تعرض المئات من المعتقلين من كلا الجنسين لظروف اعتقال سيئة وبشعة من قبل الجيش الإسرائيلي، الذي أقام معسكر «سديه تيمان» الأشبه بمعتقل غوانتنامو في مدينة بئر السبع القريبة من غلاف غزة، حيث خصص هذا المعسكر لاستقبال المعتقلين المدنيين المقيمين داخل مراكز النزوح من مدينة غزة، والذين تم نقلهم بعد أن أجبروا على التعري إلى داخل المعتقل والتنكيل بهم، حيث شمل معسكر الاعتقال أطباء وممرضين وصحافيين فضلاً عن عشرات النساء.
وقال نادي الأسير الفلسطيني إنه تلقى مزيداً من الشهادات عن حالات تعذيب مروعة لفلسطينيين اعتقلهم الجيش الإسرائيلي منذ بداية الحرب وأفرج عنهم مؤخراً، حيث تتضمن الشهادات تفاصيل مروعة لعمليات تعذيب وتنكيل وأجسادهم شاهدة على ذلك. في حين أفاد النادي بأن سلطات الاحتلال تواصل تنفيذ جريمة الإخفاء القسري بحق عدد من المحتجزين، وترفض الإفصاح عن مصيرهم وأماكن احتجازهم وأعدادهم، وطالب النادي كافة المؤسسات الحقوقية الدولية، بالضغط على الاحتلال للكشف عن مصير المحتجزين، ووقف عمليات التعذيب والتنكيل التي يتعرض لها الأسرى.
ظروف الاعتقال القاسية
صحيفة «هآرتس» العبرية أشارت إلى أن عدداً من الأسرى المعتقلين من داخل قطاع غزة، فقدوا حياتهم نتيجة ظروف الاعتقال القاسية التي واجهوها، فيما لم تحدد الصحيفة أرقاما رسمية عن حصيلة الذين توفوا نتيجة التعذيب من قبل الجيش. ووفقاً للصحيفة فإن أحد المعتقلين تطلبت حالته عناية طبية منذ لحظة اعتقاله، لكن الجيش رفض عرضه على العيادة الطبية وإهمال وضعه الصحي أدى إلى وفاته.
ودعا المرصد الأورو متوسطي لحقوق الإنسان، إلى تحقيق دولي محايد في تصفية الجيش لمدنيين بعد اعتقالهم من مناطق متفرقة من مدينة غزة، وأوضح المرصد أنه جرى اعتقال 1200 مدني فلسطيني عقب اقتحام الجيش الإسرائيلي منازل ومراكز نزوح في مناطق متفرقة من مدينة غزة، وأكد أن قوات الاحتلال أجبرت بعض المعتقلين على حمل أسلحة بغرض التقاط صور تسوق لهم تبرير حملات الاعتقال وما يتضمنها من تعذيب وضرب مبرح، وأشار المرصد إلى أن تطابق شهادات جمعها مع ما كشفته صحيفة «هآرتس» العبرية، بشأن جرائم إعدام ميداني نفذت بحق معتقلين، في حين قضى آخرون جراء التعذيب الشديد وسوء المعاملة خلال احتجازهم داخل معسكر «سديه تيمان» الإسرائيلي، الذي وصفه المركز بغوانتنامو جديد يتم فيه احتجاز المعتقلين في ظروف سيئة داخل أماكن أشبه بأقفاص الدجاج في العراء والبرد الشديد.
وروى بعض المعتقلين المفرج عنهم مؤخراً في حوارات منفصلة مع «القدس العربي» بعض فصول التعذيب التي تعرضوا لها خلال فترة الاعتقال، والتي تنوعت ما بين الصعق بالكهرباء وتركهم عراة في الهواء البارد، وتجويعهم لأيام وإطلاق الكلاب عليهم، فجميع هذه الفصول تمثل انتهاكا صارخا لكافة الأعراف والقوانين الدولية، التي تكفل حماية المدنيين العزل خلال الحروب والصراعات.
المعاملة المهينة
الشاب عبدالله جمال أفرج عنه الاحتلال الإسرائيلي بعد اعتقال دام سبعة أيام داخل معتقل «سديه تيمان» الإسرائيلي في بئر السبع، فيما ما زال مصير أحد أشقائه المحتجزين مجهولاً ولا يعلم عن حياته أي شيء، نتيجة العزلة القاسية التي يتعرض لها المعتقلون داخل المعسكر، والذين يتم تعصيب أعينهم بقطع من القماش طوال الوقت، ولا يسمح برفعها إلا عند تناول الطعام والإفراج عنهم. يقول جمال، «بعد أن اجتاحت قوات الاحتلال الإسرائيلي معسكر الشاطئ غرب مدينة غزة، اقتحمت مركز الشاطئ الصحي التابع للأونروا، والذي كان يضم مئات النازحين المدنيين من داخل المخيم، حيث قام الجيش بإطلاق الأعيرة النارية على نوافذ المركز، وطلب من الرجال فوق عمر 15 عاما التعري والخروج مشياً على الأقدام إلى منطقة فارغة قريبة من المركز، ومن ثم قام باقتيادنا مكبلين ومعصبي الأعين إلى معسكر اعتقال داخل غزة، ومن ثم نقلنا في اليوم التالي إلى معسكر بئر السبع، الذي بدأ فيه تعذيبنا بشتى أصناف التعذيب المروعة».
وأشار إلى أن فصول التعذيب التي تعرض لها على الصعيد الشخصي، تمثلت في تعصيب العينين وتكبيل اليدين والقدمين طوال الوقت، والرش بالماء البارد خلال فترة المساء وتقديم الطعام الفاسد، عدا عن الصعق بالكهرباء خلال التحقيق والمعاملة المهينة، ورفض فك اليدين والقدمين عند الذهاب إلى الحمام، والسماح للمعتقلين النوم فقط لمدة ساعتين خلال فترة الليل.
أما الشاب جهاد الأبيض فلم يكن حاله مغايراً كثيراً، لكن ما زاد قلقه كثيراً أن الجيش اعتقله برفقة زوجته خلال تواجدهما كنازحين داخل مدرسة المأمونية التابعة للأونروا غرب مدينة غزة، حيث تم الإفراج عنه ولا يعرف شيئا عن ظروف اعتقال زوجته، وإن كان الاحتلال أفرج عنها أو لا تزال داخل المعتقل.
ويتعمد الاحتلال الإفراج عن المعتقلين بشكل مباشر دون إبلاغ الصليب الأحمر، من خلال بوابة كرم أبو سالم التجارية جنوب شرق قطاع غزة مشياً على الأقدام، حيث يلجأ المفرج عنهم إلى النزوح داخل مراكز الإيواء في مناطق جنوب قطاع غزة أو الذهاب إلى أقاربهم، لصعوبة الرجوع إلى مدينة غزة التي يواصل الاحتلال فصلها عن جنوب القطاع، ولاستحالة الاتصال بسبب الانقطاع المستمر للإنترنت، يجد جهاد صعوبة في معرفة ظروف زوجته، في وقت يواصل التنقل من منطقة لأخرى بحثاً عنها إن كانت متواجدة داخل أي من مراكز النزوح في جنوب القطاع.
ويتابع جهاد حديثه، «يتعامل الجيش مع المعتقلين بشكل وحشي، حيث تسمع صراخ النساء والشباب نتيجة التعذيب، وتشتد فترات تعذيب المعتقلين خلال الليل، وأبرز ما يتم استخدامه إجبار البعض على خلع ملابسهم ورشهم بالمياه الباردة مع الطقس البارد، عدا عن تجميع أعداد كبيرة من المعتقلين داخل مكان رملي فارغ والانهيال بالضرب عليهم».
ويرتاد الشاب محمود القوق مجمع ناصر الطبي في مدينة خانيونس بشكل شبه يومي، وذلك لتطبيب الجروح التي تعرض لها خلال فترة اعتقاله والتي استمرت لشهر داخل معسكر تيمان الإسرائيلي، حيث تضررت يداه ورجلاه، بعد أن رفض الاحتلال فك الكلبشات الحديدية التي مزقت جلده طوال فترة اعتقاله، أو حتى تقديم الرعاية الصحية له.
يشير القوق إلى أن المعتقلين يعانون من واقع مأساوي يصعب وصفه، نتيجة الانتهاك الكبير لخصوصية الكثير منهم، من خلال استفزازهم وإذلالهم والشتم بألفاظ بذيئة، عدا عن أمور شخصية أخرى يتم من خلالها تعذيب المعتقلين، وسط صمت وتجاهل من كافة المراكز الحقوقية الدولية، التي لا تسجل حالات الانتهاك بحق المعتقلين المدنيين.
ويواصل الاحتلال الإسرائيلي هجماته البرية والجوية على قطاع غزة منذ بدء العدوان في 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، موقعاً مجازر دامية وبشعة بحق المدنيين العزل، وسط إصرار إسرائيلي على مواصلة حرب الإبادة بحق المدنيين، مع عجر الاحتلال عن تحقيق أي من الأهداف والإنجازات على أرض الواقع.