أعراض ستوكهولم الاسرائيلية

حجم الخط
0

تكمن وراء كل هذا الشر بواعث نفسية معوجة؛ وتكمن وراء كل القومية والعنصرية نفسٌ وطنية قاتمة متنازعة. بهذا فقط يمكن أن نفسر الموجة العكرة التي تهدد باغراق المشروع الصهيوني واغراقه في الأعماق. إن الشر باسم القومية يرفع رأسه في كل مكان، وقد أصبحت معاملة الفلسطينيين هي شر الأمس.
ليس من سبيل الى فهم كيف أصبح مجتمع لاجئين ومهاجرين في غضون وقت قصير جدا مجتمع شر كهذا ترأسه حكومة شر. وكيف حدث أن تدمر دولة كانت ترمي الى أن تكون مكان لجوء ونجاة مع ادعاء مجتمع عدل وهداية للأغيار وشعب مختار، كيف تدمر اجهزة منعتها. وكيف يقوم رئيس وزراء ليتحدث عن خمسة طالبي لجوء افارقة بائسين بلغة جد مستكبرة ومؤمنة بالقوة إذ قال: ‘لن تساعد أية مظاهرات واضرابات، فنحن مصممون على اخراج اولئك الذين دخلوا الى دولة اسرائيل’، وليس فيها أدنى قدر من الرحمة الانسانية؛ وكيف بلغنا الى وضع أصبح من المشروع فيه أن يُحرض عليهم وتُشاع الكراهية الدنيّة لهم.
كيف يستطيع أبناء لاجئي الأمس الذين نشأوا على قصص آبائهم الفظيعة وعلى قصص انقاذ قلة قليلة من فضلاء أمم العالم لهم، كيف يستطيعون أن يسدوا قلوبهم وألا يروا التشابه بين مصير أجدادهم الذين حاولوا أن يطرقوا أبواب العالم ومصير من يطرقون أبواب دولتهم الموصدة، لكن ليست الابواب وحدها هي الموصدة فأكثر القلوب موصدة والأدمغة مغسولة.
والاستنتاج أن الاسرائيليين أصيبوا بأعراض ستوكهولم. فبدل أن يطور الضحايا شعورا متطورا مميزا بالعدل بسبب تراث الماضي، طوروا شعور موالاة عجيبا لاولئك الذين نكلوا بهم. ويظهر اليهود الاسرائيليون كالرهائن الاربعة في فرع البنك في عاصمة السويد الذين أفضوا الى تشخيص هذه الاعراض في 1973، يظهرون علامات موالاة لعقيدة من قاموا للقضاء عليهم قبل جيلين أو ثلاثة فقط. ليس طالبو اللجوء من افريقيا ناجين من المحرقة بالطبع، وكان يمكن أن تكون معاملتهم أقسى مما هي اليوم، لكن علامات الشر أخذت تشيع كثيرا حتى إنه ليُظن أن الحديث عن تلك الاعراض المشهورة.
ليس الحديث فقط عن فقدان الشعور بالعدل بل عن سلوك انتحاري ايضا. فقد كان أساس قوة اسرائيل دائما التسويغ الاخلاقي لها، فبفضله قامت وبفضله ثبتت. وقد نبعت نظرة العالم اليها قبل كل شيء من شعور بالذنب نحو ضحايا المحرقة. وأضيف الى ذلك قوتها العسكرية وازدهارها الاقتصادي والعلمي وتأثير يهود العالم. لكن المنارة في ظاهر الامر قد تنهار من غير التسويغ الاخلاقي. كان الكيبوتس والريادة والتقدم والديمقراطية ومساعدة دول افريقيا ايضا في اول الطريق مصدر قوة لاسرائيل لا يقل عن جيشها ولم يبق منه الكثير.
بازاء مظاهرات حرية مؤثرة جدا كالتي كانت هذا الاسبوع بقي الرأي العام غير مبال في أحسن الحالات، ومُحرضا في اسوئها. كان ميدان رابين أشد سوادا من السواد في يوم الاحد فلم يكد يوجد فيه بيض؛ فقد كان الاسرائيليون أكثر انشغالا من أن يؤيدوهم. وأصبح ارباب العمل يهددون بالاقالة، وصارت السلطات تشتد أكثر في معاملتها، ولا تكاد توجد في المقابل اصوات اخرى سوى اصوات عدد من منظمات المساعدة الشجاعة التي اصبحت حملات التحريض عليها وسلبها شرعيتها في ذروتها. ‘من المثير أن نعلم من الذين ينفقون على هذه المظاهرات وما هو هدفها’، قال مقدم نشرة الاخبار في صوت اسرائيل بصورة مسمومة معبرا تعبيرا أصيلا عن صوت الدولة.
أصبحت اللعبة منذ الآن هي ‘الحفاظ على صبغتها اليهودية’، ويجوز باسم هذا احداث كل شيء تقريبا كما يجوز احداث كل شيء باسم عبادة الامن. لكن اذا كانت توجد تسويغات لدين الامن فلا تسويغ لوسواس الحفاظ على الصبغة اليهودية بكل ثمن سوى القومية والعنصرية اللتين تلدان كل هذا الشر. هكذا هي الحال في اعراض ستوكهولم وهي أن تصبح قيم الخاطف وهي ‘طهارة العرق’، بالتدريج قيم الرهينة وهي ‘الدولة اليهودية’.

هآرتس 9/1/2014

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية