الإدارة الأمريكية نفسها التي اعترفت بالقدس عاصمة لإسرائيل، وبنقل سفارتها من تل أبيب إليها، ثم اعترفت بالضمّ الإسرائيلي لهضبة الجولان السوريّة المحتلّة، ثم صدّقت مسبقاً على ضم إسرائيل لمنطقة وادي الأردن وشمال بحر الميت، ما يشكّل ثلث الضفّة الغربية ويفصل باقي مناطق الضفة عن الأردن، هي التي تخرج علينا اليوم بإعلان التوصل إلى “اتفاق تاريخي” تسير فيه الإمارات وإسرائيل نحو التطبيع الكامل للعلاقات الثنائية بينهما، في مقابل تعليق إسرائيل “الرخصة الأمريكية” المعطاة لها، لجهة ضم وادي الأردن، في حين يقتصر موضوع القدس ضمن المعلن عنه في هذا الاتفاق على توفير حرية السياحة الدينية فيها لمواطني دولة الإمارات.
في الشكل، نحن أمام مشروع دونالد ترامب لـ”السلام”، ثم أمام توسع هذا المشروع ولو على حساب تعليق جزء منه (ضم أراضي في الضفة)، والذي لو تابعنا منطق هذا المشروع، من داخله، يعني تعليق قيام الدولة الأرخبيلية للمناطق والبقع المتروكة للفلسطينيين، ما دامت هذه، مشروطة بأن تأخذ إسرائيل ما تأخذ من أراضي الضفة، وتعلن في نهاية المشروع أنها وصلت إلى لحظة التخمة الترابية والاستيطانية، وبالتالي هي “تتنازل” عن “الأجزاء المتبقية” للفلسطينيين، ضمن سيادة محدودة لهم، أي بشكل أساسي من دون سيادة على حدود هذه الدولة المزمعة، ومن دون سيادة على مجالها الجوي، ومن دون سيادة على حركة انتقال السكان منها واليها، أي من دون سيادة بشكل عام.
تعليق، أو تأجيل، البت النهائي في أمر ما ستضمه إسرائيل من الضفة هو ما تعد به المباركة الأمريكية “للصحوبية” الإماراتية الإسرائيلية. والصحوبية هنا قد تكون كلمة أكثر دقة من تطبيع، علاقات ديبلوماسية، سلام، إلى آخر المعجم ذي الصلة. هذا التأجيل بحد ذاته يقلل من الأعباء والضغوط على نتنياهو في الداخل الإسرائيلي. يواجه الضم المباشر بأراضي الضفة من على يمين نتنياهو ومن على يساره في آن: فمن هم على يمينه، بدءا من مجلس المستوطنين في الضفة “يشاع”، يستهجنون هذا الضم، لأنه يعني بالنسبة لهم الحد من امكانية التوسع والتوغل أكثر في الاستيطان وسلب الفلسطينيين أراضيهم، ومن هم على يساره يعتبرون أن ابقاء الوضع على ما هو عليه في وادي الأردن أفضل لإسرائيل من الضم أحادي الجانب، المحرج بشدة للجانب الرسمي الفلسطيني. لا داعي للضم، يقول المستوطنون في الضفة، لأنه ما زال بإمكاننا أن ننال أكثر، بل أن ننال كل شيء، ولا داعي للضم يقول من هم على يسار نتنياهو، لأن هذا يفقدنا هامش مناورة يسمح به دوام التطلع إلى “حل الدولتين” دون العزم على ايفائه مستلزماته.
تأتي المباركة الأمريكية للصحوبية الإماراتية الإسرائيلية لتؤلّف في واقع الحال بين هذين الموقفين: رخصة أمريكية لإسرائيل لضم أجزاء استراتيجية من الضفة، وعزم إسرائيلي على الاستفادة من هذه الرخصة، ثم “تنازل” إسرائيلي عن هذه الاستفادة لأجل معين، إلى ان تتوطد “الصحوبية” الآنفة الذكر، وتضم بلدانا عربية أخرى، ولا ضير في ذلك، مع دامت الرخصة الأمريكية للضم موجودة، ولن يسحبها مجددا لا ترامب ولا أي رئيس من بعده.
نفس اللعبة تتطلب ان يكون الفلسطينيون ممتنين لهذا الاتفاق، او تحديدا للجانب الإماراتي، ما دام الاخير تمكن الآن من تعليق الضم، اي تمكن من تحقيق الوحدة الوطنية الإسرائيلية في موضوع ضم او عدم ضم وادي الأردن، بين من يعارض الضم من على يمين نتنياهو وبين من يعارضه من على يساره، وبين نتنياهو، الراغب في الضم. يردد “المتأثرون” بالجانب الإماراتي اشياء من قبيل ان لا أحد استطاع بالمكابرة والخطابات وقف عملية الضم، إلى ان جاء هذا الاتفاق فعلّقها. هذا فيه اغفال فظ لكون إسرائيل عالقة منذ فترة غير قليلة بهذه المشكلة، منقسمة حولها بشكل محتدم.
لنتخيل إذا سيناريو آخر: الإمارات وإسرائيل تقرران بكل بساطة إقامة علاقات ديبلوماسية كاملة بينهما، دون أي حديث لا عن ضم جزء أو عدم ضمه في الضفة. أي كما تفعل معظم البلدان التي تعترف بإسرائيل وتقيم علاقات ديبلوماسية معها. كان الأمر ليكون أقل سوءا من ربط مباركة الصحوبية بين البلدين بتعليق ضم وادي الأردن. كان أقضل لو كان هناك “تطوع أقل” في محاولة حل مشكلة إسرائيلية داخلية، وفي إسناد نتنياهو وترامب سياسيا، وعشية الرئاسيات الأمريكية.
كان الأفضل والأجدى لو جرى التخفف من رابطة العروبة في هذه الحال وتوظيفها لصالح ترامب ونتنياهو. أقله، لتركت الإمارات الفلسطينيين حينها لحال سبيلهم، وما أثقلت عليهم بشكل مباشر، ولسوّغت موقفها بمصالحها الوطنية هي وتقديرها لهذه المصالح، لا أكثر ولا أقل.
من البحرين، في استضافتها للحلقة الاقتصادية التدشينية من رؤية جاريد كوشنير لصفقة القرن، إلى اتفاق اعلان الصحوبية بالأمس، هناك مجموعة من الدول، وبدلا من الاكتفاء بلغة المصلحة، تقوم باستخدام رابطة العروبة بالضد من القرارات الدولية ذات الصلة بالأوضاع في الأراضي المحتلة عام 1967 وبالضد من مقولات الأرض مقابل السلام وحل الدولتين الفعلي، وبالاسراف اكثر من اي وقت في الحل الرمزي للصراع بالميثولوجيا الدينية، وبخاصة مصالحة أولاد سارة وأولاد هاجر، في وحدة المرجعية “الأبراهامية”، والميثولوجيا العرقية، أي وحدة الساميين، العبرانيين والعرب. ونتنياهو أعار الإمارات في هذا المجال الاسطورة الصهيونية عن تحضير الصحراء، وبالتالي صار تحالف الساميين هذا، تحالف مخضّري الصحاري، ضد آريي الشرق، ايران، الذين يصحّرون الأخضر. بل قل هو تحالف الأبراهاميين الساميين التخضيريين للصحاري، بوجه الآريين الشرقيين (عدا الكرد) والطورانيين معاً. تاريخي؟ الاتفاق هو بالأحرى ميثولوجي. منغمس في الميثولوجيا الدينية والعرقية، انما في حدود ما يستوعبه “الكيتش”. كيتش ميثولوجيا. “يهود وعرب”، أحفاد نفس الجد معاً، ضد العجم والأعاجم، ودفاعا عن الامبراطورية الأمريكية في نفس الوقت.
مصالحة من ناحية، وتحالف من ناحية ثانية. في هذا التفاوت تكمن مفارقة الاتفاق وطبيعته كاعلان مباركة أميركية بين الإمارات وإسرائيل، وما يفترض “ابراهاميا” انه بين ابو ظبي والقدس (وليس فقط تل أبيب). فالتحالف هنا حاصل قبل المصالحة، والتطبيع قبل العلاقات الدبلوماسية.
والإمارات في هذا المجال، تنتمي إلى نوع من تحالف يجمعها إلى السعودية ومصر، ولو ظهر افتراقها عن السعودية في اليمن جليا، وظهرت اكثر قدرتها على الذهاب بعيدا في موضوع الصحوبية مع إسرائيل. المصالحة والتطبيع أصعب على هذا الصعيد في السعودية، وتتصل بكامل الوضع في حوض البحر الأحمر، وبحاجز نفسي ايديولوجي “لعلّه أقوى”، وبأزمة التوريث غير المحسومة تماما بهذه السهولة بعد، رغم كل شيء. الإمارات أقل ضغطا داخليا في هذا المجال، وليس لديها حدود بحرية مع إسرائيل، ولا هي على مقربة كيلومترات معدودة منها برّياً، مثل السعودية، ولا يقدّم حاكمها نفسه كصاحب هالة دينية من أي نوع.
والأهم، الإمارات ليست دولة – أمة. بخلاف مصر، الدولة الأمة بامتياز، والسعودية، الدولة – الأمة الإشكالية طالما أن السعودة شكلت الاطار العام لهذه الكيانية، في حين ان صيرورتها كدولة أمة يحتّم مراجعة في العمق لهذه السعودة. الإمارات ليست دولة – أمة من الأساس. لا يعني هذا انها تجربة لا تستحق الاعتبار لتوسيع النظر إلى مفهوم الدولة، ناهيك عن اختزالية من يريد أن يسقط سردية “مدن الملح” على كل شيء في الخليج. الإمارات ليست دولة أمة، لكنها ليست مدن ملح. هي، بكل بساطة، إمارات متحدة، تمتلك رؤية اماراتية لبقية أجزاء العالم العربي. تؤسس هذه الرؤية ليكون لها كدولة إماراتية بقيادة إمارة أبو ظبي، إمارات عربية رديفة، في جنوب اليمن، أو إمارة برقة بقيادة حفتر في شرق ليبيا. اذا كانت هناك في حقل الكيانات السياسية ثلاثة نماذج هي الدولة المدينة، والامبراطورية، والدولة الأمة، تشكل الإمارات رجعة إلى الدولة – المدينة، انما بطموح إمبراطوري. مجموعة إمارات تتشكّل في هيولى امبراطورية. لمواجهة إمبراطوريات أخرى (تركيا النيو عثمانية وحلفائها من العرب، إيران الخمينية وحلفائها من العرب)، أو للانخراط في عقد امبراطورية ابراهامية مشكلة من هذه الامبراطورية الإماراتية بامتداداتها ما وراء مياه الخليج، ومن إسرائيل (أو قل، السوق الأبراهامية المشتركة) في الوقت نفسه التي ما عادت تقبل فيه إسرائيل ان تكتفي بالنظر إلى نفسها كأمة جديدة متعددة دينيا واثنيا، وان تكن بمحمول يهودي أكثري انما متباعد عن “يهودية الشتات”، وصارت تتشدد على أنها دولة يهودية، “للشعب اليهودي”.
تشتكي الإمارات، والسعودية، ومصر، بالفعل من واقع صار فيه “العرب” لهم وزن أقل في معادلات الشرق الأوسط من “غير العرب” (ايران، تركيا، إسرائيل). يغيّب هذا الثلاثي في المقابل ان ما جعل وزن مجموع العرب أقل بشكل نوعي في العقود الأخيرة هو تراجع وزن مصر بعد رحيل عبد الناصر، وكل ما لحق بالعراق من مصائب منذ احتلال الكويت إلى اليوم، وان ما عجزت عنه مشاريع الدولة الوطنية لا يمكن ان ينهض به التخليط الهجين بين ما للدولة المدينة، وما للامبراطورية، الا اذا كنا نفترض ان الإمارات هي في عصرنا صنو جمهورية البندقية، أو جنوى، في العصر الوسيط.
تركيا وايران، دولتان – أمتان لهما طموحات او نوستالجيات امبراطورية، لكنهما أولا وأخيرا، دولتان – أمتان. تجاهل هذا كان وما زال مدخلا لكل انواع الشطط وسياسات الحنق. “الصحوبية” التي أعلن ترامب وكوشنير عن مباركتها تدخل في هذا السياق.
صدر عام 1947 قرار أممي تقسيم فلسطين بعد ذبح أوروبا يهودها فقامت إسرائيل عام 1948 واعترفت بها الدول العظمى والعالم عدا دول العرب أعلنت حرب عليها ومنعت قبول فلسطين للتقسيم، بالمقابل تركيا من أول دول العالم تعترف بإسرائيل عام 1949 ولم تقطعها طوال 70 سنة حتى الآن ولم تعلن حرب عليها أبداً رغم تغير أنظمة الحكم بها، بينما خاض العرب ثلاثين سنة حروب دامية استنزفتهم واحتلت اسرائيل أراضي دول عربية بدعم غربي غير محدود فاضطر العرب للإعتراف بإسرائيل بدءاً بمصر عام 1979 وفلسطين 1993 والأردن 1994 والإمارات 2020
صحوبية ابناء عم لم يراعوا في العمومة من هلك على حد تعبير امل دنقل
–
ليس غريبا على الامارات ان يغدو قلب الغريب افضل من قلب اخوتها و قد
–
نكلت بالاخوة في اليمن و ليبيا و حاصرت اخا هنا و قطعت رزق اخر هناك
–
الامارات حقا ليست بدولة امة و هذا هو سبب غباءها و مكمن فناءها
–
هي دولة هبة جوف الارض دولة قيمتها من قيمة البراميل و ويل لها
–
اذا ما النفط هوى
_
تحياتي