الحديث عن ضرورة تواجد قدر كاف من العدالة الاجتماعية في بلاد العرب، بكل مكوناتها الأساسية المتفق عليها في أدبيات الفكر السياسي، مضافاً إليها مكونات جديدة تطالب بها هذه الجماعة، أو تلك، يطرح منطقياً سؤال النظام السياسي ـ الاقتصادي الأفضل لإدارة أنظمة العدالة الاجتماعية، وحمايتها وتطويرها الدائم نحو الأشمل والأحسن.
ومن المؤكد أن النظام النيوليبرالي الرأسمالي لن يكون الأفضل: أولاً بسبب تعارض الكثير من أسسه ومنطلقاته، مثل تقليص حجم الحكومات ومسؤولياتها، لتقتصر أساساً على الأمن الخارجي والداخلي، وبعض الخدمات الاجتماعية المحدودة للفقراء، وترك كل ما يتعلق بالاقتصاد لمنطق السوق الحر المتنافس، وتفضيل متطلبات الفردانية على متطلبات الجماعة، والتعايش مع الفروق الهائلة الظالمة، في توزيع ثروات المجتمع المادية والمعنوية وغيرها… يتعارض كل ذلك مع أسس ومنطلقات فكر ومنهجية العدالة الاجتماعية. وثانياً بسبب ما جاء به هذا النظام العولمي، خصوصاً في الأربعين سنة الماضية، من أزمات وتطورات كارثية، أفقرت الملايين وأغنت القلة، ودمّرت البيئة، وسطحت الثقافة وشوهت النظام الديمقراطي. إذن فالمنطق يقتضي التفتيش عن نظام سياسي ـ اقتصادي آخر، يختلف جذرياً عن ذاك النظام الفاشل، إذ أن منطق الترقيع والإصلاحات الهامشية، وترك الأمور للزمن ليحلها، جرى تجريبه ولم يجدِ.
ما لا يمكن قبوله استمرار الحالة السياسية ـ الاقتصادية العربية الحاضرة، إذ ستقود لمزيد من الأزمات والكوارث مستقبلاً
من المؤكد أن النظام الجديد سيختلف باختلاف البلدان وتاريخها وثقافتها، وتجاربها الحياتية، ومقدار الأضرار التي جاء بها النظام النيوليبرالي الرأسمالي في تطبيقاته المجنونة، التي لا يهمها إلا الحاضر، ولو على حساب المستقبل، وإلا مقدار الربح، ولو على حساب العدالة والإنصاف، وإلا مطالب مالك الرأسمال، ولو على حساب العامل المجتهد المنهك. بالنسبة لنا، نحن العرب، مررنا منذ الاستقلال وقيام نظام الدولة الوطنية القطرية بأنظمة الإقطاع، والرأسمالية الليبرالية الكلاسيكية، ومحاولات ممارسة أشكال من الأنظمة الاشتراكية، وانتهينا، إلى القبول الأعمى والمفروض علينا، بالنظام الرأسمالي النيوليبرالي الذي نعيشه حالياً. إذا كنا صادقين حقاً في تفعيل شعار العدالة الاجتماعية، الذي طرحته جموع الملايين من الشعب العربي خلال العشر السنوات الماضية، ليكون موجوداً في الواقع العربي، فإننا بحاجة لأن نعترف بضرورة دراسة التجارب الاشتراكية العربية السابقة بعلمية وموضوعية، لنرى نوع التطوير المطلوب في الفكر السياسي الاقتصادي العربي، القادر على احتضان العدالة الاجتماعية. فمثلاً لم يوضع شرط توفر الديمقراطية التمثيلية في الحكم الاشتراكي العربي، من منطلق أن تقود وتهيمن الطبقة العاملة، صاحبة المصلحة، على الحياة السياسية. فهل أن مفهوم الطبقية الماركسية، بصفاتها وعلاقاتها القديمة، لا يزال ينطبق على ساحات الإنتاج في عصرنا الحالي، خصوصاً بعد عولمة وتفتيت عمليات الإنتاج، والمبالغة الشديدة في تخصصات عمليات الإنتاج، وبعد الإضعاف الشديد للمؤسسات النقابية، وسلبها استقلاليتها والإمعان في تجزئتها والنجاح في جعل بعضها تابعة لجهات السلطة المالية أو سلطة الحكم؟ أو مثلاً حل ما يطرحه الفكر الماركسي من ضرورة وجود نظام رأسمالي إنتاجي قادر على إيجاد فائض مالي، من أجل استعمال ذلك الفائض لتمويل وإدارة متطلبات الانتقال إلى النظام الاشتراكي. في الأرض العربية ذلك يمثل مشكلة، إذ أن الاقتصاد العربي هو اقتصاد ريعي غير إنتاجي، وهو يصرف أكثر مما ينتج من فوائض مالية. ألا يتعارض ذلك مع التوجه نحو أي نظام اشتراكي ملتزم بكل متطلبات العدالة الاجتماعية الكثيرة التي فصلناها في مقال الأسبوع الماضي؟ وفي هذه الحالة أليس قيام نوع من الوحدة العربية هو الجواب على هذا السؤال؟ أو مثل الموقف العربي مما يطرحه الغرب الرأسمالي حالياً على نفسه بشأن دمج العديد من الجوانب الماركسية في النظام الرأسمالي الحالي، من أجل التقليل من توحشه وأزماته؟ هل يمكن الإستفادة من ذلك الطرح الغربي في حل الموضوع الاشتراكي العربي؟
الأسئلة كثيرة ومعقدة، لكن ما لا يمكن قبوله هو استمرار الحالة السياسية ـ الاقتصادية العربية الحاضرة، إذ ستقود إلى مزيد من الأزمات والكوارث مستقبلاً.
*كاتب بحريني
ان الحالة العربية حاليا بكل اشكالها لا تسر صديقا ولا تغيظ عدوا ويجب مراجعة كل ما مرت يه الامة العربية من تجارب قلدت بها تجارب غربية بدون دراسة كافية واعتقد انه من المناسب لنا اصطلاح العدالة الاجتماعية بدلا من الاشتراكية