القاهرة- “القدس العربي”:
تواصلت في مصر التحركات الرافضة لإقدام السلطات المصرية على هدم مقابر القاهرة التاريخية. ومن المقرر إزالة ما يصل لـ 2700 مقبرة، ونقلها لأماكن جديدة خارج القاهرة، في إطار خطة تطوير العاصمة.
أحزاب ومنظمات حقوقية ووزراء سابقون وأعضاء في مجلس النواب ونقابيون ومعماريون أعلنوا، في بيان، عزمهم التوجه لتقديم بلاغ للنائب العام ضد كل من وزير السياحة والآثار أحمد عيسى، ووزير الأوقاف محمد مختار جمعة، ومحافظ القاهرة اللواء خالد عبدالعال، والمسؤولين عن التنسيق الحضاري، وجميع الجهات المشاركة في أعمال الإزالة والهدم.
ومن بين الموقعين على البيان، وقد تخطى عددهم الـ300 شخص، وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني، ووزير التموين الأسبق جودة عبدالخالق، ووزير السياحة الأسبق منير فخري عبد النور، والنائب ضياء الدين دواد، ومنسق لجنة الدين وعجز الموازنة في الحوار الوطني طلعت خليل.
كما ضمت قائمة الموقعين أحزابَ التحالف الشعبي الاشتراكي والمحافظين، والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، والمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
طالت عمليات الهدم مقابر لشخصيات أثّرت في تاريخ مصر الحديث، منهم يوسف صديق، والشيخ محمد رفعت، والشاعر حافظ إبراهيم، والأديب يحيى حقي، والشاعر محمود سامي البارودي.
وأكد الموقعون على البيان أنهم سيعلنون لاحقاً عن عددٍ من الخطوات والإجراءات لمواجهة هدم المقابر، وأنهم يأملون أن تصل مطالبهم إلى آذان واعية قادرة على الاستماع لصوت المتخصصين، ومحاسبة المسؤولين عن تدمير تراثنا، حفاظاً على مقدرات وثروات هذا الوطن وتاريخه.
وطالب الموقعون على البيان بفرض الحراسة اللازمة لمنع تبديد وتدمير المزيد من هذه المباني التاريخية وما تحويه من قطع أثرية نادرة، وسحب كافة معدات الهدم منها، وتقييم الأضرار التي لحقت بهذه المنطقة.
وبحسب البيان، فإن منطقة جبانات القاهرة التاريخية، والمسجلة على قائمة التراث العالمي، تحميها قوانين عــالمية ومحـلية، واكتسبت قيمتها بـمن ضمتهم في ثراها، من أجيال متعاقبة من أبناء هـذا البلد بجميع فـئاته وطبقاته، ومن ساهموا في نهضته الثقافية والحضارية، بدءاً بالصحابة الأوائل (رضي الله عنهم)، ومروراً بأولياء الله الصالحين والعديد من الحكام والساسـة، والفنانين والأدباء والشعراء، وآلاف المصريين المكافحين، فضلاً عن
ضمّها كنوزاً معمارية فريدة شديدة التنوّع، تعبّر عن حقب زمنية من تطور العمارة الجنائزية الممتدة منذ مصر القديمة إلى يومنا هذا، بينما تواجه الآن أكبر عملية تدمير في تاريخها.
ولفت البيان إلى أنه تم عرض حلول وبدائل عن الإزالة طرحتْها لجنة شكّلها مجلس الوزراء من المـتخصصين في التخطيط العمراني والحفاظ على التراث، وأعدت دراسة لجدوى مشروع الطرق المرورية التي تخترق الجبانات، الذي بدأ تنفيذه عام 2020 واضطلعت بتفنيده فنياً، وأثبتت عدم جدواه مرورياً واقتصادياً.
بيان: كأن هناك سباقاً مع الزمن لمحو جزء من تاريخ الأمة وذاكرتها وتراثها وقهر شعبها بنبش قبورهم وإهانة رفات ذويهم وتشتيتها.
وأكد الموقعون أن اللجنة قدمت البدائل التي تعتمد على استغلال شبكة الطرق الحالية والمسـتحدثــة، وأقرت كفاءتها لعشر سنوات قادمة، دون المساس بالجبانات التاريخية، مع وضع رؤية لاستغلال الموقع للسياحة الدينية والثقافية، وكذلك حل مشكلة ارتفاع منسوب المياه الأرضية بالمنطقة. إلا أننا فوجئنا بعد تقديم هذا الاقتراح بمعاودة الهدم بلا هوادة وبكثافة أكثر من ذي قبل، كأن هناك سباقاً مع الزمن لمحو جزء من تاريخ الأمة وذاكرتها وتراثها وقهر شعبها بنبش قبورهم وإهانة رفات ذويهم وتشتيتها.
وشدّدَ المتضامنون على أنهم ناشدوا الجهات المسؤولة للتراجع عن مشروع شبكة الطرق المدمرة، ولجأوا إلى مجلس الدولة الذي رفض نظر الشق العاجل في دعواهم القضائية لوقف أعمال الإزالة بهذه المنطقة، وأرسلوا عشرات الشكاوى والطلبات بلا جدوى.
إلى ذلك، شارك المئات من الرسامين والمصورين المصريين في جولة حملت اسم “طالع إزالة”، لتوثيق المقابر قبل إزالتها.
لم يتوقع محمد حمدي، مؤسس مبادرة “رسم مصر” على الفيسبوك، أن يستجيب هذا العدد من الفنانين لدعوته، فقد اعتاد في الجولات السابقة التي نظّمتْها المبادرة لتوثيق التراث المصري، ألّا يتخطى الحضور أصابع الأيدي.
حمدي وصف الحضور في الجولة التي هدفتَ لتوثيق مقابر الإمام الشافعي قبل إزالتها بالأسطوري.
وكانت المبادرة دعت الموهوبين من الشباب إلى جولة في مقابر الإمام الشافعي، أمس السبت، لرسم المقابر وتصويرها قبل إزالتها.
وتُعرّف “رسم مصر” نفسها بأنها مبادرة تهتم بفنون مصر وتاريخها، حيث توثقه بالرسم والتصوير والفيديو، من خلال رسم الناس والآثار والمعالم وشوارع مصر، وأيضاً التحدث عن تاريخ مصر ببساطة ودون تعقيد، بالاشتراك مع طلاب كلية التربية الفنية جامعة حلوان وجميع الموهوبين من محبي الرسم.
وطالت عمليات الهدم، خلال الأشهر الماضية، مقابر لشخصيات أثّرت في تاريخ مصر الحديث، منهم يوسف صديق، أحد أعضاء ثورة 1952، والشيخ محمد رفعت، الذي عرف بقيثارة السماء، والشاعر حافظ إبراهيم الذي عرف بـ«شاعر النيل»، والأديب يحيى حقي، والشاعر محمود سامي البارودي الذي لقب برب السيف والقلم.
كما تراجعت السلطات عن هدم مقبرة عميد الأدب العربي طه حسين، بعد تهديد أسرته بنقل رفاته إلى خارج البلاد.
تضم المقابر كنوزاً معمارية فريدة شديدة التنوّع، تعبّر عن حقب زمنية من تطور العمارة الجنائزية الممتدة منذ مصر القديمة إلى يومنا هذا.
وتأتي عمليات الإزالة التي طالت مقابر تاريخية في وسط القاهرة، ضمن مخطط القاهرة 2050 الذي أطلقه رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، حين كان رئيساً لهيئة تطوير المجتمعات العمرانية، عام 2009.
وبدأت أزمة هدم المقابر التاريخية في 24 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، وتم كشف مذكرة بشأن المدافن التي وقعت في نطاق الإزالة في مشروع تطوير محور صلاح سالم من محور جيهان السادات حتى حديقة الفسطاط بامتداد 6 كيلومترات، تتخللها جبانات المجاورين وباب الوزير وسيدي جلال والسيدة نفيسة والطحاوية والإمام الشافعي وسيدي عمر.
وفي عام 2020، أثير جدل بشأن عدد من المقابر في منطقة منشية ناصر في قلب القاهرة التاريخية، يُزعم أنها «جبانة المماليك»، وتعود لنحو 5 قرون، من أجل إنشاء جسر. وتُعَدّ مقابر المماليك أقدم جبانة إسلامية في مصر، وتحتل موقعاً متميزاً وسط العاصمة.