لا يمكن مواجهة العدو وخوض غمار الحرب بتفاؤل أجوف وتواكل مجتزأ من قيم دينية قيمة خالدة .. فما بعد الكيماوي ليس كما قبله، والدول صاحبة القرار ربما وصلت إلى توافق بالأحرف الأولى يضمن مصالحها جميعاً، غير آبهٍ ولا آخذ بالاعتبار الدم السوري الذي لا يعني إلا أهله. استطاعت روسيا- حتى الآن- أن تنقذ الأسد المتهالك من ضربة عسكرية غربية موعودة، لم يكن الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة ليقوموا بها كرمى عيون شهداء سورية أو أطفالها المختنقين بغازات مجرم القرن الحادي والعشرين، وقد قالها أوباما صراحة، فليس فقط من أجل الأطفال الذين قتلهم الكيماوي بل من أجل أمن الولايات المتحدة، هذا المطلب الذي عرضت روسيا تحقيقه دون طلقة أمريكية واحدة، إذاً تم التوافق على قلع ‘أنياب’ الأسد التي ربما تضر بمصالح الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، مع إبقاء ‘القواطع’ القادرة على تمزيق الشعب، فهذا ليس شأناً دولياً، والرصاص والدبابات والمدفعية والصواريخ تكفي فقط لقتل السوريين وتحقيق ‘توازن’ مع الجماعات ‘الإرهابية’ التي يحرص جميع المجتمع الدولي على محاربتها.. وبعد دخول روسيا من جهة وأمريكا وفرنسا وبريطانيا من جهة أخرى على خط الصراع بهذه المباشرة والقوة، بدت المعارضة السياسية السورية بكل أطيافها، بما فيها الائتلاف الوطني، لا في العير ولا النفير، فهي الآن أقل حتى من أن يظهر صوتها إلا مستجدياً معاتباً لائماً في وسائل الإعلام المتاحة، ومتى كانت السياسة عتاباً ولوماً واستجداء؟! ما أحال الملف السوري بالكامل إلى الأيدي التي كانت تديره من وراء حجب، وظهر المستور وبانت سوءات اللاعبين ونواياهم، إلا أنهم اختاروا الظهور العلني في فترة شهدت توافقات بعدما أداروا خلافاتهم العميقة سابقاً بأيدي لاعبين محليين تبدو مهامهم الآن في نهاياتها. أما الوضع على الأرض فهو كما هو، أيضاً يُدار بأيدي نفس اللاعبين الدوليين وشركائهم الإقليميين، ولكن هنا لا بد من مداراة الأوجه الحقيقية على حساب إظهار الفاعلين على الأرض بشتى مسمياتهم، ومن يعترض يُطرد، وتُقطع عنه ‘حنفية’ الإمداد ، فتغدو البارودة خشبة لا تصلح حتى لسوق القطيع إلى المرعى.. الرصاص بثمن، والثمن هو الولاء، والعالم يتقاتل بنا على أرضنا، محافظاً على معادلة اللاغالب واللامغلوب، بانتظار ‘الحل السياسي’ الذي يعد له الأسد عسكرياً.. فمن المعروف أن أي تفاوض سياسي بين فريقين متقاتلين يُحسم لصالح الأقوى على الأرض، والغالب في ميدان المعركة يغلب في ميادين السياسة، لذا يحرص العالم أن يتوافق جنيف2 مع واقع ميداني يكون الأنسب للفرقاء الدوليين المتصارعين في المسألة السورية، على أنه لن يقصي الأسد ولا المعارضة، لكن السؤال الأهم يبقى عن المحاصصة السياسية ومحاسبة المسؤولين عن القتل، وإذا ما دخلت هذه المحاصصة المقصودة ميادين الاستفتاءات وهذا متوقع كحل ديمقراطي يطرحه الغرب- فإن الأسد وعصابته قد أعدوا لذلك واستنفروا كل قذاراتهم العسكرية لكسب أي استفتاء مستقبلي بواقعية وتحت إشراف دولي.. فمن يراقب الآن ظاهرة القتل المجاني والقصف لدرجة تسوية قرى ومدن صغيرة بالأرض في المناطق المحررة من أرياف دمشق وحلب وإدلب والرقة ودير الزور، سيدرك أن هذا القتل العشوائي والتهجير ودفع كل السكان للنزوح، هدفه تفريغ هذه المناطق من أهلها إلى أجل بعيد، وبذلك يكون قد تم تحييد الملايين من خصوم السياسة، مقابل مدن ما زالت بأكملها آمنة تحت سيطرة نظام الأسد، ومدن أخرى ‘سنية’ الطائفة يسيطر عليها أيضاً ويستطيع على حد كبير فرض إرادات معينة عليها بالترغيب والترهيب، وما يدل على قابليتها للتجاوب هو ركونها إلى الهدوء وسكونها تحت سيطرة قواته، وإن أبدت تعاطفاً أحياناً لا يبدو ذا قيمة أمام موت أخواتها. وما هو واضح جلي من المعادلة أن ذلك الأسد قد صار بلا أنياب، صار دجاجة في السوق الأممي، فوقع على معاهدة حظر الأسلحة الكيماوية في يومين، وهو ما يحتاج إلى تسعة أشهر على الأقل في العرف الدولي، فهل سيقدم العالم لنا ‘أسداً’ بلا أنياب؟! إن كانت هذه غايتهم- وأراها كذلك- فإن الحرب ستطول..