لا تكاد تمر نسمة هواء عابرة فوق أجواء المغرب والجزائر الا وتترك آثار دمار اعصار مهلك، وكأن الطرفين يجلسان على بركان ثائر يخرج حممه السامة مع كل حدث.
لا يوجد في العالم المغاربي، ما يمكن اعتباره «سوء تفاهم» أو «خلاف عابر»، لأن كل صدام او لقاء او تقاطع بين المغرب والجزائر هو فرصة لاخراج كل العداوة والبغض والكراهية حتى وان لم تكن مرتبطة بأصل الخلاف او سوء الفهم، وهكذا سارت الأمور في الأيام الأخيرة، حين أوقعت قرعة نصف نهائي كأس الاتحاد الافريقي، او ما يعرف بكأس الكونفدرالية، فريق نهضة بركان المغربي بطل المسابقة عامي 2020 و2022، مع بطل المسابقة وحامل اللقب الحالي اتحاد العاصمة الجزائري، وبمجرد اعلان القرعة كان من البديهي توقع حدوث ما لا يحمد عقباه.
المباراة الأولى كان من المفترض اقامتها يوم الأحد الماضي في العاصمة الجزائرية، وفعلاً توجه الفريق المغربي الى الجزائر، لكن معه «قنبلة ملغومة»، وهي قمصان لعبه التي حوت خريطة المغرب مدمجة مع الصحراء الغربية، ما أثار حفيظة السلطات الجزائرية، التي احتجزت أمتعته في مطار «هواري بو مدين» في العاصمة الجزائرية يوم الجمعة الماضي. ومع ذلك حضر النادي المغربي الى ملعب «5 جويلية» الاحد الماضي لكنه بقي في غرفة تبديل الملابس حتى مرور موعد بداية اللقاء، بينما دخل اتحاد العاصمة الميدان خلافا للطاقم التحكيمي للمباراة التي لم تنطلق أصلاً. وكأن الفريقين يعرفان ماذا يفعلان ضمن تعليمات قادة سياسيين.
وعلى اثر ذلك، قرر الاتحاد الافريقي لكرة القدم (كاف) يوم الأربعاء الماضي تخسير اتحاد العاصمة الجزائري مباراته في ذهاب نصف نهائي مسابقة كأس الاتحاد الافريقي أمام نهضة بركان المغربي بنتيجة 0-3، وحوّلت لجنة المسابقات في الاتحاد الافريقي «القضية إلى لجنة الانضباط لبحث المزيد من العقوبات». واضافت اللجنة ان مباراة الاياب ستقام في موعدها على الملعب البلدي في بركان اليوم الاحد.
ربما سيناريو ما حدث كان مرسوما ومعلوما قبل ان تطأ أقدام لاعبي نهضة بركان أرض الجزائر، وربما كان مسؤولوه على دراية تامة باللوائح والشروط والعقوبات المحتملة مع كل فعل ورد فعل، وأيضا الجانب الجزائري كان يتوقع هكذا تصرف وربما استهان بالعقوبات او لم يستدركها، فاشتعلت الأمور مجدداً، على غرار أزمة السنة قبل الماضية عندما استضافت الجزائر بطولة افريقيا للمحليين، وانسحب المغرب منها لأسباب ادارية وتنظيمية، وكأن الجميع بات يعرف ان «المكايدة» ستكون عنوان أي لقاء رياضي محتمل بين فريقين جزائري ومغربي، حيث تشهد علاقات البلدين أزمة دبلوماسية متواصلة منذ قطع الجزائر علاقاتها مع الرباط صيف العام 2021، متهمة الأخيرة باقتراف «أعمال عدائية» ضدها، في سياق النزاع بين البلدين حول الصحراء الغربية.
الغريب انه في الأزمة الأخيرة بين اتحاد الجزائر ونهضة بركان، سيكون صعباً على المتابع استيعاب منح فريق الفوز 3-0 وهو الذي رفض دخول أرض الملعب، لكن حجته أنه توجه الى أرض الملعب لكن بدون قمصانه التي تم احتجازها، فيما يصعب استيعاب معاقبة فريق بالخسارة، رغم ان مسؤوليه الرياضيين لم يقترفوا أي ذنب، بل في الواقع حاول مسؤولو اتحاد العاصمة حل المشكلة بتوفير قمصان بديلة للاعبي نهضة بركان.
المشكلة لن تحل بالمنطق ولا بالعقلانية، بل بقدرة كل طرف على اقناع السلطات العليا في الاتحاد الافريقي وأيضا في الاتحاد الدولي (فيفا) وأيضا بتقديم الأدلة والبراهين الى محاكم الالتماس، بصحة رواية كل طرف وبمدى النفوذ الذي يتمتع به مسؤولوه الكبار، على غرار فوزي لقجع وصادي وليد، وللأسف ينجرف الجميع خلف كل مشكلة، وهي في الواقع كارثة أو «مصيدة»، تشعلها مواقع التواصل، بدون الوصول الى حل جذري للخلافات التي ستبقى عالقة بين الطرفين مع كل لقاء رياضي.
لو كل مشكلة محتملة بين الطرفين وجدت التهميش والتقزيم، وحظيت ببعض الأصوات العقلانية، لما انتشرت هذه الاخبار في كل الوكالات والمواقع العالمية، وكأنها من النوادر، بل سيتيقن الجميع أن المكايدات لن تقود الا الى المزيد من هدر الوقت والمال والطاقة من دون حلول مرضية لأي طرف.