افتتحَ أحدُهم مطعماً للوجبات السريعة ذات مرة بعد أن اختارَ اللون الأخضر ثيمةً أساسية في ديكوراته، لاعتقاده أنه لونٌ مبارك جالبٌ للرزق، ليكتشف في ما بعد أن الزبائن يطيلون المكوث في المكان بعد تناولهم لوجباتهم، ما يفوت الفرصة على زبائن آخرين للجلوس، في الوقت الذي تقتضي طبيعة العمل في مثل تلك المطاعم تغييراً مطرداً في مرتاديه، ما أدى في المحصلة إلى تدنٍ لافت في الدخل المادي المتوقع بالنسبة له، وهكذا إلى أن استشار أحدَ المتخصصين لينصحه فوراً بتغيير اللون الأخضر إلى البرتقالي، مبرراً ذلك في أن اللون الأخضر يجذبُ النظر ويريحُ الأعصاب ويحفزُ على الاسترخاء… في حين أن البرتقالي جاذبٌ للنظر والنفس بدوره، ويساعدُ على فتح الشهية، لكنه سرعان ما يثيرُ الملل… وبهذا يتحققُ المراد!
في السياق ذاته؛ لو تخيلنا أن مصمَمي الأزياء قرروا اعتماد البرتقالي لوناً لأحد المواسم؛ فلتحاذر النساء من الانجراف وراء ما أرادوا، إذ يعني أنهم يسعون لجعلها تبدو جذابة لأول وهلة، ولا بأس إن أثارت المللَ في نفس الرجل في ما بعد!
وأذكر في الموضوع ذاته حكايةً لإحدى الصديقات التي تقدمَ لها ذات زمن عريسٌ بالطريقة التقليدية إياها، مستجيبة لمبادرة قريبةٍ لها بعد أن تحرت عن مستواه المادي وأخلاقه وعائلته إلى آخر ذلك من المسوغات، لينتهي الأمر بزيارته ووالدته للتعارف، وتقول صاحبتنا: «كان يبدو لائقاً للوهلة الأولى، وكان يرتدي بدلةً رمادية أنيقة، لكن ما أثار استغرابي حينها هو حذاؤه، إذ كان لونه عسلياً لامعاً مشعشعاً إلى درجة أني قضيتُ الوقت سارحةً في الحذاء العجيب، وأنا أسألُ نفسي بحرقة، لماذا؟ لماذا لم ينتعل آخر أسود بسيطاً عادياً؟». المهم أنها ارتبطت به ليكون أول إجراءٍ اتخذته بعدها هو التخلص من ذاك الحذاء غير مباليةٍ بدهشته وحزنه على ثمنه الباذخ! كما أن لأحد الفنانين المرهفين رأياً في ما تفعله إدارات المرور في بعض مدننا، حين يقررون دهن أطاريف الأرصفة باللونين الأسود والأصفر الصارخ، ليعلن بانفعال: «يصدعني للغاية تجاورُ هذين اللونين أمامي أثناء القيادة، فأكادُ أرتطمُ بالرصيف بدل أن أتحاشاه كما يظن خبراء السير!».
وفي سياقٍ آخر، ينصحُ خبراء الطاقة والتنمية البشرية باعتمادِ ألوانٍ معينة في مقابلات العمل، فثمة ما يعطي للمتقدم الثقة بالنفس، في الوقت الذي يؤثر فيه بإيجـــابية على اللجـــنة المسؤولة أثناء المقابلة، وحدث أن استدعيتُ ذات مرة للمشاركة في اختيار مذيعاتٍ لإحدى الفضائيات العربية، فخلتني يومها عضو في لجنة تحكيم لأفضل عرضٍ فني ترفيهي مثير، إذ وجدتني أمام كرنفالٍ صارخ من مساحيق التجميل الملونة والأكسسوارات والدناديش، ما دلّ على أن معظمهن كان لديه خلطٌ بائس بين وظيفة الإعلام، ووظيفة الاستعراض والترفيه والإغراء!
الخلاصة، ثمةَ أمية من نوعٍ ما لدى بعضنا في التعامل مع عنصرٍ جمالي باهر اسمه «اللون» عنصر يمكن أن يوصلَ رسائل عديدةً بدون كلام، لكل درجة من درجاته إيقاع وفلسفةٌ وسر وسحر، موسيقى بصرية عجزنا عن إدراك معانيها وأبعادها، وما زلنا مقصرين في إنصافِ هذه الهبة الكونية، والإلمــــامِ بأسرارها وخفاياها الباهرة التي قد تعطي لحــــياتنا أبعاداً لا يعيها سوى العباقرة من عشــاق الفن والجمال والحياة.
كاتبة أردنية
من سوء حظي اني ممن لا يميزون بين بعض الالوان او التفرييق بينها
–
اكثر من ذلك اني اجد صعوبة في تسميتها بأسمائها و كثيرا ما ترهق عيني
–
الالوان
–
تحياتي
رائعه دكتورتنا الغاليه
اشكرك من صميم قلبي
مع احترام
زياد جمال حداد