أزمة لبنان والخليج.. “أبعد” من “المبادرة الكويتية”

حجم الخط
0

بيروت- نعيم برجاوي: لم تحرك “المبادرة الكويتية” المياه الراكدة بين بيروت والخليج العربي، منذ الأزمة الدبلوماسية التي تفجرت بينهما أواخر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وسط حديث عن عدم ملاقاتها بـ “جواب لبناني” كافٍ.

المبادرة كان حملها معه وزير الخارجية الكويتي أحمد ناصر المحمد الصباح قبل أكثر من أسبوعين، وبعدها بنحو أسبوع سلّم لبنان جوابه بشأنها خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب في الكويت.

سحب السفراء مستمر

تشكل المبادرة محاولة لحل أزمة اندلعت أواخر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي بين بيروت والرياض وعواصم خليجية أخرى، إثر تصريحات لوزير الإعلام اللبناني السابق جورج قرداحي انتقد فيها حرب اليمن.

وتقود السعودية، منذ عام 2015، تحالفا ينفذ عمليات عسكرية في اليمن دعما للقوات الموالية للحكومة، في مواجهة قوات جماعة الحوثي المدعومة من إيران، والمسيطرة على محافظات عدة بينها العاصمة صنعاء (شمال) منذ 2014.

ومع أن الحكومة اللبنانية أكدت، أكثر من مرة، عدم تبنيها تصريحات قرداحي ورفضها الإساءة إلى دول الخليج، فإن الرياض سحبت سفيرها من بيروت وطلبت من السفير اللبناني لديها المغادرة، وهذا ما فعلته لاحقاً الإمارات والبحرين والكويت واليمن، ولا يزال الوضع على حاله إلى اليوم.

أبرز بنود المبادرة

المبادرة الكويتية تتضمن بنوداً حول ضرورة احترام لبنان سيادة الدول العربية والخليجية، ومنع تهريب المخدرات إلى الخليج، وتطبيق القرارات الدولية أبرزها 1559 الذي صدر عام 2004 وينص على حل جميع المليشيات اللبنانية ونزع سلاحها.

ولطالما شكل هذا القرار نقطة خلافية في لبنان، خصوصاً أن جماعة “حزب الله” (حليفة إيران) الممثلة في الحكومة والبرلمان وحليفة رئيس البلاد ميشال عون، تمتلك ترسانة كبيرة من الأسلحة والصواريخ.

وتتهم بعض الدول وجهات سياسية لبنانية “حزب الله” بتهديد الأمن الإقليمي والساحة الداخلية بهذا السلاح، بينما تقول الجماعة إنه “مكرّس حصرا للدفاع عن لبنان في وجه إسرائيل” التي تواصل احتلال أراضٍ لبنانية.

الجواب اللبناني لم يتطرق إلى سلاح “حزب الله”

أما الجواب اللبناني بشأن المبادرة، لا سيما في ما يتعلق بتطبيق القرارات الدولية، فاكتفى بالإعلان أنه يحترم تلك القرارات، من دون التطرق إلى تفاصيل القرار 1559، خصوصا المتعلق منها بشأن سلاح “حزب الله”.

وقال مصدر قريب من رئاسة الحكومة اللبنانية إن لبنان أكد في جوابه على المبادرة “احترام كل القرارات الدولية والعمل لاستكمال تطبيق كل مندرجاتها”.

ويبدو أن الرد اللبناني لم يكن على قدر تطلعات الخليج، وفق ما يقول خبراء ومحللون سياسيون، فيما يرى آخرون أن المبادرة تفتح باباً للتفاوض وتشير إلى أن الخليج لا يريد ترك الساحة اللبنانية لـ “حزب الله” وإيران.

استكمال للبيان الفرنسي – السعودي

يقول الصحافي والمحلل السياسي منير الربيع، إن الرد اللبناني لم يكن على قدر تطلعات المبادرة الخليجية التي أشارت إلى “حزب الله” بالاسم، فيما تحاشى لبنان في رده ذكر اسم الحزب أو القرار 1559، واقتصر جوابه على كلام في العموميات لا أكثر.

ويرى الربيع، أن المبادرة الكويتية لم تكن وليدة نفسها، إنما هي استكمال لما تم الاتفاق عليه خلال زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مطلع ديسمبر/ كانون الأول الماضي إلى السعودية، والبيان الذي صدر حينها يتطابق تماماً مع المبادرة الخليجية.

وفي ختام زيارة ماكرون، حينها، صدر بيان سعودي – فرنسي مشترك دعا إلى “ضرورة حصر السلاح بيد مؤسسات الدولة الشرعية، وألا يكون لبنان منطلقاً لأي أعمال إرهابية تزعزع أمن المنطقة واستقرارها، ومصدراً لتجارة المخدرات”.

كما أن جلسة مجلس الأمن الدولي، التي عقدت في 4 فبراير/ شباط الجاري، أكدت على تطبيق القرارات الدولية بلبنان لا سيما 1559، وهذا ما يتطابق مع المبادرة ذاتها تجاه لبنان، بحسب الربيع.

لبنان “عاجز” عن تطبيق القرارات

ويقول الربيع إن “لبنان عاجز عن تطبيق تلك القرارات حتى الآن”، مستبعدا “حصول تصعيد خليجي تجاه لبنان، طالما لم تبدر أي إساءات جديدة بحق دول الخليج، لكن ذلك ينعكس في استمرار حجب أي مساعدات خليجية عن البلد”.

ويرجح أن يبقى الوضع على حاله بين لبنان والخليج، بانتظار إما التوصل إلى اتفاق إقليمي حول ملفات المنطقة، أو إلى ما بعد الانتخابات النيابية والرئاسية اللبنانية (منتصف 2022).

وتاريخيا، كانت تسود علاقات دافئة بين الرياض وبيروت، إلا أنها توترت بعد 2016، حين اتهمت السعودية “حزب الله” بأنه يسيطر على القرار السياسي والأمني في البلاد، فضلا عن تدخله في حرب اليمن بدعم جماعات تعمل ضد الرياض، وهو ما تنفيه الجماعة.

الجواب اللبناني “كان متوقعاً”

المحلل السياسي طوني بولس يرى، من جهته، أن الجواب اللبناني جاء “مخيباً للآمال” بالنسبة إلى الدول العربية، لكنه “كان متوقعاً” نظراً إلى أن “لبنان خاضع لحزب الله منذ بداية عهد الرئيس ميشال عون في خريف 2016”.

ويضيف بولس أن ذلك سيكون له تبعات تجاه لبنان على مستوى مجلس التعاون الخليجي لاحقاً، وكذلك في القمة العربية المقبلة التي ستعقد بالجزائر (لم يُحدد موعدها بعد)، “وقد نشهد ردود فعل على الجواب اللبناني”، وفق تعبيره.

صحيح أن المبادرة قدمتها الكويت، لكنها تحمل أبعاداً عربية ودولية، تشير إلى أنها حلت مكان المبادرة الفرنسية تجاه لبنان التي كانت تحظى بدعم عربي ودولي (أواخر 2020)، لكنها فشلت وأُفرغت من مضمونها، بحسب بولس.

وعن تطبيق القرار 1559، يلفت الى أنه من الواضح أن الجواب اللبناني الرسمي جاء سلبياً، مع العلم أن هذه المبادرة لا يمكن اختيار “ما يحلو” منها، “فإما نقبلها كما هي، أو نرفضها”، على حد قوله.

ويشير بولس إلى أن هذا الواقع قد يدخل لبنان في مرحلة جديدة من المواجهة مع دول الخليج التي تتهم لبنان بأنه تحول إلى منصة لتصدير “الأذى” إلى الدول العربية، في ظل عجز حكومته على فرض الأمن والاستقرار على كل أراضيها، بحسب المتحدث.

مفاوضات ومرحلة انتقالية

في المقابل، لا يرى المحلل السياسي قاسم قصير أن الباب بات مقفلاً أمام حلّ الأزمة بين بيروت والخليج، إنما المبادرة الكويتية أصبحت الآن في إطار المفاوضات بعد الجواب اللبناني الأخير.

ويقول قصير: “من الواضح أن الدول العربية أعطت فرصة للبنان لتصحيح العلاقات”، مرجحاً أن “يكون الهدف من ذلك هو تهيئة الأجواء لحلول مستقبلية في حال نجحت مفاوضات فيينا النووية، وكذلك المفاوضات بين إيران والسعودية”.

ويضيف قصير: “نحن في مرحلة انتقالية (..) ودول الخليج تريد العودة إلى لبنان لعدم ترك الساحة لحزب الله وإيران”.

(الأناضول)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية