القاهرة ـ «القدس العربي»: تشير التقارير إلى أن حجم ما دخل غزة من مساعدات لا يكفي نسبة واحد في المئة من حاجة الغزاويين، وتنطلق الصرخات تلو بعضها ولا من مجيب، فالعالم بأسره أصيب بالصمم.. وقال السفير ماجد عبد الفتاح رئيس بعثة الجامعة العربية لدى الأمم المتحدة، إن مصر تجري مشاورات حاليا حول مشروع قرار في الأمم المتحدة يسعى لتغيير الموقف الإسرائيلي والأمريكي، وشدد على أن الولايات المتحدة باتت معزولة أكثر عن العالم، بعد أحداث غزة والانتهاكات الإسرائيلية. وأشار إلى أن الدول الممتنعة عن التصويت لوقف إطلاق النار في غزة تحاول تجنب الدخول في صدام مع أمريكا وإسرائيل. وأوضح أن هناك 13 عضوا في مجلس الأمن صوتوا لصالح وقف إطلاق النار ضد الولايات المتحدة، مؤكدا أن الولايات المتحدة حاولت تقديم تعديل على قرار وقف إطلاق النار في غزة، ووصفت حماس بالمنظمة الإرهابية. وأن هناك 153 دولة صوتت لصالح وقف إطلاق النار في غزة، وهذا يعبر عن الغضب الدولي من الانتهاكات الإسرائيلية.
وفي إطار مزيد من التعاون بين القاهرة وأنقرة عقد الدكتور خالد عبد الغفار وزير الصحة والسكان، اجتماعا مع نظيره التركي فخر الدين قوجه، عبر تقنية الـ”فيديو كونفرانس”، لبحث تعزيز سبل التعاون المشترك في المجالات الطبية بين البلدين، فضلا عن استكمال تقديم الخدمات العلاجية لمصابي غزة. وأوضح الدكتور حسام عبدالغفار المتحدث الرسمي لوزارة الصحة والسكان، أن الوزيرين ناقشا تنمية التعاون بين البلدين على المستوى الطبي والصحي، من خلال مقترح إقامة مؤتمر طبي مشترك بين مصر وتركيا في العام المقبل، يجمع المؤتمر المسؤولين كافة في المجال الطبي من القطاعين الحكومي والخاص، لتبادل الخبرات وفتح آفاق جديدة للتعاون، خاصة في مجال التصنيع، حيث إن مصر وتركيا تمتلكان من الأدوات والقدرات التصنيعية الجيدة، التي عندما تتكامل لن تخدم مصلحة البلدين فقط، بل ستشمل المنطقة العربية وافريقيا، خاصة في مجالات الدواء والمستلزمات الطبية.
ببغاوات لا أكثر
ترى من هؤلاء الذين يصفهم الدكتور وحيد عبد المجيد في “الأهرام”، بأنهم صاروا ببغاوات: أصواتُ معظم السياسيين في الدول الغربية الآن ما هي إلا صدى لما يقوله الصهاينة. يُرددون كلامهم بشكلٍ حرفي تقريبا، ولكنهم يفتقرون إلى الحساسية التي يتميزُ بها بعض أنواع الببغاوات وتتفوق فيها على كثير من البشر في هذا الزمن. يُساندون الإجرام المتزايد في قطاع غزة، وتتطابق مواقفُهم مع من يُرددون أصواتهم. تسمع كلا منهم، إذا تحدث، يقول إن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها والقضاء على المقاومة بأقل ضرر للمدنيين في قطاع غزة. ويستمرون في ترديد هذا الهُراء، وهم يتابعون مقتلة للبشر وغيرهم من الكائنات الحية، وتدميرا رهيبا للبنية التحتية والمساكن، ومعها مختلف مقومات الحياة. ولهذا، ما كان الأمر ليختلف لو أن خيرت فيلدرز زعيم الحزب اليميني الأكثر راديكالية في هولندا، نجح في تشكيل ائتلاف حكومي بعد حصول حزبه على أكبر عدد من المقاعد في الانتخابات العامة الأخيرة (37 مقعدا من أصل 150). ولكنه فشل، بعد كشف فضيحة تورط فيها مرشحه لقيادة الائتلاف الجديد خوم فان شترين، وتنحيه عن هذه المهنة، في الوقت الذي كان رونالد بالسترك أحد قادة حزب العمل (اليسار الأخضر) قد حصل على دعمٍ واسع من معظم الأحزاب المُمثلة في البرلمان المُنتخب، وكُلف بتشكيل الائتلاف الجديد. وهو يقدم نفسه بوصفه عابرا للأحزاب، وليس ممثلا لحزبه الذي حصل تحالفه مع حزب الشعب الديمقراطي على 24 مقعدا فقط. لم يفشل فيلدرز في محاولته تشكيل ائتلاف يرأسه سياسي اختاره ليكون هو زعيمه الفعلي بسبب موقفه تجاه الجرائم المهولة في غزة. فهو وقادةُ حزبه الذي بات رقما صعبا في المعادلة السياسية الهولندية منذ تأسيسه عام 2006 يُرددون بدورهم ما يسمعونه من الصهاينة. ولا يزيدون عليه إلا إفصاحا عن رفض حل الدولتين، الذي أصبح شعارا خاويا، والاعتراض على إقامة دولة فلسطينية مستقلة. ببغاوات جميعهم، سواء رددوا الصوت الصهيوني كاملا أو أنقصوا منه، ما لم تعد ثمة حاجة إلى ترديده إلا على سبيل السعي الفاشل لتجميل قُبح لا حدود له. ببغاواتُ الغرب كلُهم في هذا القُبح سواء.
وعد بايدن
يظل بايدن على حد رأي عبد المحسن سلامة في “الأهرام” هو الرئيس الأكثر كذبا بين الرؤساء الأمريكيين، فهو يفعل الشيء ونقيضه في آن واحد، دون خجل ودون احترام عقل الشعوب وإرادتهم. هو من قام بتشجيع ودعم حكومة إسرائيل في عدوانها على غزة، وقام بإمدادها بكل ما يلزم للقضاء على المقاومة الفلسطينية، سواء أكان ذلك من خلال الدعم المادي غير المشروط، أو الدعم العسكري غير المحدود المتمثل في تطوير القبة الحديدية، وإمداد العدو الإسرائيلي بأحدث الطائرات المقاتلة، والقاذفات، وتحريك الأسطول الأمريكي، وحاملات الطائرات لإمداد الجيش الإسرائيلي بكل ما يحتاج اليه للقضاء على الفلسطينيين الأبرياء في قطاع غزه وتشريدهم. حكومه نتنياهو استخدمت كل هذا الدعم في إبادة سكان غزة من الأطفال، والنساء، والشيوخ، والمرضى، ودمرت المستشفيات، والمدارس، وحاصرت القطاع بشكل كامل ومنعت عنه الغذاء، والدواء، والوقود، والماء وسط دعم أمريكي لا نهائي ولا محدود وتأكيد بايدن المستمر دعمه ومساندته لحكومة الحرب الإسرائيلية في تحقيق أهدافها بتدمير قطاع غزة. يفعل بايدن كل هذا ثم يخرج ليعلن تأييده حل الدولتين، وتحذيره لنتنياهو من فقدان الدعم العالمي بسبب القصف العشوائي لقطاع غزة، وارتفاع أعداد الضحايا من المدنيين، بل يطالبه بتغيير حكومته الرافضة لحل الدولتين قائلا: إن هذه الحكومة هي الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل، مشيرا إلى أن تركيبتها الحالية تجعل الأمور صعبة أمام إيجاد حل طويل الأمد للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. أي كذب وتناقض هذا، ويخرج مِنْ مَن؟ الراعي الرئيسي للعدوان الإسرائيلي، الذي بيده وحده القدرة على إيقاف الحرب اليوم قبل الغد. لم تحركه دماء الأطفال، ولا النساء، ولا العجائز، ولا حجم التدمير الهائل وغير المسبوق في التاريخ الإنساني، ثم يأمر مندوبه الدائم في مجلس الأمن باستخدام حق النقض «الفيتو» لإسقاط مشروع القرار الخاص بوقف العدوان على غزة. بعد كل ذلك يخرج لينتقد حكومة نتنياهو، ويعترف بأنها الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل، وأنها فقدت التأييد العالمي. واضح أن هناك أزمة عميقه يعاني بايدن وإدارته جعلته يخلط المواقف ويقول الشيء وعكسه.
عائلة واحدة
تظل الخلافات التي أصبحت علنية بين الرئيس الأمريكي بايدن ورئيس حكومة عصابات اليمين في إسرائيل نتنياهو وفق ما يرى جلال عارف في “الأخبار” من باب الخلافات داخل العائلة الواحدة. وتظل أمريكا ـ حتى الآن ـ مع استمرار حرب الإبادة على شعب فلسطين رغم اكتشاف بايدن المتأخر جدا أن مركز أمريكا الأخلاقي يسقط في العالم، بسبب هذا الانحياز الذي تحول لمشاركة كاملة في الحرب الإجرامية التي راح ضحيتها حتى الآن 18 ألف شهيد، خلاف الذين ما زالوا تحت الأنقاض، بعد ساعات من نشر بعض تصريحات الرئيس الأمريكي في اجتماع مغلق مع أنصاره الديمقراطيين، من أجل جمع التبرعات الانتخابية، وبالتالي تحدث بايدن “على راحته” مبديا خشيته على مستقبل إسرائيل في ظل حكومة تضم أمثال بن غفير، وإن كان قد أكد دعم أمريكا لإسرائيل الذي لا يتزعزع مطلقا.. بعد ساعات قليلة كان اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة لاستنئاف بحث الموقف بعد فشل مجلس الأمن في التوافق على قرار وقف الحرب بسبب الفيتو الأمريكي. ومرة أخرى جاء موقف أمريكا مصمما على البقاء في الجانب الخطأ مع إسرائيل وحربها الجنونية، وضد إرادة العالم بأكمله 153دولة تمثل حوالي 80% من أعضاء الجمعية العمومية للأمم المتحدة وقفت مع مشروع القرار (الذي أعدته مصر) وتم تقديمه باسم المجموعتين العربية والإسلامية. بينما وقفت أمريكا مع إسرائيل وثماني دول أخرى فقط (نصفها من الجزر الصغيرة) تعارض القرار، وتصر على استمرار الحرب التي تحولت ـ بدعم أمريكا وأسلحتها ـ إلى مذبحة للأطفال والمدنيين..
باتت معزولة
الأرقام التي حرص على رصدها جلال عارف هنا مهمة، لأنها تعكس افتضاح الأكاذيب الإسرائيلية وانهيار التأييد لحرب الإبادة التي تخوضها. فمنذ أسبوعين فقط كان من أيد القرار السابق للأمم المتحدة بشأن الهدنة الإنسانية المؤقتة 120 عضوا، بينما تؤيد الآن 153 دولة الإيقاف الكامل والسريع والنهائي للقتال. إرادة العالم واضحة. لم تعد الشعوب فقط هي التي تدين المذبحة وتطلب الحرية والسلام لفلسطين، وإنما حكومات العالم كلها أصبحت تدرك أن القضية لم تبدأ في 7 أكتوبر/تشرين الأول، بل من عشرات السنين من احتلال عنصري استيطاني لم يتوقف يوما عن ارتكاب جرائم الحرب ضد شعب فلسطين وضد الإنسانية.. وهو يواصل الآن هذه المهمة بدعم أمريكا الذي يخبرنا الرئيس الأمريكي نفسه أنه يقود إلى السقوط الأخلاقي لبلاده.. ومع ذلك ما زال يؤكد استمراره، وتبقى حقيقة أن القرار الذي أعدته مصر ونال ثقة 80% من دول العالم ولم تعترض عليه إلا أمريكا وإسرائيل (بالضرورة) وثماني دول أخرى (بالتبعية) ليس قرارا اعتياديا، بل هو قرار استثنائي تم اتخاذه في إطار “الاتحاد من أجل السلام” ليعالج فضيحة “الفيتو” الأمريكي السابق في مجلس الأمن، وليكشف عزلة أمريكا وإسرائيل عن عالم يرفض استمرار حرب الإبادة التي ستتوسع حتما إذا لم تراجع أمريكا موقفها دون تأخير أو مناورة.
وفاة السلام
بينما ينشغل الناس بالكارثة الإنسانية المروعة الناتجة عن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وسكانه، بدأ الحديث عما سيجرى في اليوم التالي لتوقف القتال، وما يتطلبه التعامل مع الواقع الجديد من سياسات. تركز هذا الحديث على قضيتين أساسيتين هما الصيغة التي ستحكم إدارة قطاع غزة مستقبلا، وكيفية العودة السريعة إلى عملية السلام. يتابع أيمن زين الدين في “الشروق” رأيه، لا توجد دولة في العالم أكثر اهتماما وتأثرا بما يجرى في غزة من مصر، في ضوء أهميتها القصوى لأمنها القومي ومصالحها العليا، وارتباطها التاريخى الوثيق بقطاع غزة، خاصة مع اتضاح رغبة إسرائيل الجامحة في توظيف الحرب في تفريغ قطاع غزة من سكانه، وتهجيرهم قسريا إلى مصر كجزء من مخطط ابتلاع الأراضي المحتلة وتصفية القضية الفلسطينية كقضية شعب ووطن، وتحويلها إلى قضية مجموعة من البشر بحاجة إلى أماكن لاستيعابهم. لذا فهناك ضرورة ملحة لأن تأخذ مصر زمام المبادرة بالتحرك في هذا الشأن. والحقيقة أن ترك العمل إلى اليوم التالي لتوقف القتال سيكون متأخرا للغاية، لأن الأطراف الأخرى، ولاسيما إسرائيل والولايات المتحدة، تعمل من الآن على تشكيل جدول أعمال المرحلة اللاحقة والمبادئ التي ستحكمها، على نحو يناقض المصالح الفلسطينية والمصرية، ما يستدعى المسارعة من الآن بالعمل على صياغة رؤية خاصة بنا تساعد في توجيه الأحداث الجارية الآن في اتجاه أقرب لمصالحنا، وأقل انحيازا لإسرائيل، يبدأ بوقف سريع لإطلاق النار، ويسمح بتناول أكثر توازنا لمرحلة ما بعد توقف القتال، في ما يخص مستقبل قطاع غزة والقضية الفلسطينية عموما.
تمثيلية دبلوماسية
قبل التطرق لتصورات محددة حول ما يقتضيه ذلك من تحركات مصرية، يرى أيمن زين الدين، أن من المفيد الإشارة إلى ثلاثة محددات ستكون حاكمة للموقف المصري. أولها هو أن ما يحدث منذ يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، هو بمنزلة الإعلان الرسمي للوصول إلى نهاية الطريق المسدود الذي سارت عليه عملية السلام في العقود الأخيرة، وإزالة أي وهم بأنه كان يمكن أن يؤدي إلى تسوية عادلة للقضية الفلسطينية.. ثاني هذه المحددات هو أن ما شهدته العقود الأخيرة من تحولات في المعسكر الفلسطيني، وداخل إسرائيل، وعلى المستوى الدولي، ابتعدت الأمور كثيرا عن الواقع الذي أتاح بدء عملية السلام في مطلع تسعينيات القرن الماضي، وأصبح الأمر يحتاج إلى وقت وجهد كبيرين لإنضاج الظروف مجددا للعودة إلى عمل سياسي لديه فرصة نجاح، وبالتالي فإن الدعوة إلى العودة السريعة إلى «عملية السلام» يعنى التسليم بالعودة إلى ما لا يمكن وصفه سوى بأنه «تمثيلية» دبلوماسية غرضها استيفاء الشكل وتهدئة المشاعر، وليس الوصول إلى تسوية، مع إتاحة الفرصة لإسرائيل لاستكمال مخططاتها. ثالث هذه المحددات هو أنه لم يعد يجوز انتظار مبادرات القوى الخارجية، وبالتحديد الولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن كشفت الأحداث الأخيرة أنها لو تركت لهواها دون ضغوط، ودون طرح رؤى مغايرة، فإنها تميل بصورة حاسمة لكن ماكرة إلى وجهة النظر الإسرائيلية، وبالتالي تكون تحركاتها مناقضة لمصالح مصر وأمنها القومي، ينبغي أن تكون مصر هي المبادرة بالتحرك وتقديم رؤيتها بحكم موقعها ومكانتها ومصالحها كما أسلفنا.
هنيئا لنا بهم
مجرى أحداث وتطورات الحرب على غزة يكشف بعد نحو شهرين من عملية طوفان الأقصى، عن جوانب مذهلة بشأن صمود المقاومة ويكشف عدم صحة ما ذهب اليه البعض أن المقاومة، ربما لم تعد للأمر عدته. تابع الدكتور مصطفى عبد الرازق في “الوفد”: أقول هذا رغم أن المعارك ما زالت جارية على الأرض لم تحسم بعد، ورغم ضخامة وفداحة الخسائر التي لحقت بغزة وأهلها، شعبا ومقاومة، إلى حد إشارة الاتحاد الأوروبي إلى أن الدمار الذي أصاب غزة أكبر مما تعرضت له مدن ألمانيا في الحرب العالمية الثانية. كان من المفترض أن يفت ذلك في عضد الغزاويين ويجعلهم يستسلمون ويثورون ضد المقاومة، ولكن العكس هو الذي حدث، إلى حد تشكيك الكثيرين داخل إسرائيل من جدوى الحرب ونتائجها. وإذا كان هذا جانبا من الصورة، فإن باقي الجوانب تشير إلى ملامح يجب أن يتوقف عندها المرء كثيرا. أشير هنا إلى ما ذهب إليه أحد المعلقين الإسرائيليين من مساعى الدولة العبرية لرفع معنويات مواطنيها، بوصف عناصر المقاومة بالجبناء بقوله: ليتهم كانوا جبناء لخرجوا من فوهات الأنفاق رافعين الأيادي والأعلام البيضاء. وإذا كان بعضنا أصيب بالعمى ـ حفظ الله لك بصرك وبصيرتك ـ فلم يعد يرى قدرة المقاومة على الصمود فينعق فينا كالبوم بأن الخراب قد حل بقطاع غزة، دون أن يرى ما هو غير ذلك من نجاحات، فلك أن تدهش من تأكيد كاتب إسرائيلي وبلاغته في وصف فشل جيش الاحتلال كما يقول في مواجهة تنظيم “لا يملك قوة جوية ولا دبابات ولا يملك سفنا ولا أسلحة غربية دقيقة أو قبة حديدية لحماية مواطنيه”. مضيفا: لقد مر شهران والجيش الإسرائيلي لا يسحق غزة، رغم أنه لم تفرض عليه قيود دولية ولا تعوقه معارضة داخلية».
ثمن فادح
لا شك وفق ما يرىالدكتور مصطفى عبد الرازق، أن إنجازات المقاومة على الارض تتم بثمن فادح نلمسه ونراه رأى العين أمامنا في مشاهد البؤس والدمار في غزة، ولكن المهم في كل ذلك هو النتائج التي ستفرزها نهاية الحرب. في اعتقادي أن ذلك ربما سيقلل كثيرا من سقف التوقعات الإسرائيلية، وهو ما يمثل نجاحا للمقاومة بغض النظر عن خسائرها في ضوء تباين قوة الطرفين على النحو الذي أشار إليه بوضوح التعليق السابق المشار إليه للكاتب الإسرائيلي. فغزة لن تكون محررة كما كانت قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول، وقد تكون أسيرة، وإسرائيل ستحاول أن تفرض رؤيتها الأمنية لإدارة القطاع، وهناك سيناريوهات عدة في هذا الصدد، ولكن تكلفة الحرب الضخمة على إسرائيل أيضا وطول أمدها، فضلا عن أنه يقوض مفاهيم القوة التي عملت على غرسها، سيلقي تبعاته على الأوضاع هناك وستكون له تداعياته السلبية، سواء على الاقتصاد، أو حتى رؤية المواطن الإسرائيلي لوضع دولته وقدرتها على حمايته. لعله من المفيد هنا الإشارة إلى ما ذكرته تقديرات أولية لوزارة المالية في حكومة الاحتلال، من أن تكلفة قوات الاحتياط في جيش الاحتلال منذ بدء عملية «طوفان الأقصى» في 7 أكتوبر/تشرين الأول وحتى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بلغت 5.5 مليارات دولار، فضلا عما كشفت عنه صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية عن جانب آخر يتعلق بواقع الإصابات بين الجنود الإسرائيليين في المعارك، حيث أكدت وجود أرقام تظهر زيف ادعاءات الاحتلال بشأن عدد الجنود المصابين في العدوان على قطاع غزة، مشيرة إلى أن الأعداد أكبر بأضعاف. ربما لا يلقى هذا الطرح قبول الكثيرين، ولكن الدرس الأساسي لما يجري أن العدو الإسرائيلي لا يعرف سوى لغة القوة، وأن هذا هو الفهم الذي ينبغي على العرب جميعا القبول به واستخدامه في إطار من الحنكة السياسية.
عجب عجاب
عشنا وشفنا العجب العجاب بحق وحقيقي.. وما أكثر العجب العجاب في زماننا الذي رصده عبد الغني عجاج في “المشهد”: مواقف بعض الدول العربية التي تدين المقاومة الفلسطينية وتبدي (شحتفة) على ما حدث لإسرائيل وجيشها الذي لا يقهر، وقبتها الحديدية ومخابراتها التي تعرف دبة النملة يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 ومن العجب العجاب مواقف أمريكا بلد الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان التي أرسلت حاملات طائراتها لحماية إسرائيل، وأقامت جسرا جويا لإرسال الأسلحة والذخائر لجيش الدفاع الإسرائيلي لمساعدته في إبادة الشعب الفلسطيني وهدم غزة وتحويلها إلى أنقاض وأطلال. ومن العجب العجاب تأكيد واشنطن أنها مع هدنة إنسانية تسمح للجيش الإسرائيلي بالتقاط أنفاسه ولملمة جرحاه وقتلاه، وفي الوقت نفسه، تستخدم الفيتو في مجلس الأمن ضد أي قرار لوقف إطلاق النار في غزة. ومن أعجب العجب العجاب نجاح المقاومة الفلسطينية في مواجهة أعتى الأسلحة الإسرائيلية والأمريكية ونجاحها في إصابة جنود وضباط الجيش الإسرائيلي بالذعر والكوابيس والخلل النفسى. ومن العجب العجاب توجية أبناء غزة وهم يدفنون شهداءهم ويقفون على أنقاض وأطلال بيوتهم التحية لأبطال ورجال المقاومة الفلسطينية وترديدهم كلمة واحدة لا يقولها إلا أصحاب الإيمان ألا وهى: الحمد لله. ومن العجب العجاب أن السودان أصبح نسيا منسيا، رغم استمرار معاناة الشعب السودانى الشقيق واستمرار المعارك الغبية بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، التي تتلقى مساعدات عسكرية عربية وأجنبية.. ومن العجب العجاب أن بصلة المحب – التي كنا نتعامل معها كخروف للدلالة على الرضا بأقل وأرخص الأشياء – حطمت الأرقام القياسية، وتراوح سعر كيلو البصل ما بين 35 إلى 40 جنيها.. ومن العجب العجاب أن مصر أولى دول المنطقة التي عرفت مصانع السكر وزراعات قصب السكر والبنجر وصل فيها سعر كيلو السكر إلى 50 جنيها، وأصبح فيها كيلو السكر أبو 27 جنيها من وسائل الترغيب والاستمالة.. ومن العجب العجاب أننا تأقلمنا مع كل عجيب، ونتوقع أن نري الأعجب في ما هو مقبل.
ثور هائج
إسرائيل أصابها الجنون وباتت كما يصفها سامي أبو العز في “الوفد”، تضرب في كل اتجاه على طريقة الثور الهائج، ولا يزيدها لون الدم إلا جنونا، ونظرا لعدم وجود أوراق ضغط كافية في مواجهة فيتو الحليف الأكبر واشنطن ومجتمع دولي عاجز عن المواجهة، أصبحت الأمور أكثر تعقيدا، وتنبأ بكوارث عاجلة وانتقال الصراع إلى بؤر جديدة تهدد استقرار المنطقة بأكملها، بل العالم أجمع. الجنون الإسرائيلي في حرب الإبادة التي يستخدمها ضد الفلسطينيين وارتكابه جرائم حرب واختراقه لكل القوانين الدولية، يحتاج إجراءات عاجلة من المجتمع الدولي، الذي أصابه الخرس لوقف بحور الدماء في غزة، وتنفيذ حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. الملاحظ أن أمريكا نفسها بدأت تضيق بتصرفات دراكولا العصر نتنياهو، صاحب الهولوكوست الإنساني في غزة الأشهر في العصر الحديث.. وأعلن بايدن مساء الثلاثاء الماضي، أن إسرائيل بدأت تفقد الدعم بسبب القصف العشوائي على غزة، والمستمر بلا توقف، مطالبا رئيس الحكومة الإسرائيلية بتغير حكومته المتشددة. لم يكتف بايدن خلال فاعلية لجمع التمويل لحملته الانتخابية في واشنطن بذلك، بل أضاف، أن الحكومة الإسرائيلية تعارض حل الدولتين مع الفلسطينيين بالمخالفة لرغبة واشنطن. بايدن الراعي الرسمي للإرهاب اليهودي في الشرق الأوسط، اضطر لمثل هذه الأقوال للاستهلاك الإعلامي، ونظرا لما تعرض له من هجوم شديد بسبب دعمه للهجوم الإسرائيلي على غزة، أثناء احتفال البيت الأبيض بمناسبة عيد حانوكا اليهودي، إن التزامه تجاه إسرائيل «راسخ». إذن الموقف الأمريكي بالنسبة لليهود ثابت منذ عقود ولم ولن يتغير وستبقى الحليف الأكبر والداعم بلا حدود، وما يقال غير ذلك فهو كلام للاستهلاك الإعلامي. من هذا المنطلق ووفقا للثوابت التاريخية فإن التفاوض على مسألة الحرب في غزة، أو في أي جانب يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي، يجب أن يكون من خلال واشنطن، ووفقا لتعهدات وضوابط تكون طرفا فيها لأنها الوحيدة في العالم التي تملك أوراق ضغط فاعلة على اليهود. باختصار.. بايدن اضطر لمثل هذه الأقوال خوفا على إسرائيل، ورعبا من المقاومة الفلسطينية التي أثبتت على مدار الأيام الماضية منذ انطلاق عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أن حجم قوتها الحقيقية أكبر بكثير من تقديرات الاحتلال، والأهم من ذلك أن الإسرائيليين بدأوا بالفعل يفقدون دعم المجتمع الدولي، كما أنه أدرك أن جنون العملية العسكرية في غزة يدفع بالمنطقة كلها إلى كارثة لا يحمد عقباها، والأخطر من ذلك خوف الرئيس الأمريكي أن تكون حرب غزة نقطة سوداء في الانتخابات الرئاسية المقبلة، الأمر الذي يقذفه خارج البيت الأبيض.
شكل كفن
هل يُمكن اعتبار الخطأ الكبير الذي وقعت فيه شركة الملابس ذات الاسم التجاري العالمي في حملتها الإعلانية الأخيرة موقفا سياسيّا أم غباء شديدا؟ أجاب عبد اللطيف المناوي في “المصري اليوم”: هذه الحملة التي نتجت عنها الدعوة لحملة مقاطعة كبيرة في الغالب سوف تتأثر بها مبيعات الشركة كثيرا. تبدأ الحكاية عندما نشرت الشركة على حساباتها في مواقع التواصل حملتها الإعلانية الجديدة، حيث ظهرت عارضة الأزياء الأمريكية كريستين ماكمينامي، وهي تقف وسط ركام، ويحيط بها ما يشبه جثة إنسان تم لفها على شكل «الكفن». كما نشرت صورا لعارضة الأزياء وهي داخل صندوق خشبي وكأنه «تابوت»، وظهر شخص يبدو كأنه «قام من تحت الأنقاض»، وفي صورة أخرى ظهرت من داخل صندوق محطم وأمامها ما يظهر كـ«جثة في كيس موتى»، وهو ما ربطه البعض بالمشاهد المروعة التي انتشرت لجثث الفلسطينيين، الذين قُتلوا بالقصف الإسرائيلي في غزة. ورغم أن الشركة عادت وحذفت الصور من حسابها، فإن تداولها على منصات التواصل الاجتماعي لم يتوقف. الشركة أصدرت بيانا معتذرة عن سوء الفهم عن محتوى الحملة الإعلانية، وقالت «تمت إزالة جميع الصور، ونأسف لسوء الفهم، ونؤكد احترامنا العميق تجاه الجميع»، كما قال البيان، لكن هذا لم يخفف من حدة الانتقادات ومن قوة الحملات التي انطلقت ضدها. الشركة تقول إن الحملة الإعلانية تم تصميمها في شهر يوليو/تموز الماضي وتصويرها في سبتمبر/أيلول، أي قبل الحرب بين إسرائيل وحماس، وإن الصور كانت عبارة عن منحوتات غير مكتملة تم إنشاؤها لغرض وحيد هو عرض الملابس المصنوعة يدويا في سياق فني. إن ما حدث هو غباء شديد سيطر على من فكر في الحملة وصممها بشكل يخاصم الذوق والحس الإنساني في كل الأوقات، حتى لو كان ذلك قبل وقوع مجازر غزة، فإن كان تنفيذها تم بعد أحداث غزة فهذه جريمة وغياب كامل لإحساس ومسؤولية من وضع صياغة هذه الرسالة التي من المفترض أن الهدف منها جذب مستهلكين وليس تنفيرهم أو استعداءهم. حتى لو كانت الحملة منفذة قبل أحداث غزة، وتم نشرها بعدها، فإن الخطأ يقع على من وافق على نشر الحملة.
عوار القانون الدولي
أكد مرصد الأزهر أن تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار وقف فوري للنار في غـزة يعكس الوضع الكارثي الذي وصل إليه القطاع وراح ضحيته الآلاف بين شهيد وجريح ومفقود، وتحوله إلى “أرض محروقة” كما خطط الاحتلال، كي لا يصبح مكانا صالحا للفلسـطينيين، في ما بعد. ووفقا لإيمان عبد الرحمن في “الأخبار”، يشير المرصد إلى أن القرار يعكس تغيرا ملموسا في توجه كثير من الدول حيال مجريات الأمور داخل الأراضي الفلسـطينية المحتلة؛ خاصة مع تعمد الكيان الصهيوني توسيع الصراع داخليا، وهو ما نشهده في الضفة والقدس والاستفزازات التي تستهدف الأقصى المبارك، وكذلك سعيه لفتح جبهات خارجية، بما يضمن للحكومة الحالية – التي تضم بين جنباتها عتاة التطـرف المتمرسين في الإرهاب – الاستمرارية، أو على أقل تقدير مد فترة وجودها إلى حين إيجاد منفذ لورطتها الحالية بعد إقرار حلفائها والعسكريين في العالم فشل حملتها العسكرية ضد القطاع، بسبب المقاومة الصامدة أمام ضرباتها الهمجية. القرار رغم عدم إلزاميته كشف عن حاجة ماسة لتغيير ميثاق الأمم المتحدة – الذي جاء في ديباجته “نحن شعوب الأمم المتحدة وقد آلينا على أنفسنا أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب، التي في خلال جيل واحد جلبت على الإنسانية مرتين أحزانا يعجز عنها الوصف”- من خلال إدخال بنود تلزم الدول بوضع حد للحروب، إعمالا للهدف الأساسي من تأسيس الأمم المتحدة وهيئاتها. ويؤكد المرصد أنه رغم المأساة الإنسانية في غـزة إلا أنها كانت بمثابة معركة ليست فقط للتحرير، ولكن معركة وعي أثمرت عما رأيناه في العالم من مظاهرات ووقفات احتجاجية أثبتت الشعوب خلالها عن رغبتها في وأد نار الحروب والظلم والاحتلال، ليستقيم العالم بعد مآسي خلفت أعدادا كبيرة من القتلى واللاجئين، وهي الأزمات التي عجزت الأمم المتحدة ودول العالم عن التعامل معها وباتت عبئا عليها تكتوي بنارها.
القنابل لنا
لم نسمع أن الغرب وأمريكا وفق ما لفت انتباهنا كرم جبر في “الأخبار” بادروا بإرسال معونات غذائية إلى غزة من أجل الضحايا الأبرياء من المدنيين، ولكنهم فتحوا مخازنهم لأسلحة الموت الرهيبة التي تحصد الأطفال والكبار دون رحمة أو هوادة، وامتدت إلى إسرائيل الجسور الجوية لنقل أسلحة الموت الشامل، ولم تخرج طائرة واحدة لغزة تحمل الطعام والدواء. وتصدر عن الغرب بيانات تطلب إيصال المعونات الإنسانية من الدول الأخرى، بمعنى «نحن نرسل القنابل» وأنتم عليكم «الغذاء»، وهي ازدواجية غريبة تكشف أكذوبة حقوق الإنسان بالمعايير الغربية، وتعري أبسط المعاني الإنسانية التي يرفعون شعاراتها. هم أحرار في أسباب تعاطفهم الجنوني مع إسرائيل، بسبب أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ولكن لا نفهم البرود الشديد إزاء مذابح النساء والأطفال في غزة، دون أن تتحرك مشاعرهم أو يذرفون دمعة واحدة. قنابلهم وصواريخهم وأدوات القتل الرهيبة لا تفرق بين أحد، ولا تنتقى مقاتلى حماس وتترك المدنيين، ولا تهدم منازل تحتها أنفاق، كما يزعمون، وتترك المنازل الأخرى المسالمة.. وأسلحتهم لا تعرف إلا الموت للجميع. وكأنهم يقولون أنتم تطعمونهم ونحن نقتلهم، الطعام على حساب الدول المتبرعة، والقتل بأسلحة الغرب، وخرج عن هذه المأساة الرئيس الفرنسي في الأيام الأولى عندما خصص مستشفى بحريا لعلاج الضحايا، ولا ندري مصيره الآن. كنا نشكو من ازدواجية المعايير، أما الآن فهو عالم «بلا معايير»، وأثبتت الأحداث الدامية أن ما يزعمه الغرب بشأن «القيم العالمية» والديمقراطية وحقوق الإنسان، مجرد أدوات ابتزاز سياسي للنيل من الدول والحكومات المستهدفة، وفي الوقت الذي يتهمون فيه بعض الدول المناوئة لهم بالتطهير العرقي، يعتبرون القتل الجماعي الذي تقوم به إسرائيل دفاعا شرعيا عن النفس. والدفاع الشرعي في القانون الدولي ليس القتل بلا حساب، وله ضوابط، حتى لا يتحول إلى ذريعة للعدوان على الآخرين، ومن شروطه أن العدوان إذا وقع وانتهى، فلا مجال لاستخدام القوة، وتنتفي رخصة الدفاع الشرعي. وأهم شروطه أيضا الخضوع لرقابة مجلس الأمن، بهدف تحديد مدى التناسب بين أعمال الدفاع وأعمال الاعتداء، وهنا تتضح حقيقة فشل النظام الدولي في إقرار العدالة، وعجزه عن إصدار أي قرارات بسبب الفيتو الأمريكي. ولا يمكن التذرع بأنه من الطبيعي أن يسقط مدنيون في الأعمال العسكرية، وإلا تحولت الدنيا إلى غابة تسود فيها الوحوش. أما أن تكون المساعدات الإنسانية للغرب هي «القنابل» ومناشدة الآخرين بـ«الطعام»، فهي نظرية جديدة وليدة الأحداث في غزة، وتهدم تماما كل المبادئ والقيم والمثل العليا التي ينادى بها الغرب.