برلين – «القدس العربي»: أصدرت المحكمة الإقليمية في برلين أمس الخميس، حكمها على المتهم الفلسطيني موفق دواه، بالسجن المشدد مدى الحياة بجريمة حرب ارتكبها في سوريا عام 2014. وتم إلقاء القبض على المتهم في برلين مطلع أغسطس /آب 2021، حيث أصدر المدعي العام الألماني المختص قرار اتهام بحقه وأحال ملفه للمحكمة الإقليمية ببرلين.
قرار الاتهام الذي اعتمد على الأدلة وشهادات الضحايا المدعين والشهود، أكد أن المتهم كان عضواً في ميليشيات الجبهة الشعبية “القيادة العامة” وانتسب بعدها إلى ميليشيات “فلسطين حرة” بقيادة ياسر قشلق التابعة للنظام السوري. وقد شارك منذ بداية المظاهرات والاحتجاجات الشعبية في مخيم اليرموك، بقمع المظاهرات وضرب واعتقال المتظاهرات والمتظاهرين السلميين، وشارك بعدها بالسيطرة على المخيم وإخضاع المدنيين، كما شارك في حصار المخيم ومنع الدواء والغذاء عن سكانه، مما أدى لوفاة عشرات المدنيين.
المحامي وعضو الفريق الذي يعمل في المسار القضائي الخاص بملاحقة مرتكبي الانتهاكات الخطيرة في سوريا، ميشال شماس اعتبر في تصريح لـ “القدس العربي” أن الحكم المؤبد المشدد الذي صدر بحق المتهم “موفق.د” من محكمة برلين الإقليمية، هو حكم تاريخي ومهم ليس في تاريخ القضاء الألماني وحسب بل وفي تاريخ العدالة العالمية، على اعتبار أنه لثاني مرة في العالم وفي ألمانيا تحديداً يصدر حكماً بقضايا لها علاقة بعمليات القتل والتعذيب بحق مجرم ينتمي للنظام السوري ارتكب جرائم ضمن منظومة الأسد الأمنية الممنهجة.
وقال عضو المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية: إن الحكم على عنصر ميلشيات فلسطين الحرة” لم يكن بسبب قيامه منفرداً بقتل سبعة وجرح ثلاثين من المدنيين الذين كانوا ينتظرون أمام مقر الأونروا لتلقي مساعدات غذائية في مخيم اليرموك عام 2014، بل ولأنه أيضاً كان جزءاً من آلة جهنمية منظمة وممنهجة كانت ومازالت تتلقى أوامر من رؤساء الأجهزة الأمنية ورئيسها بشار الأسد لهذا نعتبر الحكم على “موفق.د” بمثابة إدانة كل هرم تلك الجريمة وبما فيه رأسه وأركانه. فمن غير الممكن تقييم مسؤولية “موفق.د” الجنائية بمعزل عن الجرائم التي يرتكبها النظام السوري، بدليل مساعدة نظام الأسد للمتهم خلال سير المحاكمة بتزويده بوثائق للتملص من الجريمة.
واعتبر المحامي أن الحكم الصادر أمس على “موفق.د” هو رسالة جديدة لكل المجرمين الذين مازالوا يرتكبون أفظع الجرائم في سوريا لتذكيرهم مرة أخرى بأنه لن يكون هناك إفلات من العقاب بعد اليوم ما دام هناك سوريات وسوريون يعملون على ملاحقة كل من أجرم بحق الشعب السوري.
وأضاف الشماس: “بهذه المناسبة ندعو كل اللاجئين واللاجئات السوريين والسوريين في أوروبا للتقدم بما لديهم من معلومات عن جرائم ارتكبت بحقهم أو بحقهم غيرهم لسلطات البلد المتواجدين فيها، أو الاتصال معنا في المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية، كما أتوجه بالتحية للقضاء الألماني ولوحدات البوليس ووحدات الادعاء العام الألماني في متابعة هذه الجرائم وملاحقة المجرمين ضد الإنسانية ومجرمي الحرب، وأتوجه بالتحية أيضاً للمدعين والشهود الذين لولاهم لما كانت هذه القضايا ولما كان هذا الحكم”. وتوعد المحامي الشماس “مواصلة المركز الجهود في ملاحقة كل من أجرم بحق الشعب السوري وتقديمه للعدالة”.
ووفقاً لقرار الاتهام، فقد كان موفق دواه مسؤولاً عن نقطة تفتيش في مدخل مخيم اليرموك، دوار “البطيخة” وبعد أن تم إقرار هدنة في بداية عام 2014 من أجل دخول بعض الأغذية والأدوية لسكان المخيم عبر منظمة “الأونروا” التابعة للأمم المتحدة وبتاريخ 23 آذار 2014 استهدف عمداً تجمعاً لمدنيين/ات يحاولون استلام الدعم الغذائي منها، بإطلاق قذيفة سلاح مضاد للدبابات عليهم مما أدى لمقتل سبعة مدنيين/ات على الأقل وجرح العشرات. وابتدأت محكمة برلين الإقليمية جلسات المحاكمة المفتوحة بتاريخ 25 آب 2022 وعبر ثلاثين جلسة علنية استمعت المحكمة لشهادات الضحايا المدعين والشهود وشهود الدفاع والخبراء واختتمت بمرافعات المدعي العام ومحامي الضحايا ومحامي الدفاع.
ورحب المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية بقرار المحكمة، وقال في بيان رسمي الخميس “نقدر المعايير العالية لتطبيق العدالة المعروفة لدى القضاء الألماني، ونشكر مكتب الادعاء العام ووحدة البوليس الألماني المختص بالجرائم الدولية على الجهد الكبير الذي بذلوه لجمع وتدقيق الأدلة وشهادات الشهود وبناء الملف وخلال المحكمة، كما نشكر بقوة المركز الأوروبي للدستور وحقوق الإنسان (ECCHR) وخاصة المحامي باتريك كروكر على جهودهم ودعمهم المستمر لقضية العدالة في سوريا”.
واعتبر مركز الأبحاث القانونية أن الضحايا والشهود كانوا على قدر كبير من المسؤولية، مرحباً بجهودهم “رغم كل المخاطر والتهديدات التي تعرضوا لها والألم الكبير الذي عانوا منه نتيجة غياب العدالة عنهم لفترة طويلة وتكرار ذكرى ما تعرضوا له، فإنهم تقدموا/ن بكل قوة ليقدموا/ن ما لديهم أملاً بالوصول للعدالة ليس لهم فقط وإنما لكل ضحايا الإجرام في سوريا”. وكان قد تم توقيف المتهم في 4 آب 2021 بناء على شهادات شهود، وأدلة ساهم بجمعها وتقديمها المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية.