غادر ترامب البيت الأبيض، ولكن يبدو أن الانشقاق في أمريكا آخذ في الاحتدام تحت إدارة بايدن. في مقال نشرته هنا قبل انتخابات الرئاسة (“الحرب على مستقبل أمريكا” 13/10/2020) قلت إن انعدام شفافية الحملة الديمقراطية “يزيد التخوف بأن يكون بايدن هو “حصان طروادة” لفرض أجندة يسار متطرف”. بعد نحو شهر ونصف من ترسيمه، يبدو أن الرئيس بايدن يفعل كل ما في وسعه لتأكيد المخاوف المسبقة، و”تغيير أمريكا” من الأساس – كما وعد بعد انتخابات السناتور تشاك شومر (زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ) – بخلاف تام مع تصريحات بايدن “الوحدة ورأب الصدع” في احتفال ترسيمه.
صحيح أن بايدن يتمتع بكونغرس ديمقراطي يسهل عليه تحقيق سياسته، ولكن هذا لا يمنعه من تحطيم رقم قياسي مشكوك فيه في التوقيع على المراسيم الرئاسية – وهي ممارسة تسمح له بأن يجمد سياسة رئيس سابق، بمجرد توقيعه. حسب فحص أجرته السي.ان.ان، وقع بايدن حتى 20 شباط على 41 مرسوماً رئاسياً، مقابل 24 لترامب في الفترة الموازية، و26 لأوباما و7 فقط لبوش الابن. كرس منها أقل من ثلث المراسيم لجائحة كورونا، بينما وجهت باقي المراسيم للحرب ضد مبعوثي شيطان البيت الأبيض الحالي: مؤيدي دونالد ترامب. وحسب استطلاع نقلته مؤخراً “فوكس”، يصف الديمقراطيون مؤيدي ترامب تهديداً أول في سموه على الأمة الأمريكية (بعد ذلك “العنصرية المؤطرة” و”التفوق الأبيض”) – بينما يقلق الجمهوريون من الهجرة غير القانونية، ونقص القانون والنظام، ومن الضرائب العالية. يحرص بايدن على إلغاء كل إصلاح أو سياسة اتبعها ترامب حتى وإن انطوى الأمر على المس بالنمو الاقتصادي، وخطر استقلالية الطاقة الأمريكية وزيادة تعلقها بدول معادية؛ وبتسييب حدودها أمام ملايين المهاجرين غير القانونيين (هي سياسة اصطدمت بالنقد حتى من جانب بعض الديمقراطيين وصدتها أوامر قضائية).
مؤخراً شهدنا عرضاً يبعث على القلق من جانب مرشحة بايدن لمنصب وزيرة الصحة، التي لن توافق على الإعلان بأنها ستحظر على الأطفال تنفيذ عمليات جراحية لتغيير جنسهم – دون موافقة أهاليهم. وينضم هذا إلى مرسوم رئاسي يلزم فرقاً رياضية نسائية في المدارس السماح بدمج المتحولات جنسياً حتى وإن كن لا يزلن رجالاً من ناحية بيولوجية. يعمل الديمقراطيون أيضاً على مشروع “يسهل تنفيذ خدعة انتخابات في المستقبل” – وفقاً لتحليل معهد البحوث المحافظ “هريدج” – وبالتالي، التصعيب على الجمهوريين العودة إلى الحكم.
من يتجرأ على الاحتجاج ضد سياسة الإدارة، سيصطدم بالرقابة والملاحقة: بإسكات رجال اليمين في الشبكات الاجتماعية؛ وباستغلال أحداث الكابيتول لتصنيف أعمال احتجاج يمينية كـ “إرهاب محلي”؛ وبدعوة السي.ان.ان ومشرعين ديمقراطيين شركات الكوابل إزالة “فوكس نيوز” وقنوات تلفزيونية محافظة أخرى بحجة أنها “تنشر معلومات مضللة”. ومؤخراً، دعا محام من شبكة التلفزيون العامة “بي.بي.اس” إلى إدخال مؤيدي ترامب في “معسكرات إعادة تثقيف”.
إن الضعف الداخلي في أمريكا يبث أثره إلى الخارج. وهذه بشائر سيئة جداً للعالم الحر بعامة، ولإسرائيل بخاصة.
بقلم: جلعاد تسفيك
إسرائيل اليوم 1/3/2021