أغادير المغربية: مدينة الجَمال المهمشة

سعيد المرابط
حجم الخط
1

الرباط-“القدس العربي”:جمال النور الذي يواجه المحيط، واتساع الشاطئ، يضفي رونقًا على المدينة المخفية وراء الكثبان الرملية. إنها أغادير، سجادة من الرمال الناعمة التي تأخذك إلى جنة سوس، ذات المناخ المثالي لعشاق السياحة ولهواة الرياضة والمغامرة.

موت وحياة

في ستينيات القرن الماضي، ضرب أعنف زلزال عرفه المغرب مدينة أغادير، فردها قاعا صفصفًا، ولكن صهباءً سوس المخاصرة للمحيط، صارت اليوم أكبر مدن الجنوب المغربي، ونواةً اقتصادية له.

أغادير، والتي تعني بالأمازيغية “المخزن أو الحصن المنيع” هي مدينة ساحلية تتميز بميناءها التجاري الكبير ومركزها للصيد البحري. هذه المدينة الأطلسية ذات المناخ الحار والجاف شبه الاستوائي، هي كذلك المركز الزراعي في سوس وماسة ودرعة، وهي منبت ثمار الحمضيات والموز والزهور والخضروات.

تقع هذه المدينة في خليج أغادير، إلى جانب مصب نهر سوس، وبالإضافة إلى ذلك، فإن لها موقعًا جيدا للغاية، لأنها تبعد بـ600 كيلومتر عن الرباط و850 عن سبتة، كما أنها متصلة بمراكش وطنجة والدار البيضاء بفضل طريقها السريع الجديد ومطارها الحديث.

يقال إن أغادير مدينة حديثة، لأنها تأسست عام 1500 على يد البرتغاليين الذين أطلقوا عليها اسم “سانتا كروز دي أغار” وبعد 26 عامًا غزاها السعديون.

وفي عام 1750 تم تدميرها، وبين 1912 و1956 احتلها الفرنسيون وأعادوا بناءها، وفي العام 1956 بعد الاستقلال، انتقلت السيادة على هذه المدينة الشابة إلى المغرب.

وبالإضافة إلى كل هذا، وفي شباط/فبراير 1960 تعرضت أغادير لزلزال دمر المدينة بأكملها، ليُعاد بناءها على بعد كيلومترين جنوب مركزها الأصل.

بعد الزلزال، انبعثت أغادير من الركام، من الموت بحياة مدينة أخرى، مدينة عصرية وعالمية، ذات مبان كبيرة وممشى كبير وعصري وشواطئ خلابة، وهو السبب وراء لقبها بـ”مدينة الانبعاث”.

مدينة البساطة والحداثة

تجمع المدينة الجديدة بين الحداثة والبساطة، مع المساحات الخضراء والشوارع الطويلة والحدائق المزهرة والهندسة المعمارية المعاصرة.

هنا يمكنك العثور على متاجر الحرفيين والمقاهي والمطاعم النموذجية في ذلك الوقت، كما يمكنك زيارة متحف البلدية الأمازيغي، الذي يقع في وسط أغادير، وكذلك متحف الذاكرة، المثير للاهتمام لأنه يمكنك السفر فيه عبر الزمن ورؤية المدينة، كيف تم تدميرها وإعادة بنائها الجديد.

وهنا أيضًا القصبة القديمة، بطول 230 مترًا تقع على بعد 5 كم من وسط مدينة أغادير، وقد دمرها الزلزال حاليًا، لكنها لا تزال طللاً يوفر مناظر رائعة من تلك الجدران المتهالكة.

وفي القصبة ضريح سيدي بوجمعة اكناون الخاص بطائفة غناوة، الموجود على الميناء لكونه راعي المدينة وحامي الصيادين.

توفر المدينة لأطفالها وأطفال الزائرين وادي الطيور، وهي حديقة للحيوانات تضم أكثر من 500 نوع من الطيور والثدييات مثل الكناغر والتيوس، وتضم أكثر من 300 نوع من الزواحف.

تشتهر أغادير بالمهرجانات والحفلات، منها مهرجان العسل في شهر تموز/يونيو، ومهرجان بوجلود، الذي يشبه الكرنفال، ومهرجان تيميتار المشهور بالموسيقى الأمازيغية، والمهرجان الدولي للأفلام الوثائقية الذي يتم الاحتفال به خلال شهر أيار/مايو.

وإضافة إلى ثقافتها ومهرجاناتها، تعد أغادير أيضًا وجهة سياحية بفضل شواطئها الرائعة التي تتميز بمياهها البلورية وغروبها الجميل، والتي يحج إليها السياح لممارسة رياضة ركوب الأمواج أو ركوب الأمواج شراعيًا، وكذلك صيد الأسماك في الجبال والصيد تحت الماء.

وتتوفر المدينة على متنزه بحري حديث فاخر، يسمى “مارينا” يوفر للزائر المشي بهدوء على طوله، حيث اليخوت والقوارب الشراعية الرائعة. إنه متنزه بحري فاخر للغاية يمثل الحداثة التي طغت على بعض جنبات المدينة.

بالإضافة إلى المتنزه الذي يوفر ممشى حديثا وهادئًا ليلا، يمكنك السير نهارا عبر الرمال الناعمة والشعور بحرارة الشمس في كل خطوة، خاصة في أيام العطل عندما تنتهز العائلات الفرصة للمشي والاستمتاع بيوم من الاسترخاء.

هذه المدينة، متاهة السياح العشاق، بحيث تتيه في معرفة ما يعشقون فيها، مدينة البحر أم بحر المدينة، أم هما معًا؟!.

وغير بعيد عن “مارينا” يعد تسلق عجلة “فيريس” الكبيرة التي تقع على الواجهة البحرية للمدينة، واحدة من أكثر نقاط الجذب فضولًا للزيارة والاستمتاع بها في أغادير. وسعر عجلة “فيريس” اقتصادي للغاية، فهو يعطي فرصة النظر من الأعلى للمدينة بشكل لا يصدق، خصوصًا أثناء غروب الشمس، حيث يمكنك مشاهدة الغسق وأنت في حال دوران على بعد عدة عشرات الأمتار فوق سطح الأرض.

قبلة طلبة الجنوب

بحكم توفرها على الجامعة الوحيدة في الجنوب، تعتبر أغادير قبلة الطلاب الجامعيين القادمين من مدن الجنوب، والصحراء الغربية، بالإضافة إلى الطلاب من السكان القاطنين.

وتضم جامعة ابن زهر التي تم إنشاؤها في عام 1989 أكبر عدد من الطلاب في المغرب، وتغطي معظم المناطق بنسبة 52 في المئة، مقسمة على خمس مناطق وثماني محافظات وأربع مناطق للتعليم والتدريب.

وتستضيف الجامعة حاليًا أكثر من 130 ألف طالب، وكان عدد الطلاب المسجلين فيها قبل أربعة أعوام قرابة 64 ألفا، وتستقبل تقريبا 15 ألف طالب جديد في المتوسط ​​سنويًا، بزيادة قدرها حوالي 300 في المئة.

في العام الدراسي الماضي 2018-2019 كان في أغادير ما مجموعه 2365 طالبًا جديدًا من إجمالي خمس مناطق مختلفة، نصفهم من عاصمة سوس نفسها، ومن بين أكثر من 11.900 اختار أكثر من نصفهم بقليل مجالات العلوم والفنون والعلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، في جامعة تضم ما مجموعه 19 مركزًا جامعيًا موزعة على ثمانية مواقع.

وبلغ عدد خريجي جامعة ابن زهر العام الماضي 16.328 بينهم 202 مهندس دولة و289 حاصلا على شهادة المدارس العليا للتجارة والتسيير، و733 حاصلا على الدبلوم الجامعي في التكنولوجيا، بينما وصل عدد الحاصلين على الإجازات المهنية إلى 1153 خريجا، أما خريجو كلية الآداب والعلوم الإنسانية، فقد بلغوا 4199 خريجا، وخريجو الدراسات القانونية والاقتصادية وصل عددهم إلى 3343 حاصلا على الإجازة، أما خريجو كلية العلوم فقد وصل عددهم 1747 خريجا.

ويتكون طاقم التدريس في جامعة ابن زهر من حوالي 600 أستاذ وباحث و60 أستاذًا من الدور الثاني، في حين يصل عدد الموظفين الإداريين والفنيين إلى حوالي 400 شخص.

التهميش

ظلت المدينة، طوال عقود مدينة الجنوب بانفراد، حتى خطفت منها مراكش الحمراء، بريقها وتركت لها فتات السياحة، فبدأت تعود القهقرى، متشبثة بما تملك علها تتجاوز ذلك، ويأتي من يعيد للصهباء رونقها.

ويلقي السكان باللائمة على وزارة السياحة والمكتب الوطني للسياحة، اللذان يدعمان ماديا جهات على حساب أخرى، والمجالس المنتخبة التي لا تحرك ساكنا، رغم أنها ترى “غلافا ماليا ضخما لوجهة مراكش على حساب أغادير التي ظلت لعقود في المرتبة الأولى”.

هذه الأفضلية يعتبرها من حدثناهم “تمييزا وعنصرية، جعلت مراكش تتفوق على أغادير، فمراكش تتوفر على خطوط مباشرة، تربط أوروبا بمطار المنارة، بخلاف أغادير التي يتم الإصرار على تهميشها”.

في آذار/مارس الماضي، تحدثت الصحافة عن زيارة ملكية مرتقبة إلى أغادير، حيث تداول بعض الأوساط السياسية والإدارية آنذاك، خبر قرب زيارة الملك محمد السادس إلى المدينة عقب جملة من الزيارات المكوكية التي قام بها عدد من المسؤولين المركزيين في وزارة الداخلية إلى بعض أقاليم جهة سوس.

هذا الأمر أَوَّله عدد من المتتبعين للشأن العام بالجهة بقرب زيارة ملكية، خاصة أن عددا من المشاريع ظلت متوقفة في انتظار زيارة ملكية من أجل إطلاقها أو تدشين تلك التي أصبحت جاهزة.

الزيارة الملكية تلك، قيل إنها تأتي في سياق الحديث عن غضبة ملكية قد تكون طالت عددا من المسؤولين في الجهة، إضافة إلى التأخر الذي عرفته بعض المشاريع، ولكن الزيارة لم تتم، وظلت المدينة على حالها.

ودعا ملك المغرب محمد السادس، في خطاب تلفزيوني بمناسبة الذكرى الرابعة والأربعين للمسيرة الخضراء لتعزيز البنية التحتية التي تربط الصحراء الغربية وجنوب المغرب.

وأشار إلى ضرورة تعزيز شبكة الطرق لتعزيزها بالطريق السريع بين مدينة الداخلة، جنوب الصحراء، ومدينة أغادير، على بعد حوالي 1160 كيلومتراً إلى الشمال.

وقال عبد القادر عمارة، وزير التجهيز والنقل يوم الـ4 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، إن الدراسات الفنية والتفصيلية “ستستغرق سنوات”، ردًا على الأسئلة الشفوية من البرلمانيين حول مشروع تمديد الخط العالي السرعة طنجة – الدار البيضاء إلى أغادير 460 كيلومترا جنوبا.

وفقًا للوزير سيسمح هذا المشروع الكبير، لأول مرة، بدمج مدينة أغادير في شبكة السكك الحديدية الوطنية، وهذا جزء من “برنامج السكك الحديدية 2040”.

“لكن ما زلنا لا نملك بيانات دقيقة” قال الوزير.

واختتم عمارة قائلاً “نحن بصدد إجراء دراسات تقنية ومفصلة يمكن أن تستغرق عدة سنوات، وأقول هذا حتى يتوقف النواب عن سؤالنا عن تقدم المشروع”.

ويرى الكثيرون، أن أسباب تراجع أغادير عديدة، من بينها الخصاص المهول في التنشيط السياحي، الذي يشجع السائح على الخروج إلى المدينة، والكورنيش، إلى جانب إجبار المطاعم على الإغلاق المبكر في حدود الساعة الواحدة ليلا، وهو إجراء حسب هؤلاء أضر بالقطاع السياحي. كما تساهم الفنادق الكبرى في قتل اقتصاد المدينة، بلجوئها إلى محاصرة السائح داخل أسوارها بنهجها سياسة حولت الفنادق إلى متاجر، ومطاعم، وأماكن للترفيه.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول بلي محمد المملكة المغربية:

    اضع بعض الحروف ادا سمح لنا المنبر شكرا من يفتح صفحة من صفحات التاريخ صفحة المدن المتميزة عن جد ارة يرى العجب مدن قديمة كالتاريخ مرت عليها الاف السنين لكن ظلت كماهي الاقليلا اي بعض التغيرات في الوجه ومنها قال عنها الشعر التغاريد المتنوعة ومنها من رمز لها فقط بمعنى لم يبين اسمها اعطاها اسما مستعارا فالمملكة دخلت بعض مدنها التاريخ من الباب الواسع مرفوعة الرأس واخدت مكانها في صف المدن العالمية المتميزة بدون نقاش مدينة اغادير وادا كان هناك نقص في شيء فلقد مرت من محنة سجلها التاريخ لكن بعون الله اصبحت على صورة اخرى وستزداد حسنا لكن ببطئ

إشترك في قائمتنا البريدية