«أقلمة المرويات التراثية» للناقدة نادية هناوي

حجم الخط
0

تذهب الباحثة العراقية نادية هناوي إلى أن الطاقة التخييلية التي امتلكها إنسان العصور الغابرة كانت هائلة، ومن خلالها نشأت مسائل ميتافيزيقية في فهم الحياة، ومع تقدم العصور تشذب التخييل ولعبت الكتابة دوراً في ذلك، فغدت للتخييل قواعد هي بمثابة تقاليد تجلت في ما بعد داخل قوالب صارت تُعرف بالأجناس. وفي السرد العربي القديم تقاليد سردية، مارسها الحكاء القديم بأقصى درجات التخييل في حكايات وقصص لا معقولة، نُقلت بوصفها أخباراً وحكايات.
هذا ما جاء في كتابها الجديد المعنون (أقلمة المرويات التراثية) وهو جزء ثالث من كتابها (علم السرد ما بعد الكلاسيكي) الصادر مؤخرا عن مؤسسة أبجد للنشر والتوزيع. وتضمن الكتاب ثلاثة فصول وبمباحث مختلفة مع مقدمة ومهاد نظري حددت فيه هناوي منظورها النقدي للأقلمة السردية واتخذت من ذلك إطارا نظريا لإعادة قراءة التراث السردي العربي القديم. فبدأت دراستها بالمرويات الخرافية متتبعة دور الحكاء القديم في تثبيت دعائم قالب القصة العربية، الذي انتقل إلى آداب الأمم الأخرى في العصور الوسطى، وأثَّر في الأدب الأوروبي. واعتمدت في تتبع هذا الانتقال على مفاهيم نظرية تصب في باب الأقلمة السردية، فاستعادت ما هو مندثر من المرويات التراثية، ودرست التحولات التي مرّت بها هذه المرويات.
أما خاتمة الكتاب فجاءت دراسة معمقة في رواية دون كيخوته وغاية المؤلفة التدليل على البعد التأسيسي للمرويات التراثية العربية في السرد الأوروبي الحديث. وعلى شاكلة الجزء الأول جاء الجزء الثالث متضمنا ملحقا بمقالات دارت حول علم السرد ما بعد الكلاسيكي، وقدمت لها المؤلفة بالقول: (ولأهمية المحاورة وما قد تقدمه من إنارة للقارئ حول ما طُرح في هذا الكتاب من مسائل ذات صلة بالأقلمة السردية، أرتأيت أن أضع المقالات ملحقة بالكتاب). وتجدر الإشارة إلى أن الجزء الأول من الكتاب اهتم بدراسة السرد غير الطبيعي، من ناحية نظرياته ومفاهيمه ومشاريع البحث فيه.
أما الجزء الثاني فاهتم بدراسة السرد غير الواقعي كنظرية لها بروتوكولاتها وتطبيقاتها في الروايات والقصص القديمة والحديثة. ومما جاء في خاتمة الكتاب (المؤسف أن العرب بعد هذه العصور الطويلة تناسوا دورهم في التأثير الحضاري في أوروبا، ولاسيما حين يؤرخون لأدبهم العربي الحديث واقعين في شرك الشعور بالدونية.. صحيح أن لتغلغل الاستعمار في البلدان العربية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر فضلا في نقل بعض مظاهر التحديث والتمدن إلى العرب، لكن ذلك ينبغي أن لا ينسينا فضل تغلغل علومنا وآدابنا في العصور الوسطى إلى أوروبا).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية