أثر الغمزة لا يزول…

حجم الخط
12

-أنا أيضاً أرفض العنف يا سيادة القاضي، وخصوصاً ضد الحيوانات البريئة، يوجد حول بيتي ست قطط تعيش بوئام وسلام، منها الأبيض والأسود والبني والبرتقالي والمنمّر والأعور والأعرج والأزعر، ولكنها غير مؤذية، ولا تهدّد أحداً، أنا لست ضد الكلاب، في حارتنا كلاب كثيرة، ولكنها مهذّبة، يشعر الأطفال إلى جانبها بالأمان، وبعضهم يلاعبها.
– لكنك حاولت قتل كلب السيّد زكريا!
– لم أحاول قتله، فقط حاولتُ ردعه، كل ما فعلته هو أنني رفعت في وجهه حجراً صغيراً لأخيفه، لأنه بات يهدّد أبناء أسرتي، إنه شرس وعدواني ليس كبقية الكلاب.
القاضي- كان عليك أن تتقدم بشكوى إلى الشرطة، فالقانون ليس سائباً، ألا تعترف بالقانون؟!
– بل أعترف، ولهذا ذهبت وشكوت تصرفات زكريا وكلبه أكثر من مرة لدى الشرطة، ولكنهم قالوا إنهم لا يستطيعون التدخل بدون إثباتات بأن الكلب آذى أحداً بالفعل، النّباح والتهديد لا يعني شيئاً، قالوا لي حرفياً، لا تأت إلا إذا عضّ أحد أبناء أسرتك، فالقانون لا يمنع كلباً من النباح.
-هل حاولت التفاهم مع السيد زكريا؟
-طبعاً حاولت، لم أبق واسطة خير إلا وأرسلتها وتَدخَّلت، ولكنه كان دائماً يجيب بأن كلامي غير صحيح، وبأنني أخشى من الكلاب، وهذا ليس ذنبه.
القاضي-ولكن لماذا تعتقد أن زكريا يريد مضايقتك؟
-سيدي القاضي، هناك سبب تافه، ولكن لا أعتقد أنه السبب الحقيقي بالفعل، وكان عليّ أن أعلّم كلبه درساً، ورغم ذلك ما زلت أطمح حتى هذه اللحظة بأن أعيش إلى جانبه بسلام، أن لا أتدخل بشأنه، ولا يتدخل بأمري، في إحدى المرات مزق كلبه طرف ثوب زوجتي، وكادت تفقد رشدها، وأولادي صاروا يخشون الخروج من البيت إلا بمرافقتي، وحتى ضيوفي اختفوا، لم يعد يزورني في بيتي سوى قلة قليلة نادرة من المضطرين، فهو أو كلبه في الطريق، وكلاهما شرير.
-ماذا تقول يا سيد زكريا؟ لماذا تفعل كل هذا أنت وكلبك لجارك السيد فايق؟
-سيدي القاضي، إنه يخاف من الكلاب، وهذا ليس ذنبي، وهو ليس الوحيد بهذا، هناك أناس كثيرون يخافون من الكلاب، وأنا أعامله مثل أي إنسان آخر في الحي، ولكنني لست صديقه، ولن يمنعني من ممارسة هوايتي وحياتي العادية مثل أي إنسان آخر باقتناء كلب، نحن في نظام ديمقراطي، لسنا في دكتاتورية تحرمنا مما نحبّه أو تفرض علينا ما لا نحبه، وأنا أحب الحيوانات، وهذا الكلب الذي اعتدى جاري رايق عليه، يريحني ويساعدني ويسلّيني، وهناك دراسات تقول إن الكلاب في البيت تنمي ذكاء ومشاعر الصغار والكبار، وقد أحضرت إحداها كي تراها بعينيك.
– ماذا تقول بكلام جارك هذا يا سيد فايق؟
– أقول إن النوايا السيئة ظهرت جلية، ليس من قبل الكلب وحسب، بل منه أيضاً، فهو لا يمرر ليلة إلا ويطلق النار في الحي، فيزعج النائمين ويرعبهم، والشرطة تلقت شكاوى ضدّه، ولكنها لم تفعل شيئاً حقيقياً لردعه، يقول الناس إنها متواطئة مع أمثاله على حالة الفوضى والعنف والسموم، ومع ظاهرة الكلاب الشرسة…
-ولكن لماذا؟ أين المنطق في هذا؟ فهدف الشرطة تحقيق النظام..
-لقد همس زكريا لأحد الوسطاء بأنه مستعد لشراء بيتي!
-أتاجر عقارات زكريا أم ماذا؟
-لا، إنه لا يملك شروى نقير، إنه سمسار فقط، يريد شراء بيتي لصالح جهة خفيّة، لهذا السبب يتفهم مدير مركز الشرطة تصرّفاته، وبغض الطرف عن سلاحه غير المرخص، مرة واحدة زعموا أنهم أوقفوه بشبهة حيازة سلاح غير مرخص، ولكنه خرج بعد ساعات، وأطلق النار في الليلة نفسها على مصابيح سيارتي وعلى نافذة بيتي، يومها قال لي ضابط الشرطة: لماذا لا تبيع بيتك وتبحث لك عن مكان هادئ غيره؟ الضابط أيضاً معني بأن أبيع بيتي، السمسار وتاجر السلاح والمخدرات والشرطة يكمل بعضهم بعضاً، هناك جهة خفية تركته يحوّل حياة الناس إلى جحيم، وليس حياتي أنا فقط، بل الحي كله، بصراحة أنا غير راض عن موقع سكني، ولكن ليس لديّ مكان آخر أذهب إليه، ولا في نيتي أن أرحل، لا في داخل البلاد ولا إلى خارجها، وخصوصاً بعد تنامي موجة العداء للأجانب في بلاد الغرب، ليس لي سوى هذه الحفرة أعيش وأدفن فيها، ولن أتركها يا حضرة القاضي.
القاضي: لقد قلت قبل قليل إن هناك سبباً تافهاً لتعامل زكريا معك بهذا العداء!
-إنه سبب تافه وليس له علاقة بأعماله، فعداؤه ليس لي وحدي، الجميع يتذمرون منه..
-ولكن ما هو هذا السبب الذي تقول إنه تافه؟
-إنه تافه يا سيدي ولا داعي لذكره.
-بل ما هو هذا الأمر التافه!
لا لن أقول للقاضي، وبقيت صامتاً، لن أعترف أمامه، فقد يقتلني زكريا هذه المرة إذا بحت بذلك السر الذي لا يعرفه سوى أنا وهو وزوجته.
لا، لا تذهبوا بعيداً في سوء ظنكم، القصة وما فيها أنه رآني أغمز زوجته وأبتسم لها، في الحقيقة لم أقصدها، كان هذا قبل سنوات في حفل زفاف أحد أقربائه، ظننتُها سيدة أخرى بسبب كثافة الماكياج على وجهها، غمزتها وابتسمت لها فابتسمت لي، وحينئذ عرفت أنني أخطأت، فهي ليست السيدة التي أعرفها، ولكن فوجئت به يراقب عن كثب ويهز برأسه متوعداً، ومن لحظتها ساءت علاقته بها، وبي، ثم صرت أسمع أنه يتعاطى السموم، ولسبب ما تسلّح، وصار يطلق النار في الليالي، ثم اقتنى كلباً شرساً، ثم تدهورت حاله وأصبح سمساراً لصالح جهات خفية.
تساءل القاضي: ألا تريد أن تعترف ما هو هذا الأمر التافه؟
-قلت لحضرتك بأنه أمر تافه ولا يستحق…
– حسناً، يبدو أن هناك قضية خطيرة، فلماذا لا تفكر ببيع منزلك والرحيل من ذلك المكان؟!

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول رسيله:

    ( التكمله) الا انه خلال الوصول لتلك المرحلة تدفع البشرية ثمنا باهظا من الممكن ان يقضى على ما خلفته ورائها من حضارة ، السياسة انها تلك اللعنة التى تجعل الصديق عدوا و اللص أمين على خزائن الارض ، فهى دهاء الكلمة و سحر التعبير فهى التى تجعل من الحر عبدا و التى و ان وقعت بأيد أمينة حررت العبيد و أطعمتهم من رحيق الحرية، الجنس وهو التابوه الاكثر أهتماما من بني البشر بل انه عند البعض يتحول لهوس خالقا بذلك كوارث بشرية و هى اكثر ما يواجهه المجتمع الان كالتحرش و الاغتصاب و لاسيما ان الانثى هى دائما الضحية .
    كاتبنا رائع جدا ما كتبت فأنت ذكي لماح استطعت أن تثري عملك باعتمادك على الرمزية، فحولت كل مفردات العمل إلى “حمالة أوجه” تحمل وجهًا ظاهرًا للجميع، وآخر أعمق لا يدركه إلا
    القاريء المتذوق الجيد فمنحت النص تعددا في المستويات، حقا تليق بك القمم.

  2. يقول Nazek Dhamra:

    شكرا سهيل كيوان، ، قصتك أشغلتنا، وخلتنا ندخل في الموضوع بتفكير ورمزية القصة والأحداث، وتسلسل القهر، تحيات مباركات، أعانك الله على صبرك اثناء كتابة القصة، فكيف لو عاشها شخصا ما فعلا؟؟ هل سيستمع لنصيحة ا لقاضي الأخيرة؟ ونتذكر المثل القديم والتراثي القائل، إذا كان القاضي غريمك، فلمن تشكو أمرك؟؟ تحية محبة على أمل ان نقرأ المزيد لك، او روايتك على الأقل، او نلتقي، سلام من هالعجوز الثمانيني فلسطيني الأصل مقيم في أمريكا روائي وقاص

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية