القاهرة ـ «القدس العربي»: «كروان مشاكل» «حديدة» «ملكة جمال المقطم» «رجل الكشري» «المعلمة كيداهم» وأخيراً «صفيع عمرو دياب».. اسماء يتم الزج بها والعمل على تضخيم وجودها في حياة المصريين، وهي سياسة معهودة في الدول القمعية، التي تحاول جاهدة إلهاء الناس عن مشكلاتهم الحياتية اليومية، ناهيك عن الأمية المتفشية حتى لدى المتعلمين وأشباههم في بلد ضائع.
من الفضائيات إلى التيك توك
في زمن التيك توك تغيّرت الوصفة أو التركيبة، وقد كانت في عهد المخلوع مبارك قاصرة على الفضائيات، وبرامج خاصة نجدها عند «المناضلة» ريهام سعيد، التي كانت تقوم بتأليف وتزييف الحكايات، كما في حلقتها الشهيرة عن الأسرة الكاملة الممسوسة بالجن، بل يأتي شخص يستخرج هذا الجن بالفعل، لنجده بعد ذلك أحد نواب مجلس الشعب، بل تاجر آثار تم القبض عليه منذ فترة، «ربما لأنه لم يدفع الإتاوة إلى مَن يرعون تجارته، تماشياً مع منظومة التأميم العسكري التي طالت كل شيء في مصر».
المهم (ألهي) الناس
وفي ظل الظروف السياسية والاقتصادية التي تمر بها مصر، خاصة مع تداعي الوضع في الأرض المحتلة، وموقف النظام المصري مما يحدث، أصبحت محاولات إلهاء الناس لا تنتهي، بل يتفنن البعض في هذه المحاولات، إلا أن الأمر الغالب هو إظهار أشخاص، من خلال موقف يتم التعاطف من خلاله، لتشتعل الآراء على السوشيال ميديا، ربما كان أشهرها عامل النظافة (محمد عادل) الذي تم طرده من محل كشري شهير، وهو يرتدي الزي الرسمي لعمال النظافة، فيتسابق بعدها العديد من الفنانين في جبر خاطر الضحية المطرود، كدعوته للغداء مثلاً في مطعم شهير، وتصوير الحدث ونقله عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وكذا ذكره في أخبار الصحف وعلى مواقعها الإلكترونية. وفجأة أصبح عامل النظافة نجم النجوم، ويقوم بمشروعات تجارية وفنية، بأن يفتتح شركة إنتاج أغاني، بل وسيغني بنفسه. وشاعت بعض الأخبار بعد ذلك بأن الرجل ليس عامل نظافة، بل إن سمات السماجة واللزاجة توحي بأنه أحد رجال الأمن ــ مُخبر سرّي ــ وهم بالفعل ينتشرون في زي عمال النظافة في الأماكن العامة وأمام المحال الشهيرة.
التنظير المرير
ولا حديث للناس في مصر الآن ـ أغلبهم ـ إلا في الصفعة التي تلقاها أحد المعجبين، سعد أسامة من عمرو دياب، فنجد التعليقات والتحليلات السياسية والثقافية أو السيسيوثقافية حتى تليق بالمقام، حيث الفارق بين الصافع والمصفوع، ليبدأ المنظرون في المقارنة بين حال الصفوة وحال الهامش، بين النجم الذي صنعه جمهوره، وجزاء هذا الجمهور الآن، والمتمثل في (صفعة) وكل هذه المصطلحات الخائبة والرؤى التافهة لما حدث ويحدث ويضيف آخرون بأن البلد أصبحت بلدين، كما تنبأ أحمد خالد توفيق (عرّاب التفاهة) في عمل من أعماله. وهنا يأتي السؤال .. كيف سيكون الموقف من (الهضبة)؟ ليتدخل الفنانون بين مؤيد لما فعله عجوز النجوم، أو يرفض التصرف ويرى ضرورة اعتذار النجم كبير السن. أما على صعيد المحاكم، فقد وصل الأمر إلى الدعاوى القضائية بين (الصافع) و(صفيعه) فذكرت جريدة «المصري اليوم» أن العديد من المحامين تضامنوا مع الشاب المصفوع، واتهموا عمرو دياب بـ»التنمر والبلطجة وتكدير الصفو العام للدولة» وطالبوا بتعويض مدني قدره مليار جنيه عن الأضرار المادية والمعنوية التي ألمت بالمجني عليه، لكن .. الهضبة دائماً له السبق، وقد قام بتحرير محضر يتهم الصفيع بأنه (تحرّش) به. مع ملاحظة أن الضحية من صعيد مصر، وأن إهانته طالت الصعيد بالكامل، يعني الموضوع تطير فيه رقاب، لكن المطرب سعد الصغيّر حسم الأمر، لما يمتلكه من حِس شعبي جارف، ونفى أن يكون الحل في يد القضاء، وأنه فقط في يد نجيب ساويرس وصبري نخنوخ، ولا تستهينوا بـ(الصُغيّر).
بارنوم وأشباهه الأغبياء
وإلى جانب بعض العروض القوية والمؤثرة، كما في حالتي (بتاع الكشري) و(بتاع الهضبة) وهي حفلات كبرى طويلة المدى في خطة الإلهاء، تأتي بعض العروض الصغيرة، التي تتواتر ويتغير أبطالها، أو مَن يقومون بتأديتها حسب الدور المرسوم، وهنا نستحضر فكرة أشهر مُنظم عروض أمريكي، فينياس تايلور بارنوم 5 يوليو/تموز 1810 ــ 7 أبريل/نيسان 1891، الذي كان مهووساً بأوراق اليانصيب، وأنشأ جريدة أسبوعية تقوم على نشر الشائعات، بهدف جذب القرّاء، ثم بدأ تنظيم العروض في نيويورك، حيث كانت البداية باستئجاره عجوزاً سوداء، اسمها جويس هيث، ادعى أن تجاوزت الـ150 عاما، وأنها إحدى مُربيات الرئيس جورج واشنطن. وبعد موتها تبيّن أنها لم تتجاوز الـ70 من عمرها. واستمر بارنوم في عروضه باحثاً عن كل ما هو غريب ومشوّه من البشر، بل شراء هؤلاء من بلاد أخرى، كالمستعمرات والدول الافريقية، حتى يضمن لعروضه النجاح (راجع الوثائقي .. حدائق الحيوانات البشرية، إنتاج 2020) ومن هؤلاء القزم الشهير تشارلز ستراتون، المعروف باسم «جنرال توم ثامب» إضافة إلى المرأة صاحبة الشارب، ووليم جونسون أو «الرجل القرد» وهو رجل تم الإتيان به من افريقيا، كان يضعه بارنوم في قفص بين القرود، وألبسه بعض الفِراء، وجعله يصرخ ويقوم بحركات عصبية دائمة، كما تفعل القرود. كذلك توأم ملتصق، وآخر عملاق. بخلاف الذين فرّوا أو حاولوا الفرار من سجن بارنوم ـ الإنساني ـ فكان السجن أو الموت مصيرهم. هنا تتواتر اسماء مثل.. «كروان مشاكل» «حديدة» «ملكة جمال المقطم» وغيرهم الكثير، مع ملاحظة أن الأول ملاحق قضائياً نظراً لفيديو فاضح تم نشره أو تسريبه، لا يهم ـ قام مشاكل بالتمثيل في أحد المسلسلات، وقد أثنى عليه المخرج الثوري بطبعه يسري نصر الله ـ كل هؤلاء يتوحدون في أنهم يعانون مشكلات في النطق والكلام، ويحملون ملامح غريبة، ليتحول سيرك (بارنوم) إلى وسائل التواصل التي لا تهدأ في استعراض حياتهم ومواقفهم.
واللافت أنهم يعرفون بعضهم بعضا تمام المعرفة، وكأنهم فريق واحد، وهو جين الغباء السلطوي الحتمي، ظناً منهم استكمال مسيرة الإلهاء على أكمل وجه، وتحت شعار .. كله في سبيل الوطن.