لندن ـ “القدس العربي” ـ إبراهيم درويش:
كانت الطائفة العلوية المصدر الرئيسي لدعم نظام بشار الأسد طوال الحرب الأهلية التي دخلت عامها السابع. ويعتقد سام داغر، مؤلف كتاب عن الحرب في سوريا سيصدر قريباً في مقال نشرته مجلة “أتلانتك” أن الكثيرين تساءلوا عن السبب الذي يدفع النظام السوري الذي سيطر على معظم الغوطة الشرقية لاستخدام السلاح الكيميائي في منطقة كاد يسيطر عليها بالكامل. وهو ما أدى للوضع الحالي الذي تهدد فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها بمعاقبة نظام الأسد وداعميه من الروس والإيرانيين. وقال داغر إن هناك نظريات عدة تم تحليلها بشأن قرار النظام استخدام السلاح الكيميائي وهو يعرف النتائج المترتبة على ذلك. فهناك من اعتقد أن الهدف هو إرهاب السكان وإخضاعهم وكذا تحدي الغرب العاجز. إلا أن هناك عاملاً آخر لم يلتفت إليه الكثير من المحللين للضغط الذي واجه النظام من الطائفة العلوية، حيث اعتقد أبناؤها ان جيش الإسلام في بلدة دوما احتجز 7500 علوي رهينة داخلها وحولها بمن فيهم جنرالات وجنود ومدنيون اختطفهم خلال السنوات الماضية على أمل الحصول على تنازلات من النظام.
حماية النظام
ولا يشكل العلويون إلا نسبة قليلة من مجمل عدد السكان في سوريا إلا أنهم يسيطرون على مواقف قيادية بارزة في النظام ويتسيدون الشرطة ويقدمون الجزء الأكبر من الجنود الذين يدافعون عن النظام منذ عام 2011. وفقدت الكثير من العائلات أبناءها الذين لا يستطيع الأسد تحريرهم وفي وقت يطالبهم بالمزيد من المقاتلين. ويضيف الكاتب أن قدرة الأسد على تحريرهم مهمة لشرعيته وسط العلويين وهي حقيقة يعترف بها رعاته الروس والإيرانيون. وقال الأسد في لقاء عائلات علوية يوم الثلاثاء: ” لن نتخلى عن المفقودين أو المختطفين وسنفعل ما بوسعنا لتحريرهم وإعادتهم أحياء”.
ويعلق داغر بأن تضامن الأسد مع أبناء طائفته أهم من تداعيات استخدام الأسلحة الكيميائية. وبناء على سجل الغرب المتفاوت في الرد على هجمات مماثلة وتصميم حلفائه على حمايته واستعداده لعمل أي مذبحة أو الكذب يشير إلى منطق في الوحشية التي يمارسها الأسد. فنظامه بني لكي يستمر خاصة مع التشوش الذي سيحدث مع أي شيء يقوم الأمريكيون بعمله. وفي الأحداث التي قادت لهجوم دوما الكيميائي فقد بدا أن الأسد بحاجة إلى إظهار استعداده لعمل أي شيء لكي يحرر السجناء: “فهذا ديكتاتور يعرف بالحدس كيف ستنهار الأمور لو قرر العلويون التحرك ضده”. ويقول الكاتب إنه تحدث خلال الحرب مع الكثير من العلويين الذين قالوا إنهم ضحوا بكل شيء من أجل حماية النظام الذي يحكم منذ خمسة عقود تقريباً.
وقد تأثرت كل عائلة في غربي سوريا بالحرب والتي يقول قادة الطائفة إنها لم تكن عن حماية الأسد بقدر ما هي حماية نفسها. خاصة أن رواية النظام تقوم على فكرة رغبة الغالبية السنية التي نبعت منها الثورة بسحق العلويين. ومع بداية الإنشقاقات والهروب من الجيش سارع العلويون للانضمام إلى الميليشيات الطائفية التي أنشأها النظام الذي كان دائماً مهتماً بالميليشيات الإيرانية بما فيها حزب الله والذين تدفقوا نحو ساحة المعركة لإنقاذه. إلا أن الحملة الأخيرة في الغوطة الشرقية والتي استمرت لشهرين من القصف وسياسة الأرض المحروقة قام بها الروس ستغير كل شيء خاصة أن الميليشيات المدعومة من إيران جلست في المقعد الخلفي. وطالب العلويون نظام الأسد باستخدام اقصى الأساليب ضد المعارضة من أجل الإفراج عن السجناء العلويين.
“أخبار زائفة”
وقام الروس خلال الشهر الماضي بالتفاوض مع المقاتلين في الغوطة الشرقية وتوفير ممر آمن لهم للخروج إلى إدلب. وراقب العلويون المفاوضات بانتظار الإفراج عن أقاربهم الذين يحتجزهم جيش الإسلام. وعندما فشلت المفاوضات الروسية مع هذا الفصيل قرر الأسد أن ساعة الحسم قد حانت. ففي يوم الجمعة بدأ القصف على دوما حيث أصدر إنذاراً نهائياً: الموت والدمار أو الإفراج عن العلويين. ثم جاء هجوم السبت الذي يعتقد انه اشتمل على استخدام مزيج من الغازات السامة والكلور. وعاد جيش الإسلام للتفاوض على شروط الإستسلام حيث كان مصير العلويين والمفقودين منهم على قائمة المفاوضات. وهو ما منح العلويين حالة من الرضى المؤقتة. ويقول داغر إن عائلات العلويين تدفقت على دمشق من غربي البلاد متوقعة مقابلة أبنائها المحتجزين، ولم يخرج من دوما سوى 200 علوي. وقالوا إن الرقم 7500 كان عبارة عن “أخبار زائفة” من أجل ابتزاز العائلات لدفع فدية. وفي لحظة نادرة قررت العائلات تنظيم مظاهرة مرتجلة وساروا نحو السفارة الروسية في دمشق والتي تحولت لنقطة انتظار. وقام الأمن السوري بتطويق المكان وأرسل الإعلام الرسمي لتهدئة الناس والسماح لهم بالتنفيس عن غضبهم. ولم يسمح للصحافة الأخرى ومنها المستقلة. ونقل الكاتب صراخ إمراة قالت “اشتريت لابني بنطالاً جديداً كي يلبسه بعد تحريره” وأضافت “كنت أثق بك (الإعلام الرسمي) ولكن ليس الآن”. واعترف صحافي علوي بإمكانية وجود آلاف من العلويين المفقودين. ويقول الكاتب إن العلويين قرروا مغادرة مكانهم بحلول الظلام بدون أن تخف حدة غضبهم، وقالت والدة مفقود: “ضباط النظام أولاد حرام، والإعلام إبن حرام ولم يقل الحقيقة، نريد معرفة مصير أولادنا، بكم باعوهم”.
ويقول داغر إنه سمع مثل هذا خلال رحلة له في ريف حماة واللاذقية عام 2014 حيث قالت أمهات وزوجات أنهن يعرفن باختطاف جيش الإسلام لأبنائهن وأزواجهن في دوما ويردن من النظام تحريرهم. وقلن إن الأسد منشغل بتحسين صورته كرئيس لكل السوريين وليس الطائفة العلوية. ونقل عن محمد جابر، الذي قاد مرة ميليشيا تابعة لشقيق الأسد، ماهر إن الرئيس ليس حاسماً مثل والده الذي سحق المعارضة في حماة عام 1982. وقال جابر له إن على الأسد “إبادة” المعارضة وعائلاتها في المناطق حول دمشق مثل الغوطة الشرقية. وكان هذا قبل الهجوم الكيميائي الأول عام 2013 وقتل فيه 1.400 شخص. ورغم استعادة النظام الكثير من المناطق التي سيطرت عليها المعارضة بداية الثورة إلا أنها قوت الميليشيات وامراء الحرب العلويين والذين باتوا يطالبون الأسد باتخاذ موقف حازم. وهو بحاجة لهذه الميليشيات ويعرف أن صدعاً معهم قد يكلفه السلطة في المناطق التي يسيطرعليها وبدعم كامل من الروس والإيرانيين. لكن الأسد يرى أن الحرب أكبر من سوريا كما قال للجنود في الغوطة الشرقية “أنتم تقاتلون حرب العالم في المعركة الدولية وبكل رصاصة تطلقونها على الإرهابيين تقومون بتغيير ميزان القوة وكل متر يقطعه سائق الدبابة فإنه يغير الخريطة الجيوسياسة العالمية”. وماذا يعني كل هذا للعلويين؟ ومن المفارقة ان الحرب التي مضى عليها سبعة أعوام وقتل فيها أكثر من نصف مليون شخص وشرد الملايين وجرت العديد من القوى الدولية للساحة السورية، فالخطر الذي يواجه الأسد ليس من هذه ولكن من طائفته.
لا أعتقد ان العلويين سيتخلوا عن الاسد مهما حصل، ثانيا هذا العدد 7500 كبير جدا ومبالغ فيه حيث أنه من الصعب على جيش الاسلام أن يحتفظ بهذا العدد في منطقة ضيقة، كما أن اطعامهم وحراستهم ليس بالشيء السهل. الحرب في ظاهرها طائفية، فما الذي يأتي بالشيعة الافغان الذين كانوا يناصروا الامريكان في افغانستان لكي يصبحوا ممناعة في سوريا، الشيء نفسه ينطبق على شيعة العراق وباكستان. المدن التي دمرت في سوريا او العراق كلها سنية، هذا ما تراه اعين الناس الذين لا ينظرون الى خبايا الامور.