«أصنام» الأسد وعبادة الشخصية

حجم الخط
0

يعود نظام عائلة الأسد إلى سابق عهده وكأنه لم يتعظ من ثورة الشعب السوري ضده خلال ثماني سنوات، ومقتل نصف مليون إنسان، وتدمير سوريا، وتهجير ثلث سكانها، واحتلال أراضيها من قبل قوى اقليمية ودولية. فبالأمس ثار أهل درعا البلد، مهد الثورة السورية، ضد تنصيب «صنم» لحافظ الأسد، وقبلها أعيدت « أصنامه» إلى مدن أخرى. كإمعان من النظام في إذلال المدن التي انتفضت ضده، وإعادة تثبيت أركانه التي ثار السوريون ضدها أصلا.

المفهوم اللغوي

في المفهوم اللغوي لكل كلمة دلالتها فإن «كلمةصنم» هي ما تلائم هذه الحالة. فكلمة صنم هي منحوتة تأخذ شكلا معينا مخصصة للعبادة، وكلمة تمثال هي كلمة تدل على منحوتة فنية لها شكل، وكلمة وثن هي منحوتة لا شكل لها مخصصة للعبادة. وهذه «الأصنام « المنتشرة في أرجاء المدن السورية هي جزء من سياسة عبادة الشخصية التي اتبعها حافظ الأسد نفسه وجسدها بكل مظاهر «التأليه» لشخصه، فمصطلح « عبادة الشخصية» فيه شيء من التأليه، وهي الوجه الجديد لتأليه الحاكم كما كان يوهم ملوك الأمس أن دمهم أزرق لأنهم من أبناء الآلهة.

تأليه الحاكم

وقد ظهر هذا المصطلح لأول مرة في العام 1956 عندما استخدمه الزعيم السوفييتي السابق نيكيتا خروتشيف في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي ضد السياسة الستالينية في تأليه الذات. ومنذئذ بات هذا المصطلح ينطبق على كل حاكم يرغم شعبه على عبادة شخصه، ومن مظاهر عبادة الشخصية نصب « الأصنام» في كل ساحات المدن، ونشر البروباغاندا بأعمال الحاكم « الخارقة»، عبر وسائل الإعلام المسخرة كليا لتمجيده، إقامة التظاهرات المختلفة المجيرة لشخصه، وضع اسمه على كل صرح من صروح الدولة، إقامة العروض العسكرية والشعبية، استخدام الملصقات، والصور الكبيرة على واجهات المباني، تسخير وسائل الإعلام وخاصة السمعية البصري والأفلام والمسلسلات، وشراء ذمم الصحافيين والكتاب.
وإضافة لقب إلى إسمه يلازمه دائما كلما ذكر، فعلى سبيل المثال ادولف هتلر كان يلقب بالفوهرر ( القائد)، وبونيتو موسوليني بالدوتشيه ( القائد)، وستالين بالأخ الأصغر للشعب، وماوتسي تونغ القبطان ( الذي يدير دفة السفينة)، ونيكولاي تشاوشيسكو بعبقري الكربات ( نسبة إلى جبال الكربات في رومانيا)، وكيم إيل سونغ بالرئيس الأبدي..وفي عالمنا العربي على سبيل المثال لا الحصر كان يكنى عبد الكريم قاسم بالزعيم الأوحد ( ماكو زعيم إلا كريم)، ومعمر القذافي بملك ملوك إفريقيا، وقس على ذلك..

تشابه مع كوريا الشمالية

ولكن إذا أخذنا الحالة الأسدية نجد أن فيها الكثير من أوجه التشابه مع الحالة الكورية الشمالية، بل حتى التماثل في أكثر من وجه: التوريث السياسي من الأب للإبن، ثم الحفيد، كيم إيل سونغ الرئيس الأبدي، وحافظ الأسد إلى الأبد، الأصنام العملاقة في كل مكان، صور الزعيم، الاستعراضات الكاذبة التي توحي أن البلاد في أحسن حال، والسعادة هي السمة العامة على الوجوه..إطلاق إسم الأسد على معظم المنشآت: مكتبة الأسد، بحيرة الأسد، جامعة الأسد، مستشفى الأسد، بل بدلت أسماء شوارع ومنشآت ثقافية كانت تحمل أسماء مثل المتنبي، وأبي الفداء، وابن رشد، والزنكي لتصبح جميعها باسم الأسد وكأن هو الذي أنشأها، والأنكى من ذلك أن حتى اسم ابنه باسل الذي توفي بحادث سيارة وضعت عدة منشآت باسمه كمطار باسل الأسد، ونادي باسل الأسد للفروسية.. وحتى سوريا كاملة باتت باسم «سوريا الأسد».

البروباغندا البعثية

توظيف وسائل الإعلام والهيئة العامة للسينما في خدمة البروباغندا البعثية القائمة على مصطلح خلبي للاستهلاك المحلي: الصمود والتصدي والممانعة في وجه إسرائيل مع أن منذ حرب تشرين الأول/أكتوبر في العام 1973 لم تطلق رصاصة واحدة على الحدود في الجولان المحتل، واليوم تصول طائرات العدو الإسرائيلي وتجول في سماء سوريا وكأنها في فسحة لتقصف متى تشاء وأي هدف تشاء ونظام الممانعة والصمود والتصدي لا يمانع ولا يتصدى. أما المانشيتات في الصحف الرئيسية (البعث والثورة وتشرين) يجب أن تكون مرتبطة بنشاطات الرئيس وصورة له. وفي نشرات الأخبار الإذاعية والتلفزيونية يحتل دائما الخبر الأول.
ويشترك الأسد مع الزعيم شاوشيسكو بلقب الرفيق القائد الملهم. حتى أنه عندما أعدم شاوشيسكو في العام 1989هناك من جاء ليلا وكتب بالخط العريض على أحد أصنام الأسد عبارة: شام شيسكو، وعجزت أجهزة المخابرات عن اكتشاف الفاعل. أما صور الرفيق القائد فكانت، كما هي صور وريثه اليوم، في كل زاوية، وكل ركن، وكل محل تجاري، وفي الساحات العامة بالحجم الكبير، ولم يكن أي وزير يجرؤ أن يتحدث لوسيلة إعلامية، أو يلقي كلمة دون أن يذكر أفضال الرئيس القائد.

عبادة الشخصية

عبادة الشخصية هي بكل بساطة البديل الضروري لكل طاغية فقد الشرعية. اليوم تعاد الأصنام منصوبة في مدن منكوبة فخلفية كل صنم أبنية مهدمة ببراميل وريثه المتفجرة، وإلى جانبها المقابر الجماعية لمجازر ارتكبتها ميليشياته الطائفية، وليس بعيدا مخيمات النازحين يموت فيها الأطفال جوعا وبردا، وينظر الصنم إلى الأفق البعيد رافعا يده ليحيي إنجازات وريثه وكل هؤلاء الذين جاؤوا من كل فج عميق لنجدته. وعلى مرمى حجر أو مرميين على جدار مدرسة في درعا كتب أطفال عبارة الشعب يريد إسقاط النظام، طمسها شبيحة النظام وكتبوا تحتها: الأسد أو نحرق البلد.

كاتب سوري يقيم في باريس

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية