لنقل على سبيل التبسيط إن الأسطورة هي دين مرحلة ما قبل الأديان، أو إن الأديان القديمة كانت أسطورية تذوب فيها الفوارق بين الإنسان والإله، أو بين الطبيعة والإله، حيث وجد الإنسان/الإله أو الحيوان/ الإله أو الظاهرة/الإله، لتزحف الأسطورة نحو مراحل ظهر فيها أنصاف الآلهة/أنصاف البشر، قبل أن ندخل مرحلة الأديان السماوية التي فصلت بين الإله والإنسان، رغم تسرب أنساغ أسطورية إلى الأصول التكوينية لبعض تلك الأديان، التي استمرت فيها عقيدة الإنسان/الإله، أو فكرة حلول اللاهوت في الناسوت، كما في المذاهب الرسمية المسيحية بالنظر لشخصية السيد المسيح، وكما لدى بعض الفرق الإسلامية مثل تلك التي أضفت صفات إلهية على أئمتها، أو تلك التي قالت بالحلول والاتحاد.
والواقع أن التنظير الديني لمثل تلك «الأسطرة المقصودة» لأغراض دنيوية ما هو إلا محاولة لإيجاد غطاء ديني تستطيع من خلاله شخصيات أو شرائح مجتمعية معينة أن «تتميز» عن غيرها، للتأسيس لفكرة «الحق الإلهي المقدس» لتلك الشرائح التي «تنتمي جينياً لدماء مقدسة» وهو ما يؤهلها للقيام بأعمال لا يقدر عليها بقية الناس، وهو ما أشار إليه بدر الدين الحوثي بقوله عن الإمامة إن «أهل البيت هم أقدر من غيرهم على القيام بهذا الشأن» وبالتالي فإن الحق في السلطة والثروة يظل محصوراً في سلالات محددة، أسوة بصنيع بعض فراعنة مصر وملوك فارس وأباطرة الروم وغيرهم.
ولأن الأسطورة هي الدين البدائي الذي سقطت فيه الحدود الفاصلة بين الإله والإنسان فإن الدين – كان ولا يزال – هو الحقل الأنسب لمحاولات الأسطرة عبر التاريخ، إذا لا تزال المحاولات مستمرة لأسطرة بعض الشخصيات في الحقلين الديني والسياسي بدافع من حب التميز والاستنفاع مادياً وسياسياً.
والغالب على الشخصيات «المؤسطَرة» التي تسعى للدخول في هذه اللعبة أنها شخصيات عادية غير موهوبة، وفقيرة الخيال، وتتسم أحياناً بضعف قدراتها الذهنية، وهو ما يجعلها تتخذ من عمليات الأسطرة وسيلة للتغلب على شعورها الداخلي بضعف الملكات والقدرات، ليأتي الأتباع فيكملوا بعض المهام التي تركت لهم في تحويل أشخاص عاديين إلى شخصيات بقدرات خارقة.
وبطبيعة الحال، فإنه يلزم مثل هذه العمليات في الأسطرة وجود بيئات مجتمعية تتحلى بمواصفات محددة، لكي تتقبل بمثل تلك العمليات التي ازدهرت في مجتمعات ذات تراث مخصّب بالأساطير، أنتج الملاحم الأدبية لدى الفرس والروم والإغريق كالشاهنامه للفردوسي والإنيادة لفيرجيل والإلياذة والأوديسا لهوميروس وغيرها من الملاحم التي يرتقي فيها الأبطال إلى مصاف الآلهة، وتذوب فيها الفواصل بين الإنسان/الملك/البطل من جهة والإله من جهة أخرى.
ونتيجة لاختلاف الخصائص الثقافية والدينية والنفسية والذهنية والبيئية للمجموعات البشرية فإن «الأسطورة» ازدهرت لدى بعض الشعوب والثقافات دون غيرها، حيث ترتبط الأساطير بوجود بيئة طبيعية وثقافية مناسبة.
مقولة صناعة البشر للدين لا تقل سذاجة عن مقولة إن خامنئي يلتقي بالإمام المهدي كل ليلة جمعة، ليأخذ منه تعليمات الله مباشرة
وفي المجتمع القبلي في الجزيرة العربية لم يكتب لهذا اللون من التفكير أو هذا النوع من الأدب أن ينتشر، وجاء الإسلام في هذه البيئة الواضحة في تضاريسها، وغير المعقدة في خصائصها الطبيعية، فوضع حدوداً واضحة بين الله والإنسان، حيث نجد في القرآن تشنيعاً شديداً ضد أية محاولة لإسقاط الحدود بين الخالق والمخلوق، ورفضاً قاطعاً لإضفاء أية خصائص إلهية على أيٍ من «المسيح أو العُزير أو العجل أو الأصنام أو الأولياء والشفعاء وغيرهم».
لكن بعض المسلمين اقتبسوا ـ فيما بعد ـ بعض الأفكار والمعتقدات التي تؤسطر للأشخاص من سياقات دينية وثقافية أخرى، وخاصة بعد توسع الإسلام وانتشاره لدى شعوب بخصائص دينية وثقافية تشيع فيها الأسطورة في المعتقدات الدينية والإنتاج الأدبي والمرويات الشعبية مثل بلاد فارس القديمة وغيرها.
ومن هنا جاءت محاولات أسطرة بعض الأئمة ورفعهم إلى مصاف الآلهة، حيث ترى بعض فرق الشيعة وجود خصائص إلهية لعلي بن أبي طالب والأئمة من بعده، فيما ترى فرق أخرى أن الله حل فيه «علي إلهي» وبعض الفرق المنسوبة للتصوف استلهمت فكرة «وحدة الجود» فقالت بالاتحاد بين الله والإنسان، كما حاول بعض خلفاء العباسيين وسلاطين السلاجقة وخلفاء آل عثمان تصوير أنفسهم على أساس أنهم «ظل الله في الأرض» أما الخليفة الفاطمي «الحاكم بأمر الله» فزَعَم أو زُعم أن الله قد حل فيه.
وغالباً ما تتم أسطرة شخص ما بإيعاز منه لغرض نفعي، وأحياناً تكون من الأتباع أو المريدين للغرض نفسه، حتى وإن كان الشخص المؤسطَر هو من يرفض الفكرة، فقد ورد أن المسيح رفض أن ينادى بألفاظ تفخيمية، بقوله: «إنما أنا عبدالله» وقيل لبوذا: هل أنت إله، قال لا، قيل فأنت ملَك، قال لا، قيل: فمن أنت؟ قال مستبصر أو مستنير، وجاءت التعليمات لنبي الإسلام بأن يقول «إنما أنا بشر».
وعلى الرغم من أن نبي الإسلام هو الشخصية الأولى عند المسلمين إلا أن عمليات الأسطرة لم تنصرف إلى الشخصية النبوية، ولكنها ذهبت لأسطرة وتأليه شخصيات إسلامية أقل شأناً من شخصية النبي نفسه. ومرجع ذلك إلى عوامل مختلفة، يأتي في مقدمتها أن الذين أسطروا عمدوا إلى شخصيات يمكن ـ من وجهة نظرهم – تخصيصها وحصرها على فرقة معينة، فيما يصعب تخصيص الشخصية النبوية على فرقة مسلمة دون غيرها، وذلك تماشياً مع رغبة تلك الفرق الأقلوية في تعويض أقلويتها بأسطرة ما تعتبرها رموزاً خاصة بها، إمعاناً في المزيد من «التميز» عن «عامة» المسلمين.
وعلى الرغم من وجود محاولات لأسطرة أو تأليه بعض الشخصيات في تاريخ الإسلام إلا أن تلك المحاولات كانت هامشية في الحقل الإسلامي، وظل الاتجاه الأغلب لدى الفكر الديني عند المسلمين يعلي من شأن الحدود الفاصلة بين الله والإنسان، ولم تلق تلك المحاولات الانتشار الذي لقيته عقيدة «لاهوتية المسيح» في المذاهب المسيحية الرسمية.
واليوم، وإن كان الاهتمام بالحقول الدينية قد خفت لدى كثير من المجتمعات إلا أن بعض الفرق والجماعات والميليشيات والأنظمة السياسية تحاول إضفاء نوع من القداسة على زعمائها، لا لشيء إلا للانتفاع السياسي للأشخاص والمنظومات، في استغلال واضح لبيئات ينتشر فيها الفقر ويرتفع فيها منسوب الأمية، وهي البيئات المثالية لانتشار أفكار ومقولات وشعارات تقول إن الله فوض فلاناً من الناس، واختاره ليكون قائداً رمزاً، أو ولياً مقدساً، أو إماماً معصوماً، وهي الأفكار التي تنهل من الأساطير القديمة ما تقدمه للناس على أساس أنه الدين الحق، الأمر الذي جعل الكثيرين يرددون الأسطوانة القديمة أن «الأديان صناعة بشرية» كردة فعل على سذاجة «أسطرة الساذجين» وفي محاولة لسحب البساط من تحت أقدام الانتهازيين النفعيين الذين حولوا الأديان إلى وسائل في معترك الحياة السياسية، غير أن مقولة صناعة البشر للدين لا تقل سذاجة عن مقولة إن خامنئي يلتقي بالإمام المهدي كل ليلة جمعة، ليأخذ منه تعليمات الله مباشرة، حيث يبدو أن أصحاب المقولتين يلتقون على قاعدة واحدة من السذاجة والتبسيط.
كاتب يمني
العدو الأول للمسلمين هو الجهل!
قال الإمام علي بن أبي طالب
فَلا تَصحَب أَخا الجَهلِ – وَإياكَ وَاِيّاهُ
فَكَم مِن جاهِلٍ أَردى – حَليمًا حينَ آخاهُ
ولا حول ولا قوة الا بالله
بسم الله الرحمن الرحيم:
وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ
وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ
قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ
وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّىَ يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ
105 – 109 سورة يونس
(بعض الفرق والجماعات والميليشيات والأنظمة السياسية تحاول إضفاء نوع من القداسة على زعمائها، لا لشيء إلا للانتفاع السياسي للأشخاص والمنظومات، في استغلال واضح لبيئات ينتشر فيها الفقر ويرتفع فيها منسوب الأمية، وهي البيئات المثالية لانتشار أفكار ومقولات وشعارات تقول إن الله فوض فلاناً من الناس، واختاره ليكون قائداً رمزاً، أو ولياً مقدساً، أو إماماً معصوماً) …. اهـ
للأسف الشديد يا أستاذ محمد جميح هذا كلام مغلوط كليا بجعل مسألة تقديس أو تأليه الزعيم مقتصرة على البيئات التي ينتشر فيها الفقر ويرتفع فيها منسوب الأمية إلى آخره من أسباب النظر الأحادية الجانب التي لا تخدم إلا مأرب أيديولوجية وسياسية معينة دون غيرها !!؟ ألم تسمع بمجموعات أولئك المسيحيين الإنجيليين في أمريكا (الثرية والمتعلمة والمتقدمة على أغلب دول العالم)، أولئك المسيحيين الذين كانوا يروجون لفكرة أن دونالد ترامب أرسله الله واختاره خصيصا ليكون قائدا للمسيحيين واليهود على حد سواء ؟؟!
وهل تعتقد الست ناديا الرويلي أن أتباع ترامب الذين يقدسونه لا ينطبق عليهم ما قاله الكاتب من أنهم يعيشون في بيئة جهل مطبق دعاهم للتقديس، مثلما ينطبق على الذين يقدسون تلك العمائم عندنا؟
الجهل مصيبة وهو مدعاة التقديس لدى بعض الأديان والطوائف.
تحية قلبية للأخت ناديا الرويلي على الملاحظات النقدية الثاقبة ، بلادنا بحاجة ماسة لأمثالكم !!
وكما قيل للشحات قبلا الكلام الاعتباطي هنا لا يجدي نفعا ، حفظت شيئا وغابت عنك أشياء ؟؟
شكرًا من الأعماق أخت ناديا الرويلي
حياك الله أختنا العزيزة ناديا الرويلي، كلام يجب أن يكتب بماء الذهب وكثيرين من االجهلة لا يروق لهم هذا الكلام، وحياكم الله الإخوة أصحاب العقول المتنورة والضمائر الحية باقر العسفة وبلحارث البيهسي !!
أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن قلة العلم وفقده وانتشار الجهل في الأمة، حيث يكثر الفساد قبل قيام الساعة، روى أبو موسى وابن مسعود أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «إن بين يدي الساعة لأياماً ينزل فيها الجهل ويرفع فيها العلم ويكثر فيها الهرج»، فمن دلائل النبوة ما أخبر النبي من أنه يكون بين يدي الساعة، ونراه أو نرى بعضا منه في الكثير من الجَهَلَة والعتفة والعسفة وما شابه في حياتنا اليوم !!
ولا حول ولا قوة إلا بالله
هذا التعقيب ليس لي
ما ذكرته استاذ جميح من امتناع الاسطرة على شخص النبي _ صلى الله عليه و سلم _ صحيح نسبيا اذا ما ابتغاها من ابتغاها لاعلاء شأن طائفته دن سائر المؤمنين، لكن المانع القاطع في مسألة الاسطرة هذه كانت نصوص القرآن و السنة بالاساس، و لذلك انصرف المؤسطرون الى ال البيت و ليس الى النبي لان مصادمة النصوص كانت ستكون فاضحة!
تبدأ معظم العقائد بأمور مقنعة للناس كحماية نفس وعقل وعرض ومال وكرامة وحرية وعدالة لكن المشكلة قابلية الناس على الهبل والإستهبال فكل العقائد سواء قديمة أو حديثة بقرون غابرة أو بعصر حديث وسواء كانت عقائد سماوية أو وضعية أو علمانية جميعها قد فرخت رجال عقيدة يستهبلون باقي الناس بتحريفها تدريجياً لتحقيق مصالح شخصية أو فئوية أو تقديس أشخاص للإستقواء على الناس واستباحة أموالهم وأعراضهم سواء عن طريق فن خطابة ورواية بدائل للحقائق بطرق مقنعة للعامة أو بطرق أمنية وعسكرية لفرض واقع يعدم كرامة وحرية وعدالة.
وجود بعض المتعلمين والأثرياء من الاتباع الطقوسيين مع ترامب لا تلغي فكرة أن أغلب الأتباع الآخرين من المهمشين والفقراء. اقرائي كتاب الغنوصية في الاسلام لمؤلفه الألماني هاينس هالم ، سواء كنت ياسيدة ناديا الرويلي في ألمانيا او في أيرلندا..ففيه الجواب الشافي المطابق لاستنتاجات الكاتب في المقال.
ان تقديس الاشخاص و اسطرتهم هو فعل بشري لا يختص بدين او طائفة بعينها و لكن الكاتب وضع صورة الخميني لتوجيه البوصلة باتجاه واحد لوصفهم بالجهل في كل افعالهم في محاولة بائسة لتنزيه باقي الطوائف وهذا جعل اتباع باقي المذاهب يعلقون هنا و يبرؤون انفسهم من تهمة الجهل التي يغرق فيها الجميع
يعني خميني الذي ظل يرفض وقف الحرب مع بلدك أصبح رمزاً للعراقيين الشيعة؟
خميني إيراني وأنت عراقي أخي الساعدي.
وهو رجل سياسة وليس إمام الشيعة العرب.
من نافلة القول ان عبادة الشخصية ظاهرة طائفية بامتياز غايتها فرض سلطان الزعيم على اتباعه بالخداع والدجل..
فيحيط نفسه ببطانة توحي للاخرين قداسته.من هنا تبدأ أسطرة الأشخاص.والهدف ابتزاز المال بوسائل متعددة لحقيقة واحدة هي نيل السلطة. والاتباع مستويات فيهم الغني الغبي والفقير القانع والسطحي الأحمق.لهذا الأسطرة تحارب الوعي والعلم في المنهج والأشخاص.وتشيع الجهل لتحقيق مآربها باسم القداسة ، وفي واقع الحال هي منافقة وأبعد الناس عن القداسة وطقوسها الحقيقية.قرأت تعليقات الأخوة القراء..استغراب أن بعضهم يريد فرض محتوى تعليقه على الاخرين وهو تعليق خداج ، وهذا نوع من الأسطرة.لأن التسلط الفردي أحد اركان الأسطرة.
احسنت وتحليل رائع يستحق الاحترام…ومن اكثر الشعوب في العالم التي تقدس من يجيد فن الخطابة هم العرب يعشقون الخرافة والكلام.
رفض الامام علي (ع) تاليه الناس له ولاهل بيته فقال :- قولوا عنا عبادا مربوبين وقولوا فينا ما شئتم ) ومعنى كلامه عليه السلام عليكم ان تنظروا الينا على اننا بشر مثلكم ولسنا بألهة وان اردتم مدحنا والثناء علينا فامدحونا بصفات تنطبق على البشر واثنوا علينا بنعوت مما يستساغ على الانسان حملها ونعته بها من قبل الاخرين خارج حدود الكبرياء الذي لا يليق بغير الله سبحانه