إسطنبول- “القدس العربي”:
تواصل تركيا خطواتها المتتابعة نحو تهيئة الأرضية القانونية الداخلية والدولية من أجل إرسال قوات عسكرية إلى ليبيا، في تلويح كبير باللجوء إلى القوة العسكرية لحماية مصالحها في ليبيا وشرقي البحر المتوسط، لكن في ظل رغبة أكبر بالتوصل إلى حلول سياسية تجنبها النتائج التي ربما تكون “كارثية” لأي صدام عسكري وارد مع القوى الإقليمية المتصارعة في ليبيا وشرق المتوسط.
وعلى الرغم من الإجراءات المتلاحقة التي توحي بالتمهيد لإرسال قوات عسكرية من الجيش التركي إلى ليبيا، إلا أن مؤشرات أخرى تضعها في خانة التلويح بالقوة العسكرية في ظل رغبة جامحة بحصول تطورات سياسية وعسكرية تجنب تركيا هذا الاستحقاق الذي يمكن أن تلجأ له بالفعل، ولكنه لا يعتبر حالياً بمثابة الخيار الأول للرئيس رجب طيب أردوغان.
فعلى الرغم من مرور قرابة شهر على توقيع اتفاق التعاون الأمني والعسكري بين أردوغان ورئيس حكومة الوفاق الليبية فايز السراج، إلا أن أردوغان وقّع بالفعل على مذكرة التفاهم بشكل نهائي، الخميس، بعدما تم الانتهاء من تمرير المذكرة في البرلمان، وجرى نشر نص القرار في الجريدة رسمياً، لتصبح سارية المفعول اعتباراً من 26 نوفمبر/ تشرين الأول.
وبينما يتصاعد هجوم حفتر والقوات الداعمة له على العاصمة طرابلس، وسط خشية حقيقة من سقوطها بيد حفتر، لم يظهر أي استعجال تركي في اتخاذ قرار بإرسال قوات عسكرية إلى ليبيا، حيث لم يطلب الرئيس أردوغان من البرلمان قطع إجازته وعقد جلسة خاصة لاستصدار مذكرة تتيح للجيش إرسال قوات إلى ليبيا، رغم أن القانون يتيح له ذلك.
وعوضاً عن ذلك، فإن حزب العدالة والتنمية الذي بدأ بإعداد المذكرة، سوف ينتظر حتى السابع من شهر يناير المقبل موعد انتهاء إجازة البرلمان من أجل عرض المذكرة على الجمعية العامة، على أن تصدر خلال يوم أو يومين، حيث يمتلك الحزب القدرة على تمرير المذكرة بدعم من حليفه حزب الحركة القومية.
هذا الأمر، أكده الرئيس التركي في خطاب له، الأربعاء، قائلاً: “يسألوننا عمّا إذا كنا سنرسل الجنود إلى ليبيا.. نحن نتجه إلى المكان الذي نُدعى إليه، سنلبي دعوة ليبيا (لإرسال الجنود) بعد تمرير مذكرة التفويض من البرلمان فور افتتاح جلساته، من المتوقع أن نمرر تفويض إرسال جنود إلى ليبيا من البرلمان في 8 – 9 يناير لكي نلبي دعوة حكومة الوفاق الوطنية الليبية”، مشدداً على أن بلاده ستقدم جميع أنواع الدعم لحكومة طرابلس “في كفاحها ضد الجنرال الانقلابي خليفة حفتر، المدعوم من دول أوروبية وعربية مختلفة”.
وبينما تتخوف أطراف تركية وليبية من أن تأخر أنقرة في إرسال قوات قد يهدد بسقوط العاصمة طرابلس قبيل هذا الموعد، إلا ان جهات أخرى ترى أن الوضع ما زال تحت السيطرة، وأن أنقرة رفعت من دعمها العسكري كمّاً ونوعاً لحكومة الوفاق عقب الاتفاق الأخير، وأنها توصل ذلك بما يضمن عدم سقوط العاصمة لحين اتخاذ القرار المناسب بإرسال قوات عسكرية بشكل مباشر من عدمه.
وربط مراقبون بين موعد تصويت البرلمان على مذكرة إرسال القوات إلى ليبيا بتاريخ زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تركيا والمقررة في الثامن من يناير المقبل، ما اعتبر بمثابة محاولة تركية لاستخدام هذه الخطوة كورقة ضغط على روسيا من أجل المساعدة في التوصل إلى حل سياسي قد يوقف هجوم حفتر على العاصمة -على الأقل- وتجميد تركيا خيار إرسال قواتها إلى طرابلس.
وفي إطار الهدف التركي الأساسي المتمثل في العمل بكافة الطرق لمنع سقوط العاصمة طرابلس بيد حفتر للحفاظ على مكتسبات الاتفاق البحري، تعمل تركيا مع العديد من الأطراف الدولية من اجل وقف هجوم حفتر عبر تفاهمات ثنائية أو حلول سياسية دولية لا سيما مؤتمر برلين حول الأزمة الليبية المقرر الشهر المقبل والذي بات محور التحركات السياسية التركية مؤخراً.
وعملت تركيا من خلال روسيا من أجل التوصل إلى تفاهمات يمكن أن توقف هجوم حفتر على طرابلس، وجرى اتصال هاتفي بين أردوغان وبوتين، قبل أن يزور وفد دبلوماسي وعسكري تركي موسكو لبحث المسألة، كما يتوقع أن يركز لقاء أردوغان بوتين المقبل في تركيا على هذه المسألة، لكن دون الحديث عن تقارب في وجهات النظر، وسط هجوم تركي متصاعد على من وصفهم أردوغان بـ”المرتزقة الروس في ليبيا”، وتحذيرات روسية من مخاطر إرسال قوات أجنبية إلى ليبيا، في إشارة إلى التدخل التركي المحتمل.
وبالتوازي، أجرى أردوغان اتصالات مع زعماء غربيين مختلفين، أبرزهم رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل من أجل تعزيز الموقف الدولي الدعم لحكومة الوفاق قبيل مؤتمر برلين الذي باتت تحشد تركيا له بكافة الطرق للخروج بنتائج قد تجنبها خيار إرسال قوات إلى طرابلس.
أبرز هذه التحركات، كانت الزيارة المفاجئة والطارئة لأردوغان إلى تونس، الأربعاء، حيث أجرى أردوغان برفقة وزيري الخارجية والدفاع ورئيس المخابرات مباحثات مع الرئيس التونسي قيس سعيد، تركزت على الشأن الليبي، حيث قال أردوغان الخميس إنه اتفق مع نظيره التونسي على دعم حكومة الوفاق، وهو الموقف الذي لم يعلن بشكل صريح من قصر قرطاج بعد.
لكن الهدف الأوضح للزيارة أعلن عنه أردوغان بصراحة، وتمثل في تأكيده على ضرورة مشاركة تونس والجزائر وقطر في مؤتمر برلين، وذلك في مسعى واضح لتعزيز محور الدول الداعمة لحكومة الوفاق في المؤتمر وضمان خروجه بأفضل النتائج الممكنة التي قد يكون أقلها وقف هجوم حفتر، وبالتالي انتفاء الحاجة لإرسال قوات وإن كان ذلك مرحلياً بالحد الأدنى.
وبناءاً على كافة المعطيات السابقة، لا تبدو تركيا في عجلة من أمرها لإرسال قوات إلى ليبيا في ظل رفعها مستوى الدعم العسكري لحكومة الوفاق، بانتظار مؤتمر برلين الذي لا تريد أن تبدو فيه كقوة عسكرية مباشرة في الأزمة الليبية، وتحاول من خلاله الضغط على انسحاب الأطراف الدولية أو التوصل لأي تفاهمات قد توقف هجوم حفتر، وبالتالي تجنب خيار إرسال القوات.
حان الوقت لبناء قوة متوسطية حديدة تفوق قوة أوروبا مجتمعة.