أخيرا ظهرت النسخة الجزائرية من البدون

حجم الخط
63

صديقي يوسف فتح الله هو الذي روى لي ما حدث في مطار بغداد، عندما حلً بومدين في أول زيارة له للعراق، بعد تنحية بن بلة من الحكم. زيارة صادفت وصول مجموعة من الشخصيات المعارضة إلى هذا البلد العربي، كانت مقيمة في باريس لفترة، بعد هروبها من الجزائر نتيجة معارضتها الانقلاب على بن بلة. سفير الجزائر في العراق، استعجل أمره ليخبر بومدين وهو لايزال في قاعة الاستقبال بالمطار، أنه تواصل مع المسؤولين العراقيين، ليخبرهم أن السلطة الجديدة في الجزائر تنظر إلى استقبال هذه المجموعة المعارضة على أنه عمل غير ودي، فما كان من بومدين إلا نهر سفيره وتوبيخه… أنت سفير ثورة وهؤلاء مواطنون جزائريون، أين تريدهم أن يذهبوا إلى القطب الشمالي، الأحسن أن يكونوا هنا في العراق، بدل فرنسا التي يمكن أن تحاول استعمالهم ضدنا.. اتصل بهم ووفر لهم جوازات سفر وأعطهم ما يكفيهم من مال، لكيلا يكونوا تحت رحمة نظام البعث هنا، أو أي نظام آخر.. هذا هو المطلوب منك.
هذا ما حصل حسب شهادة صديقي فتح الله، الله يرحمه الذي كان من بين أعضاء المجموعة المعارضة. بالطبع بومدين لم يكن دائما بمثل هذه «الحنية» مع المعارضة، فقد جرّب لغة الرصاص والنفي، عندما اقتنع بخطورة بعض الشخصيات على سلطته، في سنوات حكمه الأولى، كان فيها خائفا على نظامه وعلى نفسه من بعض وجوه المعارضة، التي كانت تتمتع بشرعية تاريخية وسياسية كبيرة، كما كان الحال مع كريم بلقاسم ومحمد خيضر، اللذين تم اغتيالهما بدم بارد في أوروبا. تغير بومدين في سلوكه بعد أن دعّم حكمه، واكتسب شرعية شعبية ودولية لم يعد فيها مهتما كثيرا بهذه المعارضة الضعيفة، في الخارج وحتى الداخل.
قفزة نوعية خطاها النظام الجزائري في التعامل مع وجوه المعارضة في الخارج، في فترة حكم الرئيس الشاذلي وهو يسمح بدخولها إلى الجزائر، كما حصل مع بن بلة.. طاهر زبيري وبشير بومعزة وغيرهم. خطوة يمكن تفسيرها بعدة مستويات منها تقلص حدة الصراع الشخصي التي كانت سائدة بين بومدين وهذه الوجوه السياسية العسكرية الشرسة، التي لم تعترف له بشرعية كاملة حتى وهو على رأس الدولة، زيادة على نوع من الاستقرار الذي وصل إليه نظام الحكم، وهو يتعامل مع معارضة في جو سياسي تعددي جديد، كشف ضعفها وفشلها في الانغراس داخل المجتمع واكتساب قاعدة شعبية، لم تعد قادرة بالتالي على تهديد نظام الحكم.

قانون سيتحول إلى فتيل حرب داخل النظام، الذي لن تقبل القوى داخله بهذه الهرطقة السياسية التي تمس بتراث الوطنية الجزائرية

مقدمة تاريخية كانت ضرورية، للقول إن ما تجرأ عليه النظام في الجزائر هذه الأيام وهو يفكر في تجريد بعض الجزائريين من جنسيتهم الأصلية أو المكتسبة، عمل شاذ وخارج تماما عن سياق الوطنية الجزائرية، التي تقدس لحد الهوس هذه الرابطة التي تجمع الجزائريين في ما بينهم وفي علاقاتهم ببلدهم. إجراء إن تم فعلا سيكون قطيعة سياسية وعاطفية في علاقة الجزائريين ببلدهم ودولتهم الوطنية. تتحمل السلطة على رأسها تبون، كل تبعاته، التي ستحسب عليه كرئيس تم أثناء حكمه تجريد بعض الجزائريين من جنسيتهم عبر هذا القانون – الفضيحة. سلطة يكون قد خانها الذكاء والقدرة على التمييز، وهي تقترح مثل هذا النص القانوني الذي يعدل وينظم منح الحصول على الجنسية، سيبقى عمليا غير قابل للتطبيق، في وقت تنوعت فيه أجيال الهجرة الجزائرية، وزاد فيها اهتماما بما يحصل داخل البلد، لعدة اعتبارات، منها ما هو متعلق بما توفره التكنولوجيا من وسائط تواصل، زيادة على تأهيلها وارتفاع مستوى تعليمها وتحسن مستواها الاقتصادي. شروط جعلت الهجرة بمختلف مكوناتها تتحول إلى رافد مهم للحراك الشعبي، بكل التنوع الفكري والسياسي الذي يميزه.. حراك مهجري تميز بحيوية كبيرة، نافست ما هو موجود في المدن الكبرى كالعاصمة، وهو يجوب شوارع وساحات باريس أو مونتريال الكندية.
قانون لا يملك حظوظا فعلية كبيرة في المصادقة عليه، لخطورة تبعاته على المنادين به – على رأسهم وزير العدل والقوى النافذة التي تقف وراءه ـ سيتحول إلى فتيل حرب داخل النظام نفسه، الذي لن تقبل كل القوى داخله بهذه – الهرطقة السياسية التي تمس بعمق بتراث الوطنية الجزائرية وقيمها المركزية. قانون لم يجرؤ أي رئيس على الإقدام عليه، حتى وهو يشعر بأعلى درجات الخوف على حياته ونظامه، كما كان الحال مع بومدين في سنوات حكمه الأولى، التي تعرض فيها لمحاولات الانقلاب والتصفية الجسدية أكثر من مرة. عكس، ما نلاحظه الآن من ابتعاد عن العنف على المعارضة في الداخل والخارج، كوسيلة تغيير سياسي ومطالبتها السلمية، بإصلاح للنظام السياسي، وبمشاركة سياسية لم تُسمح لها داخل الجزائر لإنجاز القطيعة المطلوبة مع نظام تحول إلى خطر على وحدة الجزائريين، كما يبينه مشروع هذا النص القانوني المقترح، الذي لن يشوه صورة النظام فقط على المستوى الدولي، بل البلد برمته، وكل مؤسسات الدولة الوطنية. في وقت تطرح فيه المنظمات الدولية الحقوقية مسألة الاعتقالات والتعسف في استعمال العنف ضد المواطنين المسالمين.
معارضة ستحصل على دعم شعبي أكبر في الخارج والداخل، كشكل تضامن طبيعي من شعب مُسَّ بأقدس ما لديه من روابط وقيم، حتى إن لم يكن بالضرورة موافق على بعض مواقف هذه المعارضة في المهجر، التي مازالت معزولة ومن دون سند شعبي. كما تبينه يوميات الحراك، منذ اكثر من سنتين. سند شعبي حتى ولو كان مؤقتا يمكن أن تحلم به إذا وصل الإحساس بالخوف إلى فئات واسعة من المهاجرين بعد الإقدام على هذا القانون المعيب في نظام عدالة مأمورة لا يتمتع بالحد الأدنى من الاستقلالية. قانون قد يتحول في حالة المصادقة عليه إلى محطة لإنتاج النسخة الجزائرية البشعة من البدون، المعروفة في بعض أنظمة الخليج، لأسباب ديموغرافية، مذهبية وسياسية لا تتوفر أدنى شروطها في الحالة الجزائرية. لم يكن الجزائريون يتصورون حدوثها في المطلق، في بلدهم، بعد خروجهم للمطالبة بحقوق سياسية أكثر، بتغيير نظام يبدو أنه فقد بوصلته وبدأ «يخبص بلغة إخواننا الشًوام.
كاتب جزائري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عفاف عنيبة:

    و أسمح لي سيدي أصبت بصدمة عندما إكتشفت أنك منعتني من زيارة حسابك علي التويتر هل هذه هي حرية التعبير لمجرد أنني أخالفك في الرأي تمنعني من زيارة حسابك علي التويتر

    1. يقول عبد الحق صنهاجي - الجزائر:

      لأنك تدافعين عن نظام مستبد و فاسد ينهب المال العام و يتعدى على حقوق الإنسان.

  2. يقول امير:

    كل من يقف ضد الوطن يعتبر من الخونة مثلما حدث مع الحركى الذين تعاونوا مع الاستعمار بنفس المعيار تنزع الجنسية على كل من يخون الوطن الحركه استعملوا السلاح الفرنسي وهؤلاء يستعملون التكنولوجيا لتفكيك المجتمع فليذهبوا للجحيم

  3. يقول نورالدين:

    بنسبة لبومدين ارتكب اكبر خطاء مع الم في تربة طردهم بدون حقاءب في يوم العيد الاضحى .وبنبلة كان رجل ديمقراطي لهدا سبب انقلب على بن بلة الاحد رئاسة الجمهورية.مدام العسكريين هم الدين يحكمون

  4. يقول djallel:

    هاذا هو جزاء الخونة الذين يقبعون وراء حواسيبهم لا يدخرون جهدا في زرع الفتنة و الشقاق بين ابناء البلد الواحد بترويج الاشاعات الكاذبة دون ادلة تمس اناس مخلصين للوطن ضحو بكل شيء و بافرا د عاءلاتهم من اجل تادية مهامهم اقول واحد يبني والاخر يهدم ليس هكذا ديمقراطية و لاحرية تعبير اضن انه قرار صاءب 100 %

  5. يقول صالح/ الجزائر:

    تابع)- الفرار من الجيش الفرنسي والالتحاق بالثورة بدأت في وقت مبكر من عام 1955 ، واستمرت طوال الثورة وبلغت ذروتها في عام 1958.
    انقلاب الجنرال خالد نزار ، وزملائه في 1992 ، كان نعمة ، وليس شؤما ، على الجزائر لأن تجربتي الصومال وأفغانستان … ، اللتين لم تنتهيا بعد ، لا تناسب الغالبية من الجزائريين (75 في %) الذين لم يصوتوا لصالح”الدور الأول لأول انتخابات تشريعية شفافة في تاريخ البلاد؟” .
    ربما “ذهب ضحيتها حوالي ربع مليون من أبناء الشعب بدعوى محاربة الإرهاب ..” ، لكن كم سيكون عدد الضحايا من أبناء الشعب لو لم يوضع حد للدمويين الذين لم يؤمنوا أصلا بالديموقراطية لأنها كانت بالنسبة إليهم “كفرا” بكتاب الله وسنة رسوله ، ولا تصلح إلا مرة واحدة لبلوغهم السلطة .
    ثم إن العمليات الإرهابية بدأت بسنوات قبل “انقلاب 1992” ، في الثمانينيات . ألا تتذكر هجوم الصومعة على الشرطة ، حرق دار المخلوقة بلا معيل في ورقلة ورضيعها ، والهجوم المسلح على ثكنة عسكرية في بلدية قمار في شهر جوان من مطلع التسعينيات ، قبل الانتخابات التشريعية في 1991 ؟ .

    1. يقول حامد:

      و من بعد واش حب يقول

    2. يقول المغربي_المغرب.:

      سبحان الله …تبررون تصفية قادة التحرير …وتحاولون ان تصنعوا بطولة مزيفة لضباط لا يؤمنون الا بفرنسا وثقافتها ومصالحها…….والادهى ان يصل الأمر إلى تبرير خطف وتصفية نصف مليون من خيرة شباب البلاد…والجميع يعرف ان الانقلابيين من صنعوا الارهاب ومارسوه….؛ الكلام أمانة يسأل عنها العبد أمام ربه….حيث لن ينفعه مال او جاه او سلطة…

    3. يقول محمد محمد:

      صالح… قولك أن إنقلاب خالد نزار نعمة خلاف الصواب حتى لو جنبنا ذلك حكم الإخوان المفسدين لأن الفاتورة كانت قاسية جدا.. الدمويون الإسلامويون استغلوا تعاطف الشعب لكن نزار وقع في فخ الفيس ولو اعطيت الفرصة للفيس في الحكم لانكشفت سوءتهم ولظهرت حقيقتهم ولخرجوا بخفي حنين…

  6. يقول هيثم:

    النظام يتعمد استنساخ موجة جديدة من مأساة الحركيين الذين وظفهم الجيش الكولونيالي في الحرب ضد المقاومة بين سنتي 1954 و 1962 و الذين ذاقوا الويلات من الطرفين ، جيش الاستعمار الذي تنكر لهم و جيش جبهة التحرير الذي اغتال المئات منهم. المعارضون الجزائريون في الخارج كلهم وطنيون لهم غيرة على بلادهم و يتألمون لأوضاعها تحت حكم عصابات العسكر و أزلامه المدنيين القائم على اختلاس موارد البلاد والعباد. كلهم باستثناء أتباع الماك.

  7. يقول رضى ح.:

    شتان بين بعض الرؤساء الذين مضوا، وخصوصا الرئيس الراحل المتواضع الشاذلي بنجديد رحمه الله وأكرم مثواه الذي أراد بالجزائر كل الرقي والتقدم سياسيا وحقوقيا واقتصاديا واجتماعيا، لولا الانقلاب المشؤوم الذي قاده جنرالات الظلم والفساد والقتل والاضطهاد خالد نزار ومحمد العماري والعربي بالخير وغيرهم من المجرمين الذين مازال بعضهم يصول ويجول بكل الامتيازات بدل أن يعدموا في ساحات عامة عسى أن يشفى غليل الشعب

  8. يقول محمد قجالي:

    لن يمر مثل هءا القانون لان الحنسية الحزائرية بالنسبة للحزائريين الاصليين هي جزء من شرفهم اكتسبوها بدماء اجدادهم وآبائهم من الشهداء والمحاهدين وقد يتنازل الجزائري عن جزء من حقوقه الا جنسيته فانه لن يقبل ان تنزع منه مهما كانت المبررات.

  9. يقول ابن الجزائر:

    القانون هذا سيعزز اكثر من سيادة الدولة الجزائرية عكس كل ما قلته للتقليل من شأنه
    الامن القومي الجزائري بات مهددا اكثر من اي وقت مضى
    نرى حرب إعلامية واستخباراتية مفتوحة من جبهات متعددة على الجزائر بغض النظر عن طبيعة النظام
    القانون لم يأت لحفظ مكانة النظام لانه سيرحل يوما ما
    بل لحفظ كيان الدولة الجزائرية من مخططات غرف الظلام للقوى الشيطانية التي تتربص بالجزائر بعدما دمرت دول بالمنطقة
    هذا ما صرح به تبون عن فرنسا بان هناك لوبي قوي وعنصري يحكم الدولة الفرنسية مهما كان الرئيس المنتخب بفرنسا لا يمكنه تجاوز مطالب هذا اللوبي الذي يحاول استرجاع امجاد استعمارية وحفظ مصالح فرنسا بمستعمراتها السابقة
    فرنسا لم تتغير لكن الجزائر تساهلت كثيرا مع جزائريين يعشقون فرنسا اكثر من بلدهم ويدعون انهم يطمحون الى التغيير الافضل للجزائر لكن ما لاحظناه العكس كل ما يكون هتاك تغيير بالسلطة يفر عدد من الجزائريين للخارج واول بلد يفرون نحوه فرنسا.

    1. يقول خيسوس:

      أحسنت. بارك الله فيك يا اخ

  10. يقول ابن الشهيد:

    اصدار قانون تجريد المجرمين من الجنسية وهو قانون في الصواب وجاء متأخرا الخائن إسمه يكفيه وموته أحسن من حياته وتجريده من الجنسية هو الحل الثاني بعد الإعدام

1 2 3 4

إشترك في قائمتنا البريدية