أزمة إسرائيل السياسية تتعمق.. والسؤال الأبرز: هل ستكون الانتخابات الرابعة “قابعة” لنتنياهو؟

حجم الخط
0

الناصرة- “القدس العربي”:

في ذروة أزمة كورونا، تتفاقم الأزمة السياسية داخل إسرائيل بعد تفكيك برلمانها (الكنيست) ليلة الثلاثاء- الأربعاء والذهاب إلى انتخابات رابعة في غضون عامين. وغداة حل الكنيست دون المصادقة على موازنة عامة للسنة الحالية وللسنة القادمة، يخشى الإسرائيليون أن تبادر الحكومة لفرض ضرائب جديدة وتقليص الخدمات المقدمة في مجالات الصحة والرفاه والمجتمع.

وكانت دولة الاحتلال قد ذهبت إلى انتخابات مبكرة أولى ضمن هذا المسلسل الانتخابي في مارس/ آذار 2019 بعدما حل الكنيست نفسه في كانون أول/ ديسمبر 2018، ومن وقتها لم ينجح رئيس حكومتها الحالي بنيامين نتنياهو في تشكيل حكومة مستقرة في ظل حالة تعادل بينه وبين خصومه في المركز واليمين.

وبخلاف الجولات الانتخابية السابقة بل ومنذ عاد نتنياهو للحكم في 2009، فإنه لم يبادر هذه المرة للانتخابات المبكرة، بل تمت قيادته نحوها من قبل المعارضة وأوساط من الائتلاف – نواب من “أزرق – أبيض ” ممن وصلوا لاستنتاج بضرورة  تقصير عمر هذه الحكومة الفاشلة في مواجهة كورونا وتبعاتها غير المتجانسة بين مكوناتها.

يشار إلى أن هذه الحكومة تشكلت في الربيع الفائت وهي حكومة وحدة وطنية لمواجهة كورونا بين “الليكود” و”أزرق- أبيض” الذي انقسم لشطرين متخاصمين على خلفية قرار رئيسه وزير الأمن بيني غانتس بالذهاب لهذه الشراكة. وتفجرت الأزمات المتتالية بين الحزبين حتى بدا منذ البداية أنها لن تدوم إلا شهور نظرا لأزمة الثقة والخلافات حول مختلف القضايا الداخلية، وعلى خلفية محاولة نتنياهو التملص من اتفاق بند التناوب على رئاسة الوزراء مع غانتس.

جرّ نتنياهو لانتخابات لا يريدها

ولأول مرة منذ 2009، يقاد نتنياهو للانتخابات بدلا من الدفع نحوها. فقد كان يفضل تأجيلها لاختيار موعد يكون مريحا له وغير مريح لخصومه، خاصة أن استطلاعات الرأي تبتسم لخصمه المركزي المنشق عنه غدعون ساعر الذي قد يحصل حزبه الجديد على نحو 20 مقعدا، بين قد يحصل الليكود على  حوالي 28 مقعدا فقط وفق استطلاعات الرأي الأخيرة.

كما أن نتنياهو يرغب بالابتعاد قليلا عن أزمة كورونا وكسب وقت يتمكن خلاله من توفير لقاحات لكل الإسرائيليين قبيل الانتخابات، وربما توقيع اتفاق تطبيع جديد يلوح ويتغني به أمام الإسرائيليين.

ورغم ضعف الليكود وتزايد قوة خصومه في اليمين ممن يزاودون عليه، فإنه من المبكر اعتباره في خبر كان وباب الانتخابات مفتوح لجولات خامسة وسادسة بسبب تكريس حالة التعادل بين معسكر نتنياهو وبين معسكر خصومه، خاصة أنه سياسي مجرب وماكر، مقابل احتمال فشل خصومه في التوحد ضده وتراجع محتمل لقوة القائمة المشتركة مما يخدمه في عملية احتساب قوة المعسكرين المتنازعين على الحكم.

وسبق أن انشق عدد كبير من قادة الليكود دون أن يؤدي ذلك لخسارة نتنياهو الحكم، وحصل على سبيل المثال أن انشق وزير القضاء الأسبق دان مريدور عن “الليكود” في حزيران/ يونيو 1997 ووقتها تساءلت الصحافة العبرية هل باتت أيام نتنياهو معدودة؟

لا يمين ولا يسار

واللافت أن الانتخابات المتكررة لا تجري بين يمين ويسار صهيوني بعد تمدد الأحزاب الصهيونية المتشددة التي باتت تشكل أكثر من ثلثي أعضاء الكنيست في الانتخابات القادمة وفق كل استطلاعات الرأي، ولذا فالصراع الحالي والقادم هو بين معسكر نتنياهو ومعسكر المناوئين له. والمتنافسون على رئاسة الحكومة كافتهم من اليمين المتطرف، بنيامين نتنياهو رئيس “الليكود” وغدعون ساعر المنشق عن “الليكود” ومؤسس حزب “أمل جديد”، وكذلك نفتالي بينيت رئيس حزب المستوطنين “يمينا”.

ويأتي في المرتبة الرابعة من ناحية القوة حزب “هناك مستقبل” برئاسة يائير لابيد الذي يمثّل تيار المركز أو الوسط الصهيوني. أما حزب “العمل” الذي أقام إسرائيل قبل وبعد نكبة 1948، فتتنبأ له كل استطلاعات الرأي بالموت، وقد دللت نتائج الجولات الانتخابية الأخيرة على انحسار قوته بل احتضاره، فتعداد نوابه أقل من عدد أصابع اليد الواحدة، واضطر لعقد تحالفات مع قوائم أخرى كي يجتاز نسبة الحسم وبشق الأنفس.

والقاسم المشترك الآخر لكل الجولات الانتخابية الأخيرة، هو طغيان القضايا الإسرائيلية الداخلية وسط تغييب شبه كامل للاحتلال وللقضية الفلسطينية التي يحاول الإسرائيليون تجاهلها وعدم رؤيتها وتخبئتها خلف جدران الفصل العنصري العالية.

ويرى مراقبون أن غياب أو تغييب القضية الفلسطينية، يعكس عدم رغبة إسرائيل والإسرائيليين بتسوية الصراع، مثلما يعكس تطبيع أنفسهم في التعامل والتعايش مع الاحتلال، خاصة أنه غير مكلف بالنسبة لهم. ومن المتوقع تعميق هذا التغييب من قبل الأحزاب الإسرائيلية للقضية الفلسطينية في الجولة الرابعة، واستبدال الانشغال بها باتفاقات التطبيع، خاصة أن الحزب الحاكم “الليكود” يستخدمها منذ وُقّعت لصب الماء على طاحونته الدعائية، وفي محاولة لكسب نقاط انتخابية وصرف الأنظار عن محاكمة رئيسه نتنياهو المتهم بتهم فساد خطيرة.

في المقابل هناك أصوات إسرائيلية داعية لتسوية الصراع مع الفلسطينيين، وتحذر من الارتهان لاتفاقات تطبيع مع دول عربية لم تحارب إسرائيل يوما، لكن هذه ما زالت أصواتا خافتة، ولا تنعكس تقريبا في برامج ومواقف الأحزاب الإسرائيلية. وتكاد القائمة المشتركة هي القائمة الوحيدة عدا قائمة “ميرتس” الصغيرة، التي تطرح القضية الفلسطينية وتدعو لتسوية الصراع وفق “حل الدولتين”.

أحوال المشتركة بين المدّ والجزر

وكرّر رئيس القائمة “المشتركة” النائب أيمن عودة قوله إن قائمته حرمت نتنياهو من تشكيل حكومة مستقرة، وكانت في الانتخابات السابقة قد خاضت الانتخابات تحت عدة شعارات منها “الثالثة ثابتة” في إشارة للرغبة بالإطاحة بنتنياهو من سدة الحكم، لاعتباره المحرّض الأول على فلسطينيي الداخل والأخطر على كل الشعب الفلسطيني، خاصة في ظل تحالفه الوثيق مع الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب.

ويتساءل مراقبون عما إذا كانت سترفع المشتركة الشعارات ذاتها وتعود للإشارة إلى ضرورة الإطاحة بنتنياهو من خلال شعار “الرابعة قابعة”. غير أن جمهور “المشتركة -المجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل (18%) لم يعد متحمسا لمثل هذه الشعارات لعدة أسباب، منها تلاشي اليسار الصهيوني، ووجود بديل أسوأ لنتنياهو على المستويين السياسي والمدني.

وتتجه المشتركة لانتخابات رابعة وعلامات سؤال كبيرة تحوم حول احتمال بقائها متحدة وقادرة على الاحتفاظ بنجاحها بعد خلافات داخلية متراكمة تعمقت في الشهور الأخيرة على خلفية الموقف من نتنياهو إياه.

وعلى خلفية انهيار حزب “أزرق- أبيض” وعدم وجود بديل لنتنياهو، ربما يكون أقرب لتلبية حقوق ومطالب فلسطينيي الداخل وتفاقم مشاكل داخلية تحتاج لحلول سريعا كتفشي الجريمة والفقر وهدم المنازل، ترى الحركة الإسلامية الشق الجنوبي وهي المكون الثاني داخل المشتركة بعد الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة، أنه من الأصوب عدم التدخل في الصراعات بين الأحزاب الإسرائيلية على السلطة ووقف الرهان على من ينتسبون لليسار أو الوسط الصهيوني.

ويرى رئيس كتلة الحركة الإسلامية داخل المشتركة النائب منصور عباس، أن تغير الخريطة السياسية الإسرائيلية تقتضي ألا تكون المشتركة في جيب أحد، وأن تكون مستعدة للتعاون مع أي حزب إسرائيلي في الكنيست بما في ذلك “الليكود” مقابل تلبية مطالب وشروط وحقوق منها المصادقة على خطة حكومية لمكافحة الجريمة والعنف في الشارع العربي، والاعتراف بقرى عربية في النقب محرومة من الخدمات المدنية، أو المصادقة على خرائط هيكلية جديدة توسع مسطحات البناء في البلدات العربية وغيرها.

وأدى هذا التقارب بين الإسلامية ونتنياهو لخلافات بينها وبين بقية مكونات القائمة المشتركة التي ترفض المساومة والمقايضة على الحقوق، وترى بأنه من واجب الحكومة توفير الحقوق العالقة، وتحذر من محاولة نتنياهو شق صفوف المشتركة بهذه المناورة والوعود الفارغة للحركة الإسلامية.

وشهدت الأيام الأخيرة تراشقا بين الحركة الإسلامية وبين بقية مكونات المشتركة، لكن التوترات تتجه للتراجع لصالح لملمة أوراق المشتركة، بعدما لم يبادر نتنياهو لطلب تأييد نواب الإسلامية في مشروع قانون منع الانتخابات أمس الثلاثاء، والذي خسر بفارق صوتين فقط، وسط تغيب نواب الإسلامية عن التصويت، مما يعني أنه كان بمقدورهم إنقاذ حكومة نتنياهو، لكنه آثر عدم تلقي طوق نجاة من نواب عرب.

نداء مثقفين وناشطين

على خلفية ذلك، وجّه عشرات من المثقفين والناشطين ورجال الأعمال العرب نداء مشتركا للمشتركة طالبوها فيه بالوحدة. وجاء فيه: “الإخوة والأخوات في القائمة المشتركة، تقلقنا أحوال القائمة المشتركة خاصة ما يتهدد وحدتها. المشتركة إنجاز تاريخي من حيث تحقيق مدى من الوحدة والاقتدار والإرادة الجامعة. غلّبوا المشترك بينكم على المختلف عليه، واحذروا ممن يفرقنا ويتربص بنا، وعيون وآمال شعبنا عليكم. نهيب بكم أن تبقوا موحدين ولكم منا كل الدعم”.

وأوضح الدكتور ثابت أبو راس المبادر للنداء لـ “القدس العربي” أن المبادرة للبيان قد جاءت على أرضية التهديد لوحدة القائمة المشتركة وتعبيرا صادقا للرغبة القوية عند أبناء شعبنا للمحافظة على القائمة والطموح إلى تحسين أدائها، الأمر الذي يضمن تحقيق الإنجازات لصالح كافة المواطنين.

الولاية الأولى بعد اغتيال رابين

وتتفاوت تحليلات المعلقين الإسرائيليين حول هذه الانتخابات، والمشترك في تقديراتهم أن مهمة نتنياهو في البقاء في الحكم هذه المرة أصعب نظرا للتمرد عليه داخل الليكود وداخل معسكر اليمين، خاصة بعد طرح غدعون ساعر نفسه واستقطابه عددا من نواب الليكود ونواب أزرق أبيض ممن انشقوا عن الحزبين.

ويبقى سؤال الأسئلة هل تكون “الرابعة قابعة” لنتنياهو؟ المؤكد أنها معركة تبدو مصيرية أكثر من كل الجولات السابقة بالنسبة له، وهوالذي تولى رئاسة الوزراء للمرة الأولى بعد تفوقه على مرشح حزب “العمل” شيمون بيريز عام 1996 بعد شهور من اغتيال سابقه رئيس الوزراء اسحق رابين على يد متطرف، احتجاجا على توقيع اتفاق أوسلو في 1993.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية