أساطير وعادات وتقاليد الألعاب الأولمبية القديمة!

حجم الخط
0

باريس ـ «القدس العربي»: على أعتاب أولمبياد باريس التي تنطلق الأسبوع المقبل، قلة يعرفون تاريخ الألعاب عند القدم، فيُروى في الأثر، أن زيفس إله السماء قاتل والده كرون إله الأرض قتالاً مريراً حتى انتصر عليه، وصار السيد المطلق للكون، فكلّل انتصاره بإقامة أعياد كانت تجري خلالها الألعاب الرياضية التي أطلقت عليها تسمية «الألعاب الأولمبية القديمة».

كانت ساحة النزال مدينة أولمبيا، إحدى المدن الإغريقية القديمة. وتيّمناً بها، كما تقول الرواية، أطلق هيراكليس اسم «أولمبية» على الألعاب، بعد انتصاره على القيصر الظالم والبخيل أفغي، وحافظ على تقاليدها وإقامتها كل خمس سنوات، لأنه وأخوته كان عددهم خمسة.
ومن الأساطير الشعبية الشائعة في ذلك العصر، أن الآلهة أبلغت القيصر الأليادي أوتوماوس أنه سيُقتل على يد صهره زوج الأميرة هيبوداميا التي تقدّم لها خطّاب كثيرون لجمالها وفتنتها. لكن القيصر الشجاع اقترح على كل متقدّم لخطبة ابنته أن يبارزه في سباق العربات التي تجرّها أحصنة أربعة، بشروط قاسية جداً. وفي حال الفوز، ينال الطالب مراده بالزواج من الأميرة ويُتوّج قيصراً، أما في الهزيمة، فيُقطع رأسه فوراً.
وتمكّن القيصر أوتوماوس فعلاً من تزيين قصر الأمير برؤوس 13 من الخطّاب المهزومين. كيف لا وخيوله كانت هدية من إله الحرب، لذا فإن انتصاره مؤكّد لا شك فيه. غير أن الخطيب الرابع عشر، الملك بيلوبس، تفوّق في المبارزة، وفي نهاية السباق انقسمت عربة القيصر بخروج إحدى عجلاتها، وكانت على سرعة عالية أودت بحياته وتحققت الأسطورة. واحتفالاً بالنصر والزواج، أقيمت المهرجانات وتخلّلتها المباريات الرياضية، إذ أصبح بيلوبس سيداً على مقاطعة الإلياد بما فيها أولمبيا، وقرّر تخليداً للمناسبة إقامة الألعاب مرّة كل أربع سنوات، وحدّد مكاناً لها إلى جوار مدينة أولمبيا في أكبر شبه جزيرة يونانية سميت بيلوبونيز، تيمناً باسم القيصر المتوج.
وأقيمت الألعاب القديمة الأولى عام 776 قبل الميلاد، لكن يُرجّح تنظيم مباريات رياضية محدودة في أولمبيا قبل أن تستقطب متنافسين من المقاطعات اليونانية القديمة. وحُدّدت مدة العيد الأولمبي، كما كان يسمى، بشهر واحد يبدأ مع اكتمال القمر في آخر شهر من فصل الصيف، ويحتفل فيه كل 1416 يوماً، وهو الرقم الذي يؤلف السنة الأولمبية في اليونان القديمة. وتسود قوانين محدودة، فيعلن السلام المقدس وتتوقف الحروب والمنازعات كلها على اختلاف أشكالها. ويلتقي أعداء الأمس في الساحات الرياضية يتصارعون، يتبارزون بروح رياضية، متنافسين على ألقاب الشرف: الأقوى – الأسرع – الأعلى.
كان اجتياز امتحان قبول المرشحين للتنافس في الألعاب عملاً شاقاً، إذ لا يكفي أن يكون المرشّح حرّاً، أي مواطناً يونانياً، لأن المشاركة كانت محظورة للعبيد أو البربر، بل عليه اجتياز مرحلة تحضير لا تقل مدتها عن 10 إلى 12 شهراً يمثل في نهايتها أمام لجنة امتحان من الإلياديين الصارمين. بعدها يخضع الناجحون لتأهيل جديد لمدة شهر. وكانت النزاهة أهم صفات المتبارين، فإذا ضبط أحدهم بجرم الغش يدفع الثمن غالياً. وإذا انتهت الألعاب وأعلنت النتائج ثم تبيّن الغش يجرّد المخالف من اللقب ويعاقب جسدياً بقسوة، ويفقد حقوقه المدنية.
وتضمن برنامج الألعاب القديمة مباريات المضمار والميدان (ألعاب القوى). فهناك الجري من المرحلة الواحدة وطولها 192.27 متراً حتى سباق الـ24 مرحلة (نحو 5 كلم). ولم يكن للمرأة دور في الألعاب القديمة، حتى أنه حُرم عليها مشاهدة المباريات. وكان جزاؤها الموت لو حضرت كمتفرّجة فقط، ربما لأن المشاركين كانوا يتبارون عراة. لكن كان للنساء الحق في امتلاك عربات وخيول وإشراكها في الألعاب.
ومن النوادر اللافتة بعض العادات التي اتبعت في دورات معينة، مثلاً في الدورة الـ65 (520 ق.م) فُرض على المشاركين في ألعاب القوى أن يكونوا مدجّجين بأسلحتهم كاملة. وتميّزت الألعاب الـ37 (632 ق.م) بمشاركة الشباب الذين تقلّ أعمارهم عن 20 عاماً، وسمح لهم في خوض سباقات الجري والمصارعة وبعدها الألعاب الخماسية. وبعد 12 عاماً، باتوا يشاركون في مصارعة اللكم.
وشارك بعض عظماء ذلك العصر ومنهم: المؤرخ هيرودوت والناشر الخطيب ديموستين والفيلسوف سقراط، وعالم الرياضيات فيثاغوروس الذي توج في المصارعة، والكاتب الأديب لوقيان. وكان الأبطال المنتصرون يتوّجون أمام معبد زيفس بغصن من الزيتون يقطع بمقص ذهبي من الحديقة الإلهية.
وأدخلت لعبة البانكراتيون (المصارعة الحرة واللكم حتى القضاء على الخصم) في الدورة الـ23 التي أقيمت سنة 688 ق.م. واعتمدت مباراة الفروسية في الدورة الـ25 (680 ق.م)، لكن الفوز كان للعربة وليس للفارس الذي يقودها. ولم تتوقف الألعاب الأولمبية حتى بعد استيلاء الرومان على الأراضي الإليادية. وفي العام 1168، أقيمت 293 دورة إلى أن حان العام 394 وأمر الإمبراطور تيودوس الأول بوقفها ومنع الاحتفالات الدينية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية