أكاذيب الأنظمة العربية

حجم الخط
5

من يعود إلى أفلام ومسلسلات حقبة الثمانينيات من القرن الماضي، يكتشف حجم الهذيان والكذب والدجل الذي كان يتم تسويقه على الإنسان العربي، لتبرير الهزائم والانتكاسات التي منيت بها الدول العربية وجيوشها الجرارة، وكيف كانت الأنظمة في هذه الدول تبيع الوهم لشعوبها، وتسوق الأكاذيب لهم، بينما كان الاحتلال الإسرائيلي يتوسع على الأرض ويتطور ويقوم بتغيير معالم المنطقة بالكامل.
أشهر الأعمال الدرامية في تلك الحقبة هو مسلسل «رأفت الهجان» الشهير، وهو مسلسل يزعم منتجوه أنه مستوحى من قصة حقيقية لجاسوس مصري نجحت المخابرات المصرية في زراعته داخل إسرائيل، والاستفادة منه في العديد من المعلومات التي استطاع نقلها، والاسم الحقيقي له هو «رفعت الجمّال» ومنه تم استيحاء اسم «رأفت الهجان». ويصف منتجو المسلسل بأنه «ملحمة بطولية من ملفات المخابرات المصرية»، وهو واحد من بين عدد كبير من الأعمال الدرامية والسينمائية، التي تناولت الفكرة ذاتها وظهرت في الفترة الزمنية نفسها، لاسيما أفلام المخرج والمنتج المعروف محمد مختار الذي أسس شركته عام 1980 وأنتج العديد من الأفلام للفنانة نادية الجندي مثل «48 ساعة في إسرائيل» و«مهمة في تل أبيب» و«شبكة الموت» وغيرها.

الدراما العربية انطوت على كمية ضخمة من الهذيان، الذي تبين سريعاً أنه جزء من خديعة كبيرة تعرض لها الإنسان العربي خلال العقود الماضية

والحقيقة أن هذه الأعمال الدرامية كانت ممتعة، وحتى من يشاهدها اليوم يمكن أن يعيش حالة غير مسبوقة من «النوستاليجيا» والعودة إلى ذكريات الماضي، عندما كان الملايين يتسمّرون أمام شاشات التلفزيون لمتابعة حلقة المساء من مسلسل «رأفت الهجان» أو فيلم السهرة الذي يروي كيف استطاعت نادية الجندي أن تتسلل إلى مبنى الموساد الإسرائيلي في تل أبيب وتنسخ الملفات السرية ومن ثم تغادر بسلام وذكاء بالغين. لكن المصيبة في هذه الأعمال الدرامية أنها تحتوي على كمية غير معقولة من استغباء المشاهد، والتعامل معه على أنه لا يستطيع التمييز بين الصدق والكذب، كما أنها تنطوي على كمية ضخمة من الهذيان، الذي تبين سريعاً أنه جزء من خديعة كبيرة تعرض لها الإنسان العربي خلال العقود الماضية. خلال السنوات التي كان فيها الإنسان العربي يتابع بطولات درامية وملاحم وهمية وسينمائية بحتة، كانت إسرائيل تجول في العالم العربي وتتحول إلى غول كبير، وخلال عقد الثمانينيات من القرن الماضي كانت دبابات الاحتلال الاسرائيلي قد وصلت إلى قلب بيروت، واحتلت معها الجولان وأراضي من الأردن، إلى جانب الأراضي الفلسطينية بطبيعة الحال.. وبينما كان هذا المشهد على الأرض كانت الدراما تقول للمشاهد العربي إن عملاءنا يصولون ويجولون في تل أبيب، ويجمعون المعلومات التي ستجعلنا ننهي الاحتلال ونتغلب على هؤلاء المحتلين. موجة الدراما الخادعة المشار إليها كانت قد بلغت ذروتها خلال عقد الثمانينيات، أي بعد سنوات قليلة من توقيع الرئيس المصري أنور السادات اتفاقية كامب ديفيد مع الإسرائيليين، وهي الاتفاقية التي أشعرت كل العرب بالانتكاسة والهزيمة والخذلان، ولذلك فليس غريباً أن يتم تسويق هذا الوهم لاحقاً على المشاهد العربي، من أجل رفع معنوياته وإعادة ترميم عقله بخديعة جديدة.
واستمرت موجة الدراما والسينما ذاتها بعد ذلك بطبيعة الحال خلال عقد التسعينيات، ففيلم «مهمة في تل أبيب» للمخرج نادر جلال تم إنتاجه عام 1992، أي بعد شهور قليلة من انعقاد مؤتمر مدريد للسلام، وبدء المفاوضات المباشرة لأول مرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وظهر الفيلم قبل عام واحد من اتفاق أوسلو وعامين فقط على معاهدة «وادي عربة».
خلاصة القول إننا في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي كنا نتلقى الهزائم واحدة تلو الأخرى على الأرض، وكانت أنظمتنا العربية تستسلم تباعاً لدولة الاحتلال الاسرائيلي عبر اتفاقات التسوية والمفاوضات المباشرة، بينما كانت الدراما العربية تُحلق في فضاء آخر مختلف تماماً، وتقدم الخداع تباعاً للمشاهدين، وتقوم بإقناعهم أننا اخترقنا تل أبيب وأن اسرائيل هُزمت وأن الاحتلال لن يصمد أمام ملاحم البطولة الاستخباراتية التي تقوم بها الدول العربية.. واليوم يتبين أن كل ذلك ليس صحيحاً وأن ما كنا نعيشه ليس سوى سنوات من الخديعة وبيع الوهم.
كاتب فلسطيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سامح //الأردن:

    *اخ محمد عايش حياك الله.
    وهل توقف مسلسل الكذب والتضليل الرسمي العربي..؟؟؟
    حسبنا الله ونعم الوكيل في كل فاسد ومضلل للحق والحقيقة.

  2. يقول abuelabed:

    لقد نجح الإعلام و الأفلام العربية بالكذب على شعوبها خلال السبعنيات إلى يومنا هذا. هزيمة جيوشنا فى 1948 سببها السلاح الفاسد كما إدعت القيادة فى مصر. وهزيمة 1967 سموها نكسة . وهزيمة 1973 سموها العبور . والسلام الذى وقعه عرفات مع الصهاينة سموه سلام الشجعان. القيادات العربية كانت تعمل لصالح الإدارة الأمريكية ليبقوا فى عروشهم. منذ إنهيار العثمانيون بمساعدة العرب .نحن العرب هزمنا بكل المعارك سواء كانت معركة ذات طابع عسكري أو سلمي حيث أن إتفاقيات السلام والتطبيع شاهد على ذلك. أنظمة تعمل فقط على ذبح شعوبها وحسبى الله ونعم الوكيل. لقد تاجرت هذه الأنظمة بقضية فلسطين حيث كانت دول الطوق همها الأول والأخير جمع المال من الخليج من أجل الدفاع وتحرير فلسطين.

  3. يقول rafeek kamel:

    وما زلنا نخدع حتى يومنا هذا …

  4. يقول علي الجزائر:

    ما لم تقله هو ايضا حجم الاكاذيب التي نشرتها جماعة الإخوان المسلمين

  5. يقول شهدان باريس:

    شكرا للكاتب والمناضل علي تذكيره لنا في هذه الحقبة التي كنا نعيشها ولم نستفق الأبعد فوات الاوان خاصة بعد اندلاع حرب الخليج الأولى والثانية هنا تبين كل شيء وعرفنا أن ملحمة رأفت الهجان وغيرها من المسلسلات والافلام وخاصة المصرية منها كانت وهما وسرابا وان ما تولد من انقلاب ضباط الاحرار وبعده انقلابات أخري وأحزاب أخري هناك البعث العربي في العراق والشام والإخوان والاتحاد الاشتراكي وجبهة التحرير وووو ماهي الا اوهام وان الحاكم يريد البقاء على كرسيه لأن عقد عمله يربطه مع الاجنبي وليس مع الشعب وكنا نري مصر من خلال هذه الأفلام دولة متقدمة تفوق غيرها في الغرب لكن عندما رأينا ابناء ام الدنيا يهاجرون خارجها وافتضح كل شيء .

إشترك في قائمتنا البريدية