القاهرة ـ «القدس العربي»: أعلنت «قائمة الاستقلال» عن امتناعها عن الترشح لانتخابات التجديد النصفي لنقابة الأطباء المصريين المقرر عقدها في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، سواء على مقاعد النقابة العامة أو النقابات الفرعية.
وقالت في بيان لها، قبل ساعات من غلق باب الترشح في الانتخابات، إن القرار «جاء نظرا للعديد من الأسباب التي يأتي على رأسها بعض الظروف المحيطة التي تؤثر على جوهر العمل النقابي».
وتابعت: «كما نؤكد على استمرارنا في الدفاع عن حقوق الأطباء والمنظومة الصحية أيا كان موقعنا وصفتنا، وهذا ليس بغريب علينا».
واختتم البيان: «عملنا لسنوات وسط جموع الأطباء سواء كنا داخل النقابة كأعضاء منتخبين أو من خارجها، قبل وبعد دخول بعض أعضائنا لمجلس النقابة، لنستمر بتضامن جموع الأطباء في الدفاع عن الحق في أجر عادل وظروف عمل لائقة والسعي لحل مشكلات الأطباء والمنظومة الصحية بكل السبل المشروعة».
الدكتورة منى مينا، وكيلة النقابة السابقة وأحد رموز تيار الاستقلال في النقابة، علقت على البيان بالقول «الحقيقة كان قرارا صعبا جدا».
وكتبت على صفحتها على «فيسبوك»: «بالنسبة لي لم يكن السبب الأساسي لقرار عدم الترشح هو ضيق المساحات المتاحة للعمل النقابي، ولا ضيق المساحات المتوقعة لأي مكاسب النقابية، حيث أنني مؤمنة تماما بضرورة السعي بكل الطرق لمحاولات الإصلاح وتحسين الأحوال بقدر الإمكان، أو حتى في الأوقات الصعبة والسعي لتجنب التدهور».
ضغوط
وأضافت: «السبب الأساسي لعدم إقدامي على الترشح هو إشفاقي من وضع الأصدقاء والداعمين في المعركة الانتخابية، وضع يحملهم ضغوطا أقلق أن يتعرض لها أي من الزملاء الأعزاء».
وقالت: « خفف من صعوبة القرار يقيني أننا سنستمر بإذن الله وبدعم زملائنا في العمل والسعي بكل الوسائل المشروعة سواء كنا داخل مجلس النقابة أو خارجه، سنستمر في العمل والسعي لحقوق الأطباء في الأجر العادل وظروف العمل اللائقة، والسعي لحق المصريين في خدمة صحية جيدة وكريمة».
ومن المقرر أن يتم فتح باب الطعون من 10 وحتى 14 يوليو/ تموز الجاري، وإعلان نتيجة الطعون وأسماء المرشحين بعد نتيجة الطعون في 17 يوليو، على أن تجرى الانتخابات الجمعة 8 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.
مشكلات عديدة
وتأتي انتخابات نقابة الأطباء هذا العام في وقت يعاني فيه الأطباء المصريون من مشكلات عديدة، تتمثل في ارتفاع معدل الاعتداء على الأطقم الطبية في المستشفيات، وانخفاض ميزانية وزارة الصحة، ما ينعكس على أجور الأطباء، ويؤدي إلى هجرة الأطباء الشباب، وعدم تعويض أسر ضحايا مواجهة فيروس كورونا من الأطباء.
الأزمات التي يمر بها القطاع الطبي في مصر دفعت «المبادرة المصرية للحقوق الشخصية» لعقد ندوة تحت عنوان «قبل كورونا وبعده: محنة الأطباء المصريين» بمشاركة الطبيب فريدي البياضي، عضو مجلس النواب، والطبيب أسامة عبد الحي أمين عام نقابة أطباء مصر، والطبيب علاء غنام مدير برنامج الحق في الصحة في المبادرة المصرية.
الاعتداء على الأطباء
وطالب الطبيب أسامة عبد الحي، أمين عام نقابة أطباء مصر، بتغليظ عقوبة الاعتداء على المستشفيات.
وقال: «نحن نتعرض لظلم شديد جدا في التعامل القانوني مع الاعتداء على الأطقم الطبية في المستشفيات، في حين أن بعض الدول تعتبره جريمة ضد الإنسانية، وحتى الآن الاعتداء على طبيب لا يساوي تهمة الاعتداء على موظف أثناء تأدية عمله».
وعادة ما تشهد المستشفيات المصرية وقائع اعتداء أهالي مرضى على الأطقم الطبية في المستشفيات الحكومية، بسبب عدم توفر أسرّة للرعاية المركزة، أو عدم توفر الإمكانيات لعلاج حالات مرضية.
«قائمة الاستقلال» أعلنت امتناعها عن الترشح… و580 توفّوا بسبب كورونا
ووفقا لآخر أرقام صادرة عن نقابة الأطباء، فإن نسبة العجز في أَسرّة العناية المركزة بلغ 32٪ إذ يوجد في مصر 123 ألف سرير عناية مركزة فقط، أي سرير واحد لكل 813 مواطنا.
وحسب مراقبين، فإن كارثة العناية المركزة لا تتوقف عن نقص الأسرة فحسب، فهناك 55٪ عجزا في تمريض الرعاية المركزة، وهناك نقص مماثل في عدد الأطباء.
المسؤولية الطبية
المسؤولية الطبية أزمة أخرى تؤرق الأطباء في مصر، دفعت النقابة العامة لأطباء مصر للمطالبة بسرعة إقرار قانون «المسؤولية الطبية» في أعقاب الحكم الصادر خلال شهر يونيو/ حزيران الماضي في حق 16 طبيباً مصرياً في محافظة قنا جنوبي البلاد والقاضي بالسجن عامَين مع غرامة بقيمة 100 ألف جنيه مصري (نحو 6400 دولار أمريكي) لكلّ منهم، وذلك بتهمة الإهمال الطبي الذي نتج عنه فقدان بصر طفلة.
وكانت محكمة جنح قنا قد أصدرت حكمها في القضية التي تحمل رقم 2005 لعام 2021 جنح قنا، علماً أنّها تعود إلى يوليو/ تموز من عام 2018 عندما أُبقيت الطفلة تسبيح في حاضنة أحد المستشفيات الخاصة في المحافظة بعد ولادتها مباشرة ولمدّة أسبوعين، ونظراً إلى التكلفة الباهظة للحاضنة التي تفوق قدرة والدة تسبيح، فإنّها قرّرت نقلها إلى مستشفى قنا العام حيث بقيت لمدّة 40 يوماً، ثمّ اتّخذ الأطباء قراراً بإخراجها من المستشفى من دون أن يطلبوا من الوالدة عرضها على طبيب عيون لفحص الشبكية.
وفي اليوم نفسه الذي صدر فيه الحكم، طعنت النقابة العامة لأطباء مصر بالحكم، وكلّف أمين عامها أسامة عبد الحي، المستشار القانوني للنقابة، بالانضمام إلى هيئة الدفاع عن الأطباء.
وناشدت النقابة البرلمان المصري لإقرار قانون عادل بسرعة، من شأنه محاسبة الأطباء في حالات الأخطاء الطبية التي من الوارد حدوثها والمضاعفات المحتملة المذكورة عالمياً، الأمر الذي يحفظ حقوق الأطباء وحقوق المرضى على نحو سواء. فتُشكَّل لجنة فنية تحدّد مدى المسؤولية الطبية التي يتحملها الطبيب في ما يخصّ المضاعفات التي طاولت المريض، وما إذا كانت تلك المضاعفات واردا حدوثها أم أتت نتيجة إهمال، على أن تكون العقوبات وفقاً للقانون المدني وليس الجنائي في حالة الخطأ غير المتعمّد.
وكانت النقابة قد تقدّمت سابقاً، أمام البرلمان المصري، بمشروع قانون خاص بـ«المسؤولية الطبية» منذ أكثر من ثلاثة أعوام، وهو القانون الذي يمنع حبس الأطباء في القضايا المهنية التي لا تتضمن إهمالاً طبياً متعمّداً. ورأت أنّ إقرار القانون يُعَدّ خطوة مهمة لمنع هجرة الأطباء وتشجيعهم على الإقبال على تخصصات تحمل مخاطر في ممارستها.
الطبيب أسامة عبد الحي، أمين عام نقابة أطباء مصر، قال» كل دول العالم يوجد فيها قانون المسؤولية الطبية، يجري بموجبه التحقيق مع الطبيب عندما تحدث مشكلة مع المريض من خلال لجنة فنية طبية تقدم تقرير للمحكمة، لكن قضية أن الطبيب يكون مهددا أن يحبس، تجعل الأطباء يحجمون عن معالجة المرضى من أصحاب الحالات الخطيرة».
ميزانية الصحة
ورغم الزيادة التي شهدتها ميزانية قطاع الصحة في موازنة العام المالي 2021 ـ 2022 حيث بلغت نحو 108 مليارات و761 مليونا و296 ألف جنيه، مقابل 93 مليارا و543 مليونا و783 ألف جنيه في العام المالي الحالي 2020/21 بزيادة قدرها 15 مليارا و217 مليونا و513 ألف جنيه، بنسبة 16.2٪، إلا أن الأطباء يرون أنها ما زالت أقل من المطلوب لتحقيق طفرة في عمل القطاع الصحي المصري. النائب فريدي البياضي، عضو مجلس النواب، اعتبر أن جزءا كبيرا من الحلول الخاصة بقطاع وزارة الصحة بشكل عام والأطباء بشكل خاص مرتبط بالميزانية. وأضاف: «ميزانية وزارة الصحة حتى الآن تعتبر ضئيلة للغاية ولا تكفي لطرح حلول حقيقية خاصة على مستوى الأجور».
وزاد: «بدل المخاطر الذي يحصل عليه الأطباء ارتفع بنسبة ضئيلة، إضافة إلى أنه لم ينطبق على بعض الفئات من العاملين داخل الفرق الطبية، في الوقت الذي يحصل فيه بعض العاملين خارج المهن الطبية على 2000 جنيه».
وأضاف: «الميزانية تعني توفير تدريب أفضل وإيجاد منظومة تدريبية موحدة، في الخارج هناك إجبار بشكل ما على استمرارية التعليم، وللأسف لدينا هنا تفاوت في التدريب والتأهيل».
وزاد: «في أحيان كثيرة كانت الفرق الطبية تفتقر إلى الأدوات والوسائل اللازمة للحماية، وبالتالي هناك أهمية لصدور قانون المساءلة الطبية، وبهذا الخصوص يجب توضيح أن القانون يتيح محاسبة الأطباء إذا ما استلزمت الظروف، لكن فلسفة القانون تعتمد على أن أسلوب المحاكمة مختلف عن أسلوب محاكمة المجرمين».
إلى ذلك، أعلنت نقابة الأطباء أمس، ارتفاع عدد الوفيات بين أعضائها بسبب فيروس كورونا، إلى 580 طبيبا حتى الآن. وكانت النقابة طالبت بمعاملة أسر ضحايا الفيروس من الأطباء كأسر «شهداء» الجيش والشرطة.
علاء غنام مدير برنامج الحق في الصحة في المبادرة المصرية قال إن «الإشكاليات التي يعاني منها النظام الصحي هي محنة نظام وليست محنة أطباء، وإن الفريق الطبي كان خط الدفاع الأول لمواجهة وباء فاجأ العالم كله، وبحجم العمل الضخم الذي قاموا به وهو حجم ضخم فوق مستوى الطاقة البشرية وسط غياب التدابير اللازمة فكانوا شهداء من أجل الدفاع عن الوطن، ولولا تضحية الفرق الطبية لكانت المشكلات ستكون أضخم».
ولفت إلى أن «الخلل والتدهور الموجود في النظام الصحي خاصة على مستوى الأجور هو خلل هيكلي راجع للبيروقراطية الواسعة التي يدار من خلالها «.
وتابع: «ما كان يسمى بدل العدوى زاد بالفعل خلال الفترة الماضية وهي نقطة إيجابية، لكن النقطة الثانية محل انتظار للتطبيق الفعلي تتمثل في تطبيق القانون 184 لسنة 2020 المرتبط بزيادة قيمة بدل المهن الطبية وتعويض أسر الشهداء» مضيفا «ننتظر أن يعامل الطبيب الشهيد مثله مثل أي شهيد آخر للوطن».
واختتم: «الأجر الذي يحصل عليه الطبيب في بداية حياته المهنية يكون منخفضا ما يدفع الكثير من الأطباء إلى التخلي عن وزارة الصحة وتقديم الاستقالة والسفر إلى دولة أخرى أو اللجوء إلى القطاع الخاص، والبعض قد يعيش حياة مزدوجة بين العمل الخاص والحكومي».