من المنطقي جدا ألا يوافق أبو مازن على أن يكون شريكا فيما تقترحه حكومة اسرائيل من اتفاقات مرحلية أو جزئية أو ادارة للصراع، فأبو مازن يبحث عن تسوية عادلة نهائية وحل حقيقي للصراع يزعم شلومو افنيري في مقالته في صحيفة ‘هآرتس’ في 10/2 تحت عنوان ‘لن يوقع’ أن رئيس الوزراء السابق اهود اولمرت مصاب بقدر كبير من الوقاحة و/ أو الاستهانة بذكاء الجمهور، لأنه يزعم أن ما لم ينجح في احرازه في عشرات اللقاءات التي أجراها مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس يمكن احرازه في المستقبل. ويعترف افنيري بأن لاولمرت تجربة كبيرة بالمفاوضات وبرغم ذلك لم تساعد التجربة الزائدة التي كانت لمن كان رئيس الوزراء في مواجهة دهاء أبو مازن. فلم ينجح اولمرت في أن يلاحظ أن كل هدف غير الشريك الفلسطيني، كما يقول افنيري، ليس سوى أن يستخلص من اسرائيل تنازلات اخرى كي يضطر حكوماتها التالية الى بدء المحادثات من المكان الذي وقفت عنده، ‘مع شمل التنازلات الاسرائيلية التي ليس لها مواز في الجانب الفلسطيني’. ليت حكومة نتنياهو اضطرت الى بدء المحادثات من المكان الذي أنهاها اولمرت عنده. من المؤسف كثيرا أن الوسيط الامريكي متمسك بقاعدة أقرها ايهود باراك في محادثات كامب ديفيد وهي ‘لا شيء متفق عليه الى أن يتم الاتفاق على كل شيء’. فبنيامين نتنياهو فضلا عن أنه لم يضطر الى بدء التفاوض من المكان الذي وقف عنده اولمرت، وضع أمام أبو مازن مطالب جديدة وفي مقدمتها الاعتراف بأن اسرائيل دولة الشعب اليهودي. ولم يُشمل طلب السيادة الاسرائيلية الطويلة في غور الاردن هو ايضا في العرض الذي وضعه اولمرت أمام أبو مازن. وبرغم أن فكرة تبادل الاراضي ظهرت في سنة 2000 في مخطط كلينتون، كان المندوب الوحيد لحكومة نتنياهو الذي أثارها هو وزير الخارجية افيغدور ليبرمان بشرط أن يصاحبها سلب عرب اسرائيليين جنسيتهم. بل إن نتنياهو لم ‘يضطر’ الى احترام التزامات حكومة شارون (التي كان يتولى منصبا فيها) في اطار خريطة الطريق في 2003 وهو الالتزام بتجميد البناء في المستوطنات كليا (حتى لاجل الزيادة الطبيعية) واخلاء البؤر الاستيطانية التي أنشئت منذ آذار 2001 (وهي مادة لم تشتمل عليها التحفظات الاسرائيلية الـ 14). وبرغم أن عدد المستوطنين زاد منذ ذلك الحين من 200 ألف الى أكثر من 350 ألفا فان ‘الشريك في ابتزاز تنازلات من اسرائيل’ متمسك بالمسيرة السياسية ويرفض بشدة التخلي عن احتمال التسوية. يتجاهل افنيري أن أكبر تنازل فلسطيني تاريخي تم مع اعلان استقلال م.ت.ف في 1988. فقد تبنوا قرار مجلس الامن 242 الذي يتناول حدود 1967 وتخلوا بذلك عن 78 بالمئة من مساحة فلسطين الانتدابية. وتم التنازل الثاني في 2002 مع تبني مبادرة السلام العربية التي تعرض تسوية عادلة متفقا عليها (مع اسرائيل) لمشكلة اللاجئين على أساس قرار الجمعية العمومية للامم المتحدة 194 (يقول خبراء بالقانون حللوا هذا القرار إنه لا يمنح حق العودة نفاذا). وأعلن أبو مازن أنه يتخلى عن حقه في العودة الى بيته في صفد بل وافق على وجود طويل لقوة دولية في فلسطين. فأي ‘تنازلات موازية’ اخرى يتوقع افنيري منه؟. لن يوقع أبو مازن على اتفاق يعيره دولة إسمية فارغة من المضمون تشبه دول الرعاية في جنوب افريقيا. فلماذا يدفع عما حصلت عليه حماس بالمجان وهو آخر كومة تراب في قطاع غزة؟ ولن يوقع أبو مازن ايضا على أي اتفاق مرحلي أو اتفاق جزئي كما يقترح افنيري، فقد تعلم في مدة 21 سنة من الاتفاقات المرحلية الجزئية أنه لا يوجد عند اسرائيل شيء أكثر ثباتا من المؤقت ولا يوجد شيء أكثر كمالا من الجزئي. وليس أبو مازن ايضا شريكا في تسوية ادارة الصراع، والذي يبحث عن هذه السبيل يحسن أن يتوجه الى مكاتب حماس. إن أبو مازن لن يرهن نفسه ولا أبناء شعبه.