أزمة دير السلطان… مأزق نظام السيسي بين إسرائيل وإثيوبيا وأقباط مصر

حجم الخط
0

القاهرة ـ «القدس العربي»: بدا النظام المصري منذ اللحظة الأولى التي تفجرت فيها أزمة دير سلطان مع الكنيسة الإثيوبية، والاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، يحاول إنهاء الأزمة دون الدخول في صراع أو تصعيد للموقف.
فالأزمة باتت معقدة، خاصة أن لها أبعادا أخرى، وبات نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في مأزق، فهو لا يرغب في دخول صراع مع إسرائيل، خاصة وأنه يتبنى مفهوم السلام الدافىء ويتطلع لبناء علاقات أكثر متانة معها، ولا تخلو أحاديثه عن أزمات المنطقة من التلويح بضرورة تطبيع العلاقات.
من جهة أخرى، يخشى من تصعيد الموقف مع الرهبان الإثيوبيين، ما يؤثر بالتالي على مفاوضات سد النهضة التي تهدد الأمن المائي المصري والمتعرقلة بالأساس.
أما داخلياً فهو لا يريد أن يبدو متنازلا تماما، حرصا على عدم صب مزيد من الغضب على النار المشتعلة في صدور الأقباط، خاصة في ظل تكرار حوادث استهدافهم على يد مسلحين، وكان آخرها هجوم المنيا ـ وسط مصر ـ الذي أسفر عن سقوط 7 قتلى و7 مصابين، وتعالت الأصوات التي تتهم السيسي بعدم القدرة على حمايتهم.
وكانت أزمة الدير الممتدة لأكثر من 100 عام بين الرهبان المصريين والإثيوبيين، تفجرت يوم 24 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عندما اعتدت الشرطة الإسرائيلية على وقفة احتجاجية نظمتها الكنيسة المصرية، في ساحة الكنيسة احتجاجًا على نية إسرائيل إجراء أعمال ترميم في الدير القبطي، الملاصق للكنيسة، المعروف باسم «دير السلطان»، وتدخلت الخارجية المصرية وقتها للإفراج عن راهب مصري أوقفته الشرطة الإسرائيلية.

الرجوع للأمن

مصادر قالت لـ «القدس العربي» إن «الكنيسة الأرثوذكسية المصرية لا يمكنها التحرك في ملف دير السلطان دون الرجوع للأجهزة الأمنية، وإن سفر وفد كنسي إلى القدس، لبحث الأزمة جاء بترتيب من الرئاسة».
وكانت الكنيسة الأرثوذكسية المصرية أرسلت وفدا إلى القدس، صباح أمس، للقاء الأنبا أنطونيوس مطران الكرسي الأورشليمي والشرق الأدنى، لبحث آخر تطورات الوضع في مشكلة دير السلطان.
وقال القس بولس حليم، المتحدث باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، في بيان أمس الخميس، إن «الوفد يتكون من الأنبا دانيال أسقف المعادي وسكرتير المجمع المقدس، والأنبا بيمن أسقف قوص ونقادة ومنسق العلاقات بين الكنيستين القبطية والإثيوبية، والأنبا غبريال أسقف بني سويف والأنبا يوليوس الأسقف العام لكنائس مصر القديمة وأسقفية الخدمات، والمهندس كامل ميشيل منسق عام الكنيسة لقضية دير السلطان».
في السياق، استهل سفير مصر الجديد لدى إسرائيل، خالد عزمي، نشاطه الدبلوماسي ببحث أزمة دير السلطان، بعد نحو 10 أيام من اشتعالها، وفق بيان للخارجية المصرية.

وفد كنسي في القدس… وسفير القاهرة يستهل نشاطه ببحث القضية

وقال بيان صادر عن الخارجية المصرية إن عزمي «استهل أنشطته بزيارة الكنيسة القبطية المصرية فى القدس، وبصحبته وفد من السفارة المصرية، فور تقديم أوراق اعتماده».
وحسب البيان «كان على رأس مستقبليه في مقر الكنيسة، الأنبا أنطونيوس مطران الكرسي الأورشليمي والشرق الأدنى».
وأوضحت الخارجية، أن الزيارة تأتي «حرصًا من السفير على وضع زيارة الكنيسة على رأس نشاطه، وفي هذا التوقيت، عقب ما تعرض له رهبانها»، في إشارة للاعتداءات الإسرائيلية.
وأشارت إلى أن «الزيارة تأكيد على الاهتمام بالحفاظ على ممتلكات الكنيسة وحقوقها الثابتة فى المدينة المقدسة، وعلى رأسها الحق التاريخي في دير السلطان».
المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية نشر تقريرا بعنوان» أزمة «دير السلطان.. الأسباب ومسارات التعامل»، تناول فيه تاريخ الأزمة وأسبابها.
وقال في تقريره إن «أزمة دير السلطان ليست وليدة اليوم، ولكن لها جذور تاريخية، حيث يشير المطران أنطونيوس إلى أن الدير ملك للأقباط الأرثوذكس منذ القرن السابع الميلادي، وتم تأكيد تلك الملكية في القرن الثاني عشر». وأضاف أن «هناك 23 وثيقة ملكية تثبت أحقية الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في ملكية الدير».
وبين أنه «رغم أحقية الكنيسة في الملكية، فقد قامت السلطات الإسرائيلية في 1970، وفقًا لمطران القدس والكرسي الأورشليمي، بكسر أبواب الدير، وتسليم مفاتيحه إلى رهبان الحبشة بسبب الأوضاع السياسية في ذلك الوقت، وهو الأمر الذي دفع الكنيسة الأرثوذكسية إلى رفع قضية حكم فيها خمسة قضاة بأحقية الكنيسة في ملكية الدير، ولكنّ القرار لم ينفذ حتى الآن».

منع الترميم

ووفق مطران القدس والشرق الأدنى الأنبا أنطونيوس، فقد «تم التعاقد مع شركة لترميم كنيسة الملاك التابعة لدير السلطان، والتي تم انتزاع حجر أساسي منها أثناء قيام الكنيسة المارونية بترميم إحدى كنائسها التي تقع أعلى الدير. لكن السلطات الإسرائيلية رفضت دخول الشركة التي تم التعاقد معها، وأبدت الحكومة الإسرائيلية رغبتها في القيام بأعمال الترميم، وهو الأمر الذي ترفضه الكنيسة».
وزاد: «قمنا بوقفة احتجاجية لرفضنا انفراد الحكومة الإسرائيلية بعملية الترميم دون تدخل الكنيسة».
وأضاف أن «الاحتجاج سلمي للمطالبة بحقوقنا كمُلّاك للدير، وسيتم اللجوء إلى القضاء، إلى جانب التواصل مع وزارة الخارجية المصرية لمحاولة حل الأمر بطريقة دبلوماسية»، لافتًا إلى أن «الكنيسة القبطية الأرثوذكسية لن تترك الدير أبدًا لكونه ملكية أصيلة لمصر وللمصريين». وأشار إلى اعتداء القوات الإسرائيلية على الآباء الرهبان من أبناء الدير، و«عدم احترامهم الوقفة السلمية وكونهم رجال دين».
ونفى صحة قيام السلطة الإسرائيلية بتسليم دير السلطان لبطريركية الأقباط الأرثوذكس، حيث أكد أن قرار المحكمة العليا الإسرائيلية عام 1971 لم يُنفذ حتى وقتنا هذا، ولهذا طالب كل الساعين للحق والسلام في العالم، بدعم مطالب الكنيسة القبطية الأرثوذكسية المشروعة في استرداد ديرها المحتل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية