القاهرة ـ «القدس العربي»: «نزحنا داخل قطاع غزة عدة مرات، وكانت رحلة نزوحنا ما بين تل الزعتر ومدينة الزهراء وحي النصيرات ودير البلح وخان يونس ورفح، وشاهدنا الموت بأعيننا ودمر منزلنا، وكان توفير الطعام كان أمر صعب المنال» بهذه الكلمات حكي الكاتب والأكاديمي الفلسطيني الدكتور عبدالقادر حماد، المأساة التي عاشتها أسرته خلال الشهور الماضية قبل أن يتمكن من دخول مصر عبر معبر رفح البري ويستقر في القاهرة.
حماد قال لـ«القدس العربي» إن القاهرة كانت المحطة الأخيرة في رحلة نزوح بدأت بعد شهر من اندلاع العدوان الصهيوني الغاشم على قطاع غزة.
وزاد: كنت أسكن وعائلتي في تل الزعتر في شمال قطاع غزة، عندما دمر منزلي في قصف للاحتلال، فانتقلت إلى مدينة الزهراء جنوب مدينة غزة. قامت طائرات الاحتلال في ليلة واحدة، بتدمير 29 برجا سكنيا.
قصف حتى الصباح
وتابع: في هذه الليلة استمر القصف من الساعة التاسعة مساءً، حتى صبيحة اليوم التالي، ولم نستطع النوم طوال هذه الليلة، واضطررنا إلى النزوح، إلى منطقة النصيرات التي تقع وسط مدينة غزة.
ما بين الزهراء والنصيرات، كانت عائلة حماد على مدار أكثر من شهر تحاول الفرار من القصف الصهيوني: «نزلنا في ضيافة أحد الأصدقاء في غرفة صغيرة أنا والأسرة، حتى فوجئنا بتهديد من الاحتلال بقصف المنطقة، فاضطروا للعودة إلى مدينة الزهراء مرة أخرى، وصمدنا رغم القصف الشديد لمدة 10 أيام أخرى، وعاد القصف مرة أخرى بشدة مستهدفا الأبراج السكنية، وطال منزلا مجاورا للمنزل الذي نسكن فيه، وأصيب منزلنا بأضرار جسيمة، فاضطررنا، للنزوح مرة أخرى إلى منطقة النصيرات».
وعندما وصلنا إلى هناك، «تعرض المنزل الذي أقامنا فيه المرة الأولى لقصف مرة أخرى، فعودنا أدراجنا إلى مدينة الزهراء مرة أخرى، وفي طريقنا إلى هناك، هاتفني شقيقي وأخبرني أن المنطقة تتعرض لقصف شديد، فتوجهت إلى منطقة دير البلح».
طائرات الاحتلال دمرت 29 برجا سكنيا في ليلة واحدة
لم يكن دير البلح أكثر أمانا بالنسبة لحماد الذي قال: «تعرضنا للقصف في دير البلح، فنزحنا مرة أخرى إلى منطقة خان يونس، ولجأت إلى جامعة الأقصى، وهي الجامعة التي أقوم بالتدريس فيها، ومكثت أنا وأسرتي في أحد الفصول الدراسية لمدة شهر كامل، وكان في الجامعة آلاف النازحين من الأساتذة والمواطنين الذين لجأوا إلى مقر الجامعة طلبا للحماية بعد أن دمرت منازلهم».
وزاد: «كان محيط الجامعة يتعرض للقصف، لكن بعد مرور شهر، كانت الجامعة نفسها مستهدفة من الطائرات الحربية الإسرائيلية، إضافة إلى أن القصف المدفعي، طال المباني التي كنا نقطن فيها، ما أدى إلى سقوط العديد من الأساتذة الجامعيين الذين كانوا قد لجأوا مثلي إلى الجامعة، وأذكر منهم الدكتور فضل أبوهين أستاذ الصحة النفسية، التي بترت قدمه جراء إصابته بقذيفة مدفعية مباشرة».
واصل حماد الحديث عن رحلة عائلته داخل القطاع قائلا: «بعد أن دمرت مباني الجامعة واحترقت، اضطررنا إلى النزوح إلى مدينة رفح جنوب قطاع غزة، كان القصف هناك أخف وطأة من المناطق الأخرى لكنها كانت تتعرض للقصف هي الأخرى، ونزلنا في منطقة ملعب برجا، لمدة شهر، كانت المنطقة تتعرض للقصف من حين لآخر».
ويقول حماد، إن قبل خروجه من قطاع غزة، تعرضت المنطقة التي يسكن فيها إلى قصف شديد، وبدأ التلويح الإسرائيلي بعزمهم تنفيذ اجتياح بري لمدينة رفح، فقررت النزوح والعودة مرة أخرى إلى منطقة النصيرات وسط مدينة غزة، واستأجرت محل بقالة فارغ لتمكث فيه عائلتي، وتعرضنا لقصف شديد، واضطررت إلى العودة إلى رفح.
لا يستطيع التنفس
ويحكي أنه كان يرفض الخروج من قطاع غزة، لكن مرض أحد أبنائه بمتلازمة دوان، وإصابته بحالة من الذعر الشديد خلال عمليات النزوح، هي ما دفعته للتفكير في الخروج من قطاع غزة. ويقول: كدت أن أفقد ابني عدة مرات خلال رحلة النزوح، لأنه كان أحيانا لا يستطيع التنفس، وفي ظل خوفي على ابني، ساعدنا البعض في الخروج من قطاع غزة.
أزمة توفير الطعام للأسرة، عاشها حماد خلال رحلة النزوح، لكنه قال إنه يجب أن نفرق بين الأوضاع في شمال قطاع غزة وجنوبه، موضحا أنه «لا يوجد في مدينة غزة وشمال القطاع طعام بالمطلق، ففي البداية وقبل تدمير منزلي في تل الزعتر في شمال غزة، لم نكن نجد أي طعام، واضطررنا لأكل الأعشاب والعلف الحيواني، كما أنه لم يكن هنالك ماء صالح للشرب».
ويواصل: «وفقدت من وزني 15 كيلو غراما، وابني الصغير فقد من وزنه ما يقرب من 10 كيلو غرامات، أما في جنوب القطاع، لم يكن هناك وفرة في الطعام، وكان الاعتماد الرئيسي على المساعدات، التي تأتي عبر معبر رفح، وهي في الأغلب عبارة عن 4 أصناف الفول والفاصوليا والبازلاء والعدس».
ويؤكد حماد، أن «نصف المساعدات التي كانت تدخل القطاع في الأشهر الثلاثة الأولى من العدوان، كانت عبارة عن أكفان لتكفين الشهداء، وباقي المساعدات تنحصر في الأصناف الأربعة التي سبق وذكرتها، وهي الأصناف التي اعتمدنا عليها لمدة تقارب من 5 أشهر، إضافة إلى شح المياه الصالحة للشرب، واختفاء اللحوم».
يدلل حماد على الأزمة، بأسعار السلع التي ارتفعت بشكل غير معقول بسبب ندرتها: سعر شوال الدقيق الذي يزن حوالي 25 كيلوغرام وصل لأكثر من 100 دولار في بعض الأوقات، وفي شمال قطاع غزة بلغ سعر الكيلو غرام واحد من الدقيق 50 دولارا، كيلو الخيار يعادل 30 دولارا وكذلك البصل، وهذا ستكون له آثار سلبية على الصحة في المستقبل.
يختم حماد حديثه: ما تشاهدونه في وسائل الإعلام لا يمثل واحدا في الألف من الواقع وما عانيناه خلال العدوان أو يعانيه أهالينا في قطاع غزة، البنية التحتية دمرت، تم تجريف الشوارع وشبكات الصرف الصحي، وتدمير شبكات المياه والكهرباء، إضافة إلى أن حوالي 70 في المئة من مباني قطاع غزة دمرت بالكامل».