إسطنبول- “القدس العربي”:
عاد ملف أزمة المياه بين تركيا والعراق إلى الواجهة مجدداً، وذلك عقب إعلان تركيا تشغيل سد إليسو على نهر دجلة جنوبي البلاد بطاقته الكاملة، وتأخر موسم الأمطار الذي أدى إلى جفاف الكثير من السدود، وتزايد الخشية في العراق من أن تؤدي الآثار السلبية للسد التركي وتأخر الأمطار إلى أزمة مياه غير مسبوقة وسط تحذيرات من موجة جفاف وعطش قد تضرب البلاد إذا لم يتم التوصل سريعاً إلى اتفاق مع تركيا.
وتتزامن أزمة المياه في العراق والتحذيرات من مخاطرها مع تراجع مياه الأمطار في تركيا إلى مستويات غير مسبوقة، ما أدى إلى جفاف الكثير من السدود في البلاد وتراجع منسوب المياه في سدود أخرى إلى مستويات متدنية غير مسبوقة، وسط خشية من معاناة مناطق واسعة من نقص كبير في المياه خلال الفترة المقبلة.
ونهاية الشهر الماضي، أعلن وزير الزراعة التركي بكير باكديميرلي أن إنتاج الطاقة بسد إليسو في جنوب شرق البلاد بلغ كامل طاقته، وذلك بعد أشهر قليلة من إعلان الرئيس رجب طيب أردوغان البدء بملء السد الذي ظل لسنوات طويلة محل خلاف كبير مع العراق حيث حذرت بغداد مراراً من أن ملء السد سوف يؤدي إلى تقليل كميات مياه نهر دجلة التي تصل العراق والمساس بحصته من مياه النهر وما ينتج عن ذلك من مخاطر كبيرة.
وعلى الدوام، حذرت وسائل الإعلام العراقية بقوة من “مخاطر” الخطوة التركية على الأمن المائي للعراقي كون السد التركي الكبير سيحجز جزءا مهم من مياه نهر دجلة ويمنع وصولها إلى العراق الذي يعاني من نقص بالمياه، لكن المستويات العراقية الرسمية بقيت أقل حدة في خطابها، وشددت على ضرورة التعاون مع تركيا لحل الخلاف حول سد إليسو أبرز أعمدة مشروع (غاب).
ومشروع جنوب شرق الأناضول (غاب) هو مشروع استراتيجي تعمل عليه تركيا منذ عقود، يتضمن بناء 22 سداً على نهري دجلة والفرات، ويهدف إلى تطوير المناطق الفقيرة في جنوب شرق تركيا من خلال زيادة المساحات الزراعية ورفع الطاقة الكهربائية المولدة من السدود.
ويعتبر سد إليسو على نهر دجلة أبرز السدود في هذا المشروع، حيث بدأ العمل به منذ عام 2010، ويمكنه احتجاز كميات هائلة من المياه لتوليد 1200 ميغاوات من الكهرباء، وقد جرى تأجيل ملئه أكثر من مرة نتيجة الاحتجاجات الرسمية التي كان العراق يقدمها لتركيا.
وفي تطور جديد، نقلت وسائل إعلام عراقية، الأحد، عن وزير الموارد المائية مهدي رشيد، قوله إن بلاده سلمت تركيا رسميا بروتوكول التعاون في المجال المائي الذي أقره مجلس الوزراء مؤخراً، موضحاً أن “مسودة البروتوكول المائي التي ستجري مناقشتها مع تركيا تتضمن الإطلاقات المائية المطلوبة، بالتنسيق مع الجانب التركي”.
وعبّر الوزير العراقي عن ثقته بأن “يتعامل الجانب التركي مع الملف بواقعية”، مضيفا: “نشعر أن هناك رغبة حقيقية بين الجانبين بحلحلة هذا الملف.. هناك تجاوب ملموس من تركيا“، وتابع: “الجانب التركي وبعد أن تسلم مسودة بروتوكول التعاون، طلب مدة شهرين لدراستها، إلا أن العراق أصر على عقد أول اجتماع في 15 كانون الثاني، وهو يتزامن مع الإرادة الحقيقية لحسم ملف المياه مع العراق من قبل الحكومة التركية والرئيس رجب طيب أردوغان”.
ومن المقرر أن يرأس وزير المياه العراقي وفداً حكومياً لإجراء جولة مفاوضات جديدة مع المسؤولين الأتراك في أنقرة في الخامس عشر من الشهر الجاري بشأن التفاوض على برتوكول التعاون المائي بين البلدين، وهي الزيارة التي أكدتها وزارة الموارد المائية العراقية.
وبحسب تأكيد المصادر التركية والعراقية، فإن ملف المياه كان أحد أبرز الملفات التي تمت مناقشتها بين أردوغان ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الذي زار أنقرة في السابع عشر من الشهر الماضي. وخلال مؤتمر صحافي مع الكاظمي قال أردوغان: “تركيا ستكون دائماً إلى جانب العراق والمياه لن تكون نقطة خلاف بل يجب أن تكون نقطة التعاون، وحسن النية هو مفتاح الفرج”.
وكان أثيل النجيفي القيادي في الجبهة العراقية، قد كشف عقب الزيارة، عن أن أردوغان عرض على الكاظمي التعاون في ثلاث ملفات وهي الأمن والاقتصاد والمياه وذلك من خلال مساعدة العراق على استخدام التكنولوجيا الحديثة لتأمين احتياجاته مع المياه.
وبدأت المفاوضات التفصيلية بين تركيا والعراق حول هذا الملف، بعدما أوفد أردوغان نهاية عام 2019 مبعوثه الخاص إلى بغداد لبحث المسألة مع المسؤولين العراقيين، حيث قدم المبعوث التركي مجموعة مقترحات خاصة بتنفيذ مشاريع لاستصلاح الأراضي، وأخرى لتنمية قطاع مياه الشرب والصرف الصحي، كما دعا المبعوث التركي إلى “ضرورة زيادة التعاون في المجالين التجاري والاقتصادي، إضافة إلى إنشاء مركز أبحاث مشترك متخصص بإدارة المياه بين البلدين مقره بغداد، وكذلك التعاون في مجال زراعة الغابات، وإنشاء مشاتل لأشجار الغابات الملائمة لظروف العراق”، كما جرى الاتفاق على تبادل المعلومات الفنية حول مناسيب “الخزين المائي”، بما يسهم في تحسين تشغيل السدود وإدارة المياه، لاسيما أثناء الأزمات في مواسم الشح والفيضان.
كما وعدت تركيا العراق بمساعدته في بناء مشاريع تتعلق بالمياه والكهرباء والغابات وخطوط المياه والمجاري والتوزيع وغيرها بما يعزز البنية التحتية للمياه في العراق ويقلل من احتمالات تضرره من السد التركي، حيث تجمع مصادر عراقية وتركية على أن جزءا من مشكلة المياه في العراق لا تتعلق بالسدود، بقدر ما تتعلق بترهل البنية التحتية وأساليب الري القديمة التي تستنزف كميات هائلة من المياه.
*تعاون العراق مع تركيا تصب في مصلحته.
*كل التوفيق لهما.