ليست أزمة المعارضات مجرد أزمة معارضات عربية وربيعها الذي وصفه البعض بالـ»عابر»، فسياق التلكؤ وسوء توزيع الثروات، وغياب الاستراتيجيات على المدى البعيد، سياق عام لا يمكن إرجاعه إلى مجرد فراغ ناجم عن سقوط «أنظمة حكمت وتحكمت لفترة طويلة»، وإلا كانت الأزمة ظرفية، لا عضوية.
الفراغ ناجم أصلا عن إعادة إنتاج الفارق الطبقي وفق معايير جديدة، رافقه وتسبب فيه إلى حد بعيد فشل التوجه الاشتراكي في أن يكون «اشتراكيا» لعدم التزامه بمبدأ توزيع عادل للثروات، وإعادة استثمارها في مشاريع تخدم المصلحة العامة، كما رافقه وتسبب فيه إلى حد بعيد إخفاق التوجه السوسيو- ليبرالي في الجمع بين تطبيق ثابت للتوجه الليبرالي من جهة، أي إنجاح المبادرة الاستثمارية الحرة في المقاولات المتوسطة والصغرى، وإصلاح مرافق القطاع العمومي من جهة أخرى..
وليس الفساد الأخلاقي الذي طال التشبث بالحكم في بعض البلدان، والمبالغة في القمع، قد أديا إلى تحويل انتفاضات سلمية عن مسارها ومغزاها، سوى انعكاس لفساد أصلي فكري، انحرف به القادة المعنيون عن نبل فن قيادة الشعوب، فجعلوه وسيلة للتضليل فراهنوا عليه لينالوا من شعوبهم. في ظل تفشي هذا المكر الفكري الذي رتب بعناية لإفساح المجال أمام منطق «أنا وبعدي الطوفان»، لم يكن غريبا أن تكون بدايات من تصدوا لتحويل هذا الفراغ العقيم إلى أرضية مثمرة، بدايات متعثرة، ولم يكن مثيرا للدهشة بالتالي أن تخيب توقعات عالية وآمال عريضة كان محكوما عليها أن تكبل أي ربيع، ربيع الثورات كما ربيع الأفكار.
تصبح أزمة المعارضة حينها في قلب الهزات الارتدادية لأزمة سياسية نتلمسها في تفاقم الأثر النفسي لمبدأ سياسي لا يستسيغه الناس بسهولة: قبول أن التغيير لا يعني أن كل أمل سيتحقق، وأن أحوال المواطنين ستتبدل في لمحة بصر. فأزمتنا أزمة أنظمة ثار الناس ضدها، وليست تلك الأنظمة مجرد أنظمة سياسية، بل هي، أصلاً، أنظمة تضررت من نماذج نخبوية غارقة في التنظير، توّجها فشل المعارضات في تقديم بدائل مقنعة وموثوقة .أزمة المعارضات صارت عالمية. وعالميا صار قصور أحزاب المعارضة عن تقديم مشاريع تبعدها عن الضعف والتشتت، بتكريس مصلحة المواطن عوض الانغماس في مصالحها، والتشبت بطموح تحقيق غد اقتصادي واجتماعي وثقافي أفضل، بدل دغدغة أحلام السلطة.
رسالة موجهة إلى كل معارضات العالم، الصدقية تمر عبر أخلقة الحقل السياسي أولا، ثم مقاربته كجسم عضوي من المجتمع، لا كنبتة طارئة
إن لم تُعد أحزاب المعارضة ترتيب مختبر أفكارها، إن لم تقاسمها المواطن سريعا، فسيجد المواطن نفسه، مدفوعا بنغمة «الخوف من أن التغيير يؤدي إلى الفوضى»، مخيرا بين أمرين لا ثالث لهما: إما مهادنة ما تبقى من الأنظمة القديمة، أو من عقليتها والتكيف مع ما قد تحمله من توجه استبدادي فكري وأحيانا قمعي، وإما الارتماء بين أحضان التيارات الشعبوية، وما تتبعه من نهج مبني على استمالة مشاعر كره الآخر، ورفض الاختلاف، نهج يؤدي، لمجرد نفيه للواقع هذا، إلى نفق مسدود سياسيا. طالما لم تجد لإصلاح منظومتها الأيديولوجية سبيلا، ستصطدم المعارضات بتقادم مقارباتها للتيارات السياسية وتوجهاتها التقليدية، الليبرالية واليسارية وأيضا الدينية، أكانت تمثل الأخيرة مرجعا أو مجرد إلهام. الفكر السياسي بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى تحديث وتحيين لسبب بسيط، أن مفهوم العمل، مفهوم الإنتاج، مفهوم القيم والعادات الاستهلاكية والطقوس والممارسات، خاضع لمجتمعات هي نفسها في تطور مستمر. وإذا كانت حتميات الإصلاح السياسي ذات طابع فكري، فهي أيضا ذات طابع أخلاقي. فلا يزال استخدام الأحزاب بدافع الوصولية والانتهازية أمرا عاديا، ورب قيادي انتقد طول بقاء الحكام على رأس أنظمتهم، وجدناه «على المقلب الآخر» لم يتورع في أن يعمر على رأس حزبه مدة أطول من فترات حكم الأنظمة التي يعارضها، ويتهمها بالديكتاتورية والتشبث بمقاعد السلطة. فلا غرابة والأمور على هذه الشاكلة أن ينسحب الشباب من أحزاب المعارضة التقليدية، لينتقلوا إلى «حزب شبكة التواصل الاجتماعي» في محاولة تنظيم خط عقائدي يعيد إلى السياسة قيمها السامية. إنها رسالة موجهة إلى كل معارضات العالم، رسالة أن الصدقية تمر عبر أخلقة الحقل السياسي أولا، ثم مقاربته كجسم عضوي من المجتمع، لا كنبتة طارئة.
باحث أكاديمي وإعلامي فرنسي
ما ورد أسفل (أزمة المعارضات) يُبين لي على الأقل، أن المستشرق الفرنسي (بيير اوي ريمون) لم يفهم أو يستوعب معنى (الوظيفة) في النظام البيروقراطي لدولة الحداثة، وهل لها ارتباط بمعنى الزمن ومعنى الإنتاج لكي تستطيع أي دولة أن تنافس في أجواء العولمة (بعد 1945) والإقتصاد الإلكتروني (بعد عام 1992)، أم لا؟!
أو بمعنى آخر هل وظيفة حوكمة الحكومة الإليكترونية، من حق الآلة (العالة)، أم من حق الإنسان والأسرة والشركة المنتجة في دولة الحداثة؟!
لكي يكون العائد أو الإيرادات أكثر للدولة،
بعد أتمتة صرف العملة (للوظائف)، بداية من الهند (تحت رئاسة مودي) وتم تكريمه لذلك في دبي في قمة الحكومات الإليكترونية عام 2018.??
??????