القاهرة ـ «القدس العربي» : استبق وزير الخارجية الإثيوبي، جيدو أندارجاشيو، التحركات الدولية والقارية لمحاولة حل أزمة تعثر المفاوضات الثلاثية بين بلاده ومصر والسودان، بالتأكيد أن بلاده تعتزم البدء في ملء بحيرة سد النهضة حتى دون التوصل لاتفاق مع مصر والسودان في هذا الشأن.
وقال في تصريحات صحافية: «سنبدأ خلال الشهور المقبلة في ملء بحيرة السد، حتى لو لم يكن هناك اتفاق بين الدول الثلاث، مصر وإثيوبيا والسودان».
ومع ذلك أعرب أندارجاشيو عن أمل بلاده في التوصل لاتفاق مع مصر والسودان.
جاء ذلك قبل ساعات من الاجتماع الذي عقده أمس الاتحاد الأفريقي لبحث خلاف الدول الثلاث بشأن سد النهضة.
وكان رئيس الدورة الحالية للاتحاد الأفريقي، رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا، دعا إلى اجتماع لبحث الخلاف بين مصر والسودان وإثيوبيا بشأن سد النهضة، وذلك قبل أيام من انعقاد جلسة مجلس الأمن لبحث الأزمة.
واستمع المسؤولون الأفارقة في الاجتماع، الذي عقد أمس عبر الفيديو كونفرنس، إلى ممثلي الدول الثلاث لإعطاء الفرصة للتوصل إلى اتفاق ثلاثي ينهي الأزمة.
ويعتقد المراقبون أن هذا الاجتماع، الذي يسبق اجتماع مجلس الأمن الدولي المتوقع يوم الإثنين المقبل، يبعث برسالة إلى الأطراف الثلاثة مفادها عدم الارتياح من نقل الملف إلى مجلس الأمن الدولي وتجاهل الاتحاد الأفريقي وتدويل الملف.
وكان ممثل جنوب أفريقيا التي تشغل مقعدا غير دائم في مجلس الأمن ورئاسة الدورة الحالية للاتحاد الأفريقي، اعترض على عقد جلسة لمجلس الأمن بشأن سد النهضة، مطالبا بمنح المنظمة الأفريقية الفرصة لحل الأزمة.
وفي السياق ذاته، أكدت كينيا أهمية حل ملف سد النهضة في إطار البيت الأفريقي، وشددت على أهمية استئناف المفاوضات بين الدول الثلاث وحل الخلافات عبر التفاوض.
وقالت كينيا إن الخلافات الأفريقية ـ الأفريقية يجب أن تحل عبر آليات أفريقية.
مراعاة مصالح الأطراف
وأكد وزير المياه والري في كينيا، سيسلي كاريوكي، أهمية حل الخلافات بين دول حوض النيل في إطار حوارات بينهم.
وأجرى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي محادثات هاتفية مع رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا، تناولت تطورات قضية سد النهضة.
وقالت الرئاسة المصرية إن السيسي أطلع نظيره الجنوب أفريقي رئيس الدورة الحالية للاتحاد الأفريقي، على مستجدات القضية في ضوء طلب مصر تدخل مجلس الأمن الدولي من أجل التوصل إلى اتفاق يراعي مصالح الأطراف كافة.
وأكدت الرئاسة المصرية تمسكها ببلورة اتفاق بشأن قواعد ملء وتشغيل سد النهضة ورفض ما وصفتها بالإجراءات أحادية الجانب التي قد تلحق الضرر بحقوق مصر في مياه النيل.
في الموازاة، أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن الحوار هو السبيل الوحيد لحل قضية سد النهضة. وأعرب عن اعتقاده بأن مفاوضات الخرطوم بشأن سد النهضة لم تُستنفد، مؤكدا دعمه لها.
ومن المقرر أن يعقد مجلس الأمن الدولي الإثنين المقبل جلسة مفتوحة بطلب من الولايات المتحدة لبحث أزمة سد النهضة الإثيوبي.
ولفت غوتيريش، خلال مؤتمر صحافي، إلى أن «المخرج الوحيد في وضع كهذا يكون من خلال الحوار بين الأطراف، ونحن بتصرفهم بالكامل لمساعدتهم على إيجاد حل».
القاهرة تنتظر جلسة مجلس الأمن وتجدد رفضها الإجراءات الأحادية
ودعت الأمم المتّحدة الإثنين كلا من مصر وإثيوبيا والسودان إلى «العمل معا» من أجل حل الخلافات القائمة بين الدول الثلاث حول سد النهضة، المشروع الكهرمائي العملاق الذي تبنيه أديس أبابا على نهر النيل والذي يثير توتّرات إقليمية شديدة.
وقال ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، للصحافيين: «نحض مصر وإثيوبيا والسودان على العمل معا لتكثيف الجهود من أجل حل الخلافات القائمة بالوسائل السلمية».
وأضاف: «من المهم التأكيد على أهمية إعلان المبادئ لعام 2015 بشأن السد، وقد أكد هذا الإعلان على التعاون القائم على التفاهم المشترك والمنفعة المتبادلة وحسن النيّة والكسب المتبادل ومبادئ القانون الدولي».
وفي الوقت الذي لا يعد إلزاما على الدول الثلاث مصر وأثيوبيا والسودان، حضور اجتماع مجلس الأمن، توقع مراقبون تغيب إثيوبيا عن الاجتماع، وأكدوا أن أديس أبابا تفضل مناقشة الأمر في الاتحاد الأفريقي، وترفض لجوء مصر والسودان إلى مجلس الأمن، وتعتبره تصعيدا من دولتي المصب.
المهندس محمد السباعي، المتحدث باسم وزارة الري والموارد المائية المصرية، قال إن مصر دخلت سلسلة من المفاوضات استمرت تسع سنوات لبحث قضية سد النهضة، مشيرًا إلى أن الإعلان عن إنشاء السد بشكل منفرد من الجانب الإثيوبي، مخالف للأعراف الدولية في إدارة الأنهار المشتركة.
سياسة النفس الطويل
وأضاف في تصريحات متلفزة، أن مصر اتبعت في المفاوضات سياسة النفس الطويل جدًا بهدف الوصول إلى التوافق بخصوص آلية التشغيل والملء المتعلقة بالسد، وحتى لا تؤثر الآلية بشكل أو بآخر على دولتي المصب مصر والسودان.
ولفت إلى أن مصر وإثيوبيا والسودان لم تصل إلى اتفاق في المبادرة التي أطلقها الجانب السوداني للعودة إلى المفاوضات في 9 يونيو/ حزيران الجاري، بسبب التعنت الواضح من الجانب الإثيوبي، قائلًا إن الأمر أدى إلى إنهاء المفاوضات، واتخاذ بعض القرارات الأخرى القانونية والدبلوماسية.
وذكر متحدث وزارة الري أن مصر تعاني فجوة ما بين الموارد والاحتياجات المائية، مشيرًا إلى أن اعتماد مصر على الموارد المائية عبر الحدود لمياه نهر النيل يتجاوز 97٪.
وأحالت مصر ملف سد النهضة إلى مجلس الأمن الدولي؛ لبحث سبل التوصل إلى اتفاق جديد. وردت إثيوبيا بإرسال خطاب للمجلس للرد على مصر، قبل أن يرسل السودان خطابا ثالثًا.
وتضمن نص الخطاب الذي أرسلته وزيرة الخارجية السودانية أسماء عبد الله، إلى مجلس الأمن الدولي بشأن مفاوضات سد النهضة المتعثر، شرحا لموقف السودان بشأن المفاوضات، مشددة على ضرورة امتناع كل الأطراف عن اتخاذ قرارات أحادية الجانب، بما في ذلك البدء في ملء خزان سد النهضة قبل التوصل إلى الاتفاق، ودعت أيضا مجلس الأمن إلى دعم جهود بلادها من أجل استئناف المفاوضات.
وتقدمت مصر بطلب إلى مجلس الأمن في الأمم المتحدة حول سد النهضة الإثيوبي تدعو فيه المجلس إلى التدخل من أجل تأكيد أهمية مواصلة الدول الثلاث مصر وإثيوبيا والسودان التفاوض بحسن نية تنفيذاً لالتزاماتها وفق قواعد القانون الدولي من أجل التوصل إلى حل عادل ومتوازن لقضية سد النهضة الإثيوبي، وعدم اتخاذ أي إجراءات أحادية قد يكون من شأنها التأثير على فرص التوصل إلى اتفاق.
واستند خطاب مصر إلى مجلس الأمن إلى المادة 35 من ميثاق الأمم المتحدة التي تجيز للدول الأعضاء أن تنبه المجلس إلى أي أزمة من شأنها أن تهدد الأمن والسلم الدوليين.
واتخذت مصر هذا القرار في ضوء تعثر المفاوضات التي جرت مؤخراً حول سد النهضة نتيجة للمواقف الإثيوبية غير الإيجابية والتي تأتي في إطار النهج المستمر في هذا الصدد على مدار عقد من المفاوضات المضنية، مروراً بالعديد من جولات التفاوض الثلاثية وكذلك المفاوضات التي عقدت في واشنطن برعاية الولايات المتحدة ومشاركة البنك الدولي، والتي أسفرت عن التوصل إلى اتفاق يراعي مصالح الدول الثلاث، والذي قوبل بالرفض من إثيوبيا، ووصولاً إلى جولة المفاوضات الأخيرة التي دعا إليها السودان وبذل خلالها جهوداً من أجل التوصل إلى اتفاق عادل ومتوازن يراعي مصالح كافة الأطراف.
وتبنى مجلس جامعة الدول العربية في وقت سابق اقتراحا بتشكيل لجنة من الأعضاء لمتابعة ملف سد النهضة في مجلس الأمن، والعمل مع مصر والسودان من أجل ضمان موقف دولي داعم لحل تفاوضي للخلاف، وفق القانون الدولي.
وتعثرت المفاوضات بين مصر وإثيوبيا والسودان على مدار السنوات الماضية، وسط اتهامات متبادلة بين القاهرة وأديس أبابا بالتعنت والرغبة بفرض حلول غير واقعية. وتتخوف القاهرة من تأثير سلبي محتمل للسد على تدفق حصتها السنوية من مياه نهر النيل، البالغة 55.5 مليار متر مكعب، في حين يحصل السودان على 18.5 مليار، فيما تقول أديس أبابا إنها لا تستهدف الإضرار بمصالح مصر، وإن الهدف من بناء السد هو توليد الكهرباء بالأساس.