كانت الحرب في اليمن ولا تزال جزءاً من التجاذبات السياسية داخل الولايات المتحدة الأمريكية منذ بدء عمليات قوات التحالف العربي الداعم للحكومة الشرعية في البلاد في اذار/مارس 2015.
غير أن هذه التجاذبات زادت حدة في الفترة الأخيرة، وتصاعدت خلال فترة الصراع الانتخابي على مقاعد الكونغرس الأمريكي بين الجمهوريين والديمقراطيين.
وقبل أيام في مؤتمر أمني في العاصمة البحرينية المنامة دعا وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس إلى وقف العمليات العسكرية في اليمن، بوقف إطلاق الصواريخ البالستية التي تطلقها جماعة الحوثي على السعودية، ووقف ضربات طيران التحالف في اليمن، ثم الذهاب إلى حل سياسي، يمكن أن يكون على أساس إعطاء الحوثيين “حكماً ذاتياً” في المناطق التي يسيطرون عليها، الأمر الذي أغضب الكثير من المكونات السياسية التي ترفض تقسيم اليمن إلى مناطق حكم ذاتي، والتي ترى أن الحل يجب أن يكون على أساس القرارات الدولية ذات الصِّلة بالصراع في اليمن.
وعلى الرغم من أن تصريحات ماتيس يمكن أن تفهم على أساس أنها تصب في صالح الحوثيين، إلا أن الكثير من قياداتهم رفضت تلك التصريحات، بحجة أنه ليس في اليمن إثنيات مختلفة تبرر الدعوة إلى إنشاء مناطق حكم ذاتي في البلاد.
وقد فهمت تصريحات ماتيس، وبعدها تصريحات مايك بومبيو وزير الخارجية التي دعا فيها إلى وقف العمليات العسكرية خلال 30 يوماً ثم الذهاب إلى طاولة المحادثات، التي أعقبت دعوات للمبعوث الدولي لليمن، كل تلك التصريحات الأمريكية فهمت في إطار استجابة الإدارة الجمهورية للضغوط التي مارسها الديمقراطيون والتي مثلت استغلالاً للوضع الإنساني في البلاد للنيل من سمعة الجمهوريين أثناء فترة الدعاية الانتخابية لمرشحي المجلسين النيابيين في الكونغرس: النواب والشيوخ.
وعلى الرغم من أن الناخب الأمريكي لا يعير اهتماماً كبيراً للقضايا الخارجية، إلا أن القضية اليمنية كانت حاضرة داخل أروقة السجال بين الحزبين، رابطة بينها وبين مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي لتوجيه السهام إلى المملكة العربية السعودية، والتي تعني ضمناً نيل الديمقراطيين من خصومهم الجمهوريين، ومن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي ينظر إليها الديمقراطيون كداعمة لسياسات السعودية.
وبعد ظهور نتائج الانتخابات الأمريكية التي أسفرت عن كسر احتكار الجمهوريين لمجلسي الكونغرس، بانتزاع الديمقراطيين الفوز بمجلس النواب، ظهر جلياً أن سياسات الإدارة الجمهورية ستواجه صعوبة في المضي قدماً في سياساتها الخارجية، ومنها ما يخص الموقف من الحرب في اليمن.
سيجد الرئيس ترامب صعوبة وسيلجأ إلى التوافقات لتمرير القوانين والتشريعات والسياسات المختلفة، وسيضطر للمساومة مع الديمقراطيين على الرغم من أن الجمهوريين لا يزالون يحتفظون بسيطرتهم على مجلس الشيوخ، وهو ما يعني قدرتهم على تعطيل أي محاولة ديمقراطية لبدء إجراءات تمس مستقبل ترامب في البيت الأبيض خلال العامين القادمين.
وفِي المحصلة، يرى مراقبون أن إدارة ترامب ربما تسعى لتقديم تنازلات فيما يخص الموقف من الحرب في اليمن، إما بإيقاف الدعم الاستخباري واللوجستي الذي تقدمه واشنطن للتحالف العربي في اليمن، أو بالمزيد من الضغوط على الرياض لإيجاد تسوية قد لا تكون مرضية للتحالف والحكومة اليمنية.
وفجر السبت أعلن التحالف العربي استغناءه عن تزويد واشنطن لطائراته بالوقود في الجو أثناء الطلعات الجوية ضد مواقع الحوثيين في اليمن، وهي الخطوة التي ينظر إليها على أساس أنها جاءت بالتوافق مع واشنطن، لتجنب المزيد من الضغوط الديمقراطية على إدارة ترامب، بعد الانتخابات النصفية للكونغرس الأمريكي.
وقد ذكر التحالف في بيان رسمي أنه صار لدى التحالف قدرات ذاتية طورها للتزود بالوقود جواً، عوضاً عن الاعتماد على واشنطن في هذا الشأن.
وفِي المقابل، فعلى الرغم من التصريحات الأمريكية التي تبدو حازمة إزاء إنهاء الصراع في اليمن، شهدت العمليات العسكرية في الحديدة معارك وصفت بالأشرس منذ بدء عمليات طرد الحوثيين من تلك المدينة الساحلية المهمة.
ويرى مراقبون أن التصريحات الأمريكية الخاصة بضرورة توقف العمليات العسكرية، إنما جاءت في سياق السجالات الانتخابية لا أكثر، أو أن تلك التصريحات أدت إلى نتائج عكسية تماماً، حيث تفجر الصراع في الحديدة والبيضاء وصعدة والضالع، في محاولة من الأطراف المختلفة لتحقيق أكبر قدر من المكاسب العسكرية قبل موعد المحادثات، التي كان مقرراً لها أن تبدأ مطلع الشهر الجاري، قبل أن تؤكد الأمم المتحدة قبل يومين إلى أن تلك المحادثات يمكن أن تؤجل إلى نهاية العام الحالي.
وبعد ظهور نتائج الانتخابات النصفية وردت من واشنطن رسائل وتسريبات تقول أن الإدارة تدرس وضع الحوثيين على قوائم الإرهاب الأمريكية، وفِي اليوم التالي نشرت الواشنطن بوست مقالاً للقيادي في الجماعة محمد الحوثي، يطالب فيه بالسلام ويتهم الإدارة بعدم الجدية في دعم جهود السلام في اليمن، الأمر الذي يفهم في سياق الضغوط التي تواجهها إدارة ترامب ازاء موقفها من الحرب بين الحوثيين المدعومين من إيران والحكومة اليمنية المدعومة من التحالف العربي بقيادة السعودية.