقد زُعزع والدي أشهرا في البر والبحر وأغلقت عدة دول أبوابها في وجهه وكانت سواحل فلسطين ايضا مغلقة فطُرد الى معسكر اعتقال في بيروت. وحينما نجح في التسلل الى هنا أُرسل أكثر رفاقه في رحلة سفن محاولي الدخول الى معسكر اعتقال في الصرفند التي هي تسرفين اليوم. ولا أعلم أكان ذلك موقعا مفتوحا أم مغلقا لكنني أعلم أنهم كانوا متسللين لأن حبسهم كان بحسب القانون الذي كان سائدا في البلاد. لست قادرا على ألا أفكر في عذاب أبي وعشرات آلاف اليهود الآخرين في الوقت الذي أفكر فيه في طالبي اللجوء من افريقيا. إن مصير هاين من اقليم السوديت لا يختلف كثيرا عن مصير احمد من اقليم دارفور. فر أبي الى هنا لأنه اعتقد أنه يمكن الفرار الى هنا، وفر عدد من اصدقائه الى دول اخرى. ولولا أن أبي شعر بالخطر القريب لبقي في وطنه. فقد كان الفرق بين هاين واحمد في هذه المرحلة قبل المحرقة عرقيا فقط، فكان هاين يهوديا واحمد سوداني (أو اريتيري). فر كلاهما من بلده لأنه شعر بتهديد حياته وحريته. وكلاهما متسلل بحسب القانون. إن الدول التي أغلقت ابوابها في وجه أبي وفي وجه مئات آلاف اليهود حكم عليها الضحايا بالعار الأبدي. وتسلك سلوكها الآن دولة اللاجئين والمتسللين اليهود، أي اسرائيل. مما لا يُصدق أن الذرائع التي تثار اعتراضا على استيعاب الافارقة هي بالضبط الذرائع نفسها التي استعملها مغلقو الابواب في وجوه اللاجئين اليهود وهي نفس الحفاظ على القانون المنافق وإن يكن بلا اخلاق، ونفس التخويف من ‘طوفان’ مهاجرين يُحل مفسدة اغلاق الابواب. كان ذلك المتسلل أبي وكان مصيره حسنا هنا لأنه كان يهوديا. ‘ هآرتس 16/1/2014