موجة الهدم
مؤخرا، ومنذ مطلع العام 2011 طفت موجة الربيع العربي في كل من تونس ومصر واليمن وليبيا وسورية، وكان لها عميق الوقع والاثر في ارباك التوازنات وبعثرة كثير من الحسابات السياسية المبرمة بين القوى الكبرى وبين انظمة الحكم العربية المتساقطة.
سبّب قيام الثورة السورية وتجذر الازمة فيها، ارباكا كبيرا لروسيا في التعاطي مع ازمة حليفها شبه الوحيد في الشرق الاوسط، ما جعلها تكيل بمكيالين على طول امد الازمة في سورية، في محاولة لرأب الصدع واحتواء الازمة وحلها سياسيا مخافة تفكك عرى التحالف القديم بين الدولتين. الان وبعد مرور اكثر من ثلاثين شهرا على اندلاع الثورة السورية، وفشل النظام في السيطرة على اكثر من 70′ من الاراضي السورية، والادانات الدولية لجرائمه الخارقة لحقوق الانسان، اصبح أمل روسيا في المحافظة على هذا النظام من شبه المستحيلات بعد التصدع الجسيم الذي اصاب اركانه وكثرة شروخه القاتلة. فتماهى نظام موسكو مع الرغبات الامريكية التي تقضي بتدمير الترسانة الكيميائية لسورية عوضا عن الضربة التي هددت بها امريكا النظام السوري، والتي لم تحصل، اثر استخدامها السلاح الكيميائي ضد المدنيين في غوطة دمشق مما اودى بالمئات. وها هي المعارضة السورية تصرح بان هناك بعض التجاوب الروسي لحل الازمة، ما يدلل على بوادر قبول موسكو بالتخلي عن نظام دمشق طالما انه لم يعد مفيدا، وان نهايته غدت مسألة وقت ليس الا.
طهران هي الاخرى، حليفة النظام الروسي والداعمة الاساسية لنظام بشار الاسد في سورية، تماهت مع الرغبة الامريكية والمقترح الروسي في تدمير سلاح سورية النووي، لادراكها عدم قدرة الاسد على حسم المعركة لصالحه ضد الثوار، وهي ترغب حاليا بخطى حثيثة المشاركة في جنيف 2 لتضمن توفر الحل السياسي للازمة الذي يبقي على الاسد طرفا فاعلا في مستقبل سورية المجهول. كما انها ترغب في تقاسم الكعكة السورية بعد جنيف2، وان تحجز لها مقعدا في ارض سورية ما بعد الاسد، دعما لحزب الله اللبناني واستمرارا للنفوذ في المنطقة.
عوامل التقارب بين القاهرة وموسكو
منذ انقلاب الثالث من يوليو، الذي تزعمه الفريق عبدالفتاح السيسي، والذي اطاح بمرسي وحكم الاخوان، وامريكا تهدد بقطع المساعدات الامريكية التي ابتدأ ضخها عقب توقيع السادات اتفاقية كامب ديفيد، وتقدر بـ1.3 مليار دولار سنويا، وقد توقفت بالفعل بعض تلك المساعدات، كرفض للواقع الجديد الذي احدثه الانقلاب من قبل الادارة الامريكية، التي تلكأت كثيرا في تقرير ما حصل في مصر، هل هو انقلاب ام ثورة شعبية؟ وتباينت فيه تصريحات المسؤولين الامريكيين . قادة الانقلاب في مصر وسلطته المؤقتة تضايقت من جراء منع بعض تلك المساعدات واثر عليها ايضا تراجع الدعم الخليجي، فعبرت عن ذلك مباشرة باحياء علاقاتها الهامدة مع روسيا، التي توجت بزيارة رسمية لوفد روسي رفيع تكون من وزير الخارجية سيرغي لافروف ووزير الدفاع سيرغي شيوغو، وتمت مناقشة تعزيز الثقة وتقديم الدعم المتبادل بين الجانبين وصفقة اسلحة ضخمة ستبيعها روسيا لمصر في قادم الايام.
امريكا حتى اللحظة لم تبد اية ردة فعل ازاء التقارب المصري الروسي ولا حتى تحفظا مما حصل، مما يوحي بسيناريوهين محتملين ازاء ذلك التقارب:
اولهما، ان الولايات المتحدة راضية عن هذه الخطوة المصرية، التي ربما استأذنتها فيها سلطة الانقلاب، وتريد ان تقدم شيئا من الدعم للانقلاب، ولكن بالوكالة عبر اتفاق امريكي روسي خليجي، يمنع تورط امريكا المباشر في دعمه لتحافظ على سمعتها في حماية التحولات الديمقراطية في المنطقة. ولكن هذا السيناريو غير معقول نظرا لطموحات القوتين للسيطرة في الشرق الاوسط، وصراعهما القديم منذ الحرب الباردة وحتى الان.
اما السيناريو الاخر، فهو ان السيسي شعر بامكانية تخلي الولايات المتحدة عنه اذا ما فشل الانقلاب وعجزت سلطته المؤقتة عن حل ازمة الشارع المصري، وايجاد مخرج مشرف، كما حصل تماما مع حسني مبارك حين اوعزت الولايات المتحدة الى الجيش المصري باستباق اعلان استقالة مبارك عن منصبه تفاديا لتفجر الوضع ابان ثورة يناير، وحفظا على تماسك الجيش المصري، الحليف القوي لامريكا، وهذا ما عزز مخاوف السيسي على مصيره بعد فشل الانقلاب، لا سيما مع تعذر امريكا والخليج عن توفير الحصانة له وابقائه في منصبه. حينها راح يبني علاقات ثنائية مع روسيا كونها القوة الكبرى الثانية بعد الولايات المتحدة في حال تخلت عنه الاخيرة. وهذا السيناريو مقبول الى حد ما، رغم ان ملامحه لا زالت غير واضحة.
تداعيات التقارب على مصر والمنطقة
لاشك ان التقارب المصري الروسي ستكون له تداعياته الخطيرة على مصر، خاصة انه سيؤجج الصراع والتنافس العنيف بين الولايات المتحدة وروسيا على تقاسم الهيمنة والنفوذ، وربما يؤدي الى انقسام حاد بين فصائل الجيش المصري وقيادته العليا، بين من سيبقى مع الولايات المتحدة وبين من يتجه نحو روسيا. من المحتمل ان الفريق السيسي استشرف الا مكان له في الحكمن خصوصا مع مؤشرات فشل الانقلاب المحتملة، ولذلك حاول دق اسفين جديد في النظام المصري لتكبيل الاخوان او مرسي، لو قدر لاحدهما الرجوع للحكم، وجعلهم بين فكي كماشة تؤدي الى تعثر انطلاقهم في مشروعهم الاسلامي.
ايران الحليف الاستراتيجي لروسيا، ستجني بعض ثمار هذا التقارب وستستغل هذه الفرصة لربط علاقات بينها وبين مصر، لطالما تعثرت منذ عقود، مما يوفر لها موطئ قدم جديد على ارض عربية ـ بحجم مصر ومكانتها عربيا ـ لدعم مشروعها الامبراطوري التوسعي، عبر تطويق الشرق الاوسط ودول الخليج من كافة الجوانب، بعد ان ضمنت لها مقعدا في قطار الصراع في سورية، وربما تسلم لها سورية كما سلمت لها افغانستان والعراق بعد الحرب الامريكية، علاوة على تحركاتها العنيفة في اليمن عبر الحوثي. وبذلك تكون لها امكانية التصرف والعبث في ارض الجزيرة عبر ثلاث جبهات حساسة.
كما ان الصين، حليفة روسيا الاخرى، ستستطيع توسيع استثماراتها في القارة الافريقية، اذا ما نجحت في ربط علاقات مع مصر، اضافة الى ما يربطها من علاقات سابقة مع السودان، وبذلك تتمكن من بسط نفوذ اقتصادي في القرن الافريقي.
كل ما سبق ذكره من توقعات ـ ان صدَقَت، وان لم اكن متشائما ـ فانها تشي ببوادر حرب عالمية ثالثة، قد تنشب بين الولايات المتحدة وروسيا وحلفائهما لو تمكنت الاخيرة من تعزيز نفوذها مصريا وافريقيا، ما سيجعل امريكا على اهبة الاستعداد الدائم لعرقلة كل ما يتمخض عن تحركات روسيا النفوذية حفاظا على مكانتها وهيمنتها عربيا ودوليا.
‘ كاتب يمني
التقارب المصري الروسي طبيعي و حتمي بعد ان فرض الشعب المصري سلطته
مقال رائع جداً
اعتقد ان هذا التقارب عبارة عن مناورة امريكية لجعل الامور ملتبسة امامنا لكنهم لا يعلمون ان الشارع العربي اصبح اكثر وعياً بعد ان صنع ربيعه العربي